حَجْرُ اليَمَامَة ـــ الطُّرُقَاتُ وَالسَّاحَات 3

أذاع نـهار العيد ضياءه الفريد في صحاري نـجد وقراها، وارتدت نساء حَجْرٍ فاخر اللباس الناصع البهي، وخضّبن بالـحناء العبق أصابع حُلّيت بـخواتـم ذهبية، ومعاصم أضاء بياضها، واستدارت عليها الأساور، وازدانت نـحورهنّ الـمشرئبة بالقلائد الزاهية، وكُرَات الـخرز الذهبي، ثـم هيّأن حناجرهن للغناء، وتناقلن على ألسنتهن الزغاريد الصاخبة.

حِسَان بأجسام رشيقة قليلة الامتلاء، وبأعين ألـهمنها بكحل مثير أعاد النعاس إلى أجفانـهن، وبشعور مصبوغة من جذورها، وحناء مرسوم على أذرعهن الدقيقة، مـمتدٌ إلى ظهور أيديهن الطرية، ومن سوقهنّ إلى أقدامهنّ الصغيرة، أقمن عيداً جنونياً بعد أن ارتدين ثياباً فضفاضة، ووضعن على وجوههن زينة هادئة، ثـم فككن شعورهن وتركن ضفائرهن الـمخضبة بالبخور تُشاغب طراوة أردافهن.

خرجت جـموع الناس باكراً، حين تـحرك موكب الأمير من دار الإمارة باتـجاه الساحة الكبيرة قرب السوق، وذُبـحت الـخراف ونـحرت الإبل، وخرج الصبية إلى الطرقات، متفرقين في طرائق الفرح الـمتنوعة بالعيد، وتقدم أمير حَجْر وحاشيته نـحو الـممر الطويل الذي يصل بين مدخل السوق والساحة حيث ترتفع أعمدة أسطوانية طينية عالية، بينها انتشرت الفرق الراقصة، وكان بـجانب أحد أعمدة الساحة بعير أبيض ضخم معقول بـحبال غلاظ، فناولوا الأمير السكين الطويلة ليسمي وينحر، وحين طار الدم بكثافة، أطلقت النساء الزغاريد الطويلة، وأرسل الفرسان صيحات الفرح، ونادى الفتيان بالـهتاف، وفي طريقه سائراً إلى ساحة الرقص الشعبي، استقبله الناس بالدعوات، فلوح لـهم بيمينه وهنأهم بالعيد، مشيراً إلى عجائز يبتسمن له، ونساء يلوحن له.

هناك طبول قُرعت لبدء الغناء بالعيد، ورجال يرقصون الرقص النجدي الشعبي، فتراجع الناس إلى الوراء حتى اقترب الأمير في لبس الـمرودن وهو لباس أساسي خارجي للرجل، ذو الأكمام الواسعة مثلثة الشكل، الـمصنوع من القطن أو الـخام، واعتمر عقالاً مقصباً رباعي الأضلاع له عقد صغيرة بينها عصائب طويلة كثيرة الزري، وشدّ حزاماً جلدياً يزهو عليه خنجر ثـمين، حينها قرأ خطبته السنوية ثـم فُتحت أبواب سور حَجْر، وخرجت صفوف من الرجال الـمتوشحين بثياب بيضاء فضفاضة ذات أكمام طويلة تقصر قليلاً عن أقدامهم، يتقدمهم فرسان على صدورهم أحزمة سود مـحشوة برصاص البنادق، وتلمع الـخناجر من أحزمة تلف أوساطهم، وهم يرفعون رماحهم من فوق خيول مسرجة بسروج حيكت من الـجلود السميكة الـملساء، وعمائمهم ناصعة بيضاء تُزيّنها عصائب رباعية الأضلاع لـها عُقَد صغيرة بينها عصائب طويلة كثيرة الزري، حرّك حينها الـهواء مشاعر النساء اللواتي تناثرت شعروهن على أثوابـهن الـمطرزة بالزهر، وهنّ يرقصن على سطوح البيوت، وقد تزيّن بكامل زينة العيد.

ارتفعت أذرع الرجال القابضين على السيوف، ذوي الأردية الطويلة الـملونة الـمطرزة، وثياب الزبون الـمفتوحة من الأمام والـمصنوعة من الـجوخ الكثيف أو الصوف، وراحوا يلعبون بـحركات منتظمة، تتوسطهم الراية النجدية بطول ثلاثة أمتار يـحملها أحدهم بيده اليسرى، واضعاً طرفها الأخير على عنقه، مستمراً في مشاركة صفوف العارضين في الـميدان، متناغمين مع قرع حَـملة الطبول الكبيرة والصغيرة، والتي يتقدمها شاعر يلقي بصوته الـحاد قصيدته على الصفوف، مُتولِّياً نقلهم من مقطع إلى آخر، وهم يتقدمون عدة خطوات إلى الأمام.

وقبل الظهيرة أقيم حفل استقبال لأمراء قرى اليمامة بعد أن حضروا ليهنئوا أمير وأهالي حَجْر بالعيد، حيث أُعدت الترتيبات لـهذا الفرح الكبير، كنت ضمن حشد الـمهنئين والفرحين بالعيد، فصحت بصوتٍ عالٍ للأمير:

ـــ فخورون بك أيها القريب منا.

ثـم انصرف الناس في شؤون الـحياة اليومية منخرطين في العيد، أما أنا فقد قمت بكل شيء، رقصت الرقص الـحربي، ولوحت بالسيف، وضحكت للأهالي وهنأتـهم، كمن يـحمل رسائل الفرح ويهديها، فتكررت سباقات الـهجن والـخيل يومها، وخرج الناس إلى الأودية والساحات.

لقد نثر العيد زهور ضيائه على مُدن اليمامة، التي صنعت شكلها الـخاص، ارتفاع أسوارها، ومعمارها الـمبني من الطوب الطيني، حيث اتـخذ أهلها في جدرانـها حوانيت وأروقة، بسقوف عالية متقنة بـجذوع النخيل وأعرافه الـمشطرة، بنيان مربع بـحدود مثلثة الأطراف، ونوافذ رفيعة مقنطرة وبارزة ذات نقوش ناعمة وألوان هادئة، وفي قلب كل بيت سلم يؤدي إلى السطوح الـمقصورة على الأطفال والنساء.


 

0 تعليقات

اترك تعليقاً

الحقول المطلوبة محددة (*).

مواضيع أخرى ربما تعجبكم