أكمل أنور احتساء قهوته في ذلك المقهى المطل على أول شارع باب بنات، كانت الساعة تقترب من منتصف النهار، قدّر أن ذلك المطعم الكائن على مقربة من جامع الزيتونة في المدينة العتيقة قد فتح أبوابه لاستقبال رواده، اعتاد منذ سنوات أن يتناول طعام الغداء في هذا المطعم، كلما جاء إلى العاصمة، هو مطعم مشهور يطهي الأكلات التقليدية، وخاصة أكلة الكسكسي بالسمك أو لحم الخروف، وفوق الصحن مع قطعة اللحم أو السمكة المشوية أو المقلية في الزيت يتمدد قرن الفلفل الأخضر وقد استحال لونه إلى ما يشبه اللون الفضي جراء قليه في الزيت.

كان المطعم يعج بالزوار بين تونسيين وأجانب، كلهم جاؤوا لتناول وجبة الغداء في هذا المطعم، ومن الصعب أن تجد مكانا شاغرا خاصة خارج المطعم حيث انتصبت بعض الطاولات، لن تظفر فيها بمقعد شاغر إلا بصعوبة، وعليك أن تبحث عن مقعد شاغر في الداخل إذا كنت محظوظا.بصعوبة وجد مقعدا في الفضاء الخارجي بعد أن أنهى أحد الرواد تناول فطوره وقام ليترك له المكان، لم ينتبه إلى من كانوا جالسين ويقاسمونه نفس الطاولة، فهم من خلال ما استمع إليه من حديثهم، أنها عائلة جزائرية كانت تتكون من الزوج وزوجته وابنتهما، عندما جلس بادرهم بالتحية والسلام، فردوا عليه مرحبين به،، وقال الزوج مخاطبا إياه :-  مرحبا تفضل.- شكرا، أرجو ألا أزعجكم.- لا.. لا.. أبدا، مرحبا بك..

نحن على وشك الانتهاء.وأضاف الكسكسي هنا لذيذ جدا في هذا المطعم لقد تناولت كسكسي بالسمك وتناولت زوجتي كسكسي بلحم الخروف أما ابنتي فقد تناولت بعض المقليات.. وواصل أكيد أنها ندمت، لقد فرطت في وجبة من الكسكسي اللذيذ سواء بالسمك أو بلحم الخروف..قال لهم : هنيئا.. أرجو أن ينفعكم، وأضاف مثلكم أحرص كلما أتيت إلى العاصمة، وقادتني الحاجة إلى المدينة العتيقة على تناول وجبة الغداء هنا في هذا المطعم.. ترون أنه من الصعب أن تظفر على مكان شاغر خاصة في مثل هذه الساعة.

قال الزوج "نحن من الجزائر، أتينا إلى تونس في سياحة منذ يومين، برمجنا زيارة الحمامات وسوسة وسيدي بوسعيد، ونابل المدينة العتيقة رائعة، كم هي جميلة هذه المعروضات التي يعرضها التجار في محلاتهم.. لقد اشترينا العديد من الهدايا لأصدقائنا في الجزائر.. ثم أخرج مجموعة من الصحون، وقال "أنظر لقد كتبنا أسماءنا على هذه الصحون الجميلة وتاريخ الزيارة، لنحتفظ بها كذكرى جميلة عن زيارتنا للمدينة العتيقة، ثم تدارك قائلا:- عفوا صديقي.. شغلتك عن تناول طعام الغداء لا شك أنك جائع..كانت روائح البخور والعطور تملأ المكان لتشيع جوا من الانشراح والبهجة. وعلى مقربة من المطعم، جلس مجموعة من الرواد أمام المقهى المجاور، وقد انتصبت أمامهم على المناضد الصغيرة كؤوس الشاي الأخضر بالنعناع.. والبعض من الرواد كان يداعب شيشته ليخرج  من فمه الدخان كثيفا. 

في حين كان النهج لا تكاد تهدأ فيه الحركة من الإتجاهين.. البعض كان قادما من القصبة والبعض الآخر كان قادما من شارع الحبيب بورقيبة.. وبين غاد ورائح لا تكاد الحركة في هذا النهج، نهج جامع الزيتونة المعمور، تهدأ للحظة من اللحظات، وعليك أن تتسلح بصبر أيوب لكي تستطيع الوصول إلى غايتك والمرور عبر هذا النهج. 

فالجميع تستهويهم زيارة المدينة العتيقة حيث محلات بيع الأواني النحاسية والملابس والصناعات التقليدية والبخور والعطور، والكتب القديمة والنقش على الصحون والعودة بالهدايا إلى الأهل والأصدقاء. هنا في ثنايا المدينة العتيقة يتجدد الزمن ويلتحم الماضي بالحاضر في رحلة لا تعرف التوقف.

0 تعليقات

اترك تعليقاً

الحقول المطلوبة محددة (*).

مواضيع أخرى ربما تعجبكم