كانت الشمس قد تركت قبلة على وجهها فزادته سمارًا. بنطالها القماشي المورّد ينساب إلى الأسفل مستسلمًا للأرض ولجاذبيتها، بينما أنفها لا تخضعه جاذبية سفلية.. وإنما يسمو ليصكّ وجه القمر فيدفعه خارج مداره قليلًا. كنزتها الصوفية تتمسك بشعرها كغريق التقط قشة، وشعرها المنثور بلا ضفيرتين هذه المرة، يشبه غيمة سوداء وعدُها المطر، وأنا بعد هذا العمر.. ما زلت أقسم إن الفراشات ذاتها تطير حولها.

أنا للتوّ اكتشفت كم أحب جنونها الطاغي، وجمالها العاديّ.. نعم، العاديّ فقط لا أكثر. أنظر إلى كفيها تصفعان جدران قلبي كناقوس ينادي للصلاة في محراب لا قِبلة له. يا امرأة، جعلتني ملكًا من دون تتويج؛ بنَتْ لي قصرًا فوق رمال متحركة، منحتني جيشًا من الريح.. أخضعت أمامي دولًا لا توجد في أي خريطة. أيا امرأة.. كلما منحَتني سلبَتْ، وكلما أعطَتني أخذَتْ، وكلما رسمَتني محَتْ مني خطوطًا أكثر.. فاختلط بعضي ببعضي. أيا امرأة لها فصولها الأربعة. في عالمها أمطار موسمية لا تتوقف، وأنا صرت أعشق المطر الآن، فأنا كشجرة لم ترتوِ منذ عمرين ونيّف. فروعي في السماء تحاول التقاط ما في الهواء من ندى. وداخلي.. ربعٌ خالٍ. يابسة بلا بحر، قحل وبور وحرب وخراب، ثم جئت بأمطارك الموسمية لتسقيني من القلب للأفنان، لتملأي البحر من جديد، فترسمي ملامح جزر وتضاريس جديدة. عدتِ لتبددي القحل وتخصّبي البور وتطفئي الحرب. أتيت تحملين فصولًا جديدة لها أزهار لم ترها عين، ألوانها من سلالة انقطعت قبل عهد البشر.

قامت من مكانها.. ولكن هذه المرة كانت تتقدم إليّ بابتسامة، بشيء من حنين لم يخبُ.. وجذوة نار لم تنطفئ.

وصلت إليّ. لم أعرف كيف عانقتني، وهي لم تعانقني من قبل، فشعرتُ بأنني فقدتُ وزني كلّه في ثانيتين. قبلتني على خدي ففقدتُ صوتي أيضًا.. للحظات لم أعد موجودًا، صرتُ ذكرى. الآن عرفت كيف يصبح الإنسان ذكرى بهذه السهولة، ويُبنى له منزل جدرانه صمت واهٍ. لم أمسح قبلتها عن خدّي.. أمجنون أنا كي أمسح نقشًا هيروغليفيًا يؤرخ مرحلة من الحياة؟

جلسنا معًا.. تكلمتْ هي وسمعتُ أنا. أخبرتني عن زوجها الأول.. وأنها تركتْ دحدوح.. لأنه سرق أفكاري ووضعها في كتاب.

أخبرتني أنها بحثت عني كثيرًا وعرفتْ أنها ستجدني هنا. قالت لي أشياء كثيرة عن نفسها، وفي آخر الحديث سألتني عن أخباري.

أخباري؟ هي كل أخباري. صحيح أنني تزوّجت أجمل امرأة في المدينة ولدي ولدان وأعمل في مؤسسة النقل وتخلّيت عن حلم المليون وعن كل خط أمشي فوقه في الأرض وعن غادة.. ولكنني لا أعرف لماذا قلت لها: "ما زلتُ مثلما تركتِني".

وما إن أنهيتُ كلامي حتى نظرت إليّ بذات العينين وبلا أي مقدمات لتقول من دون أن تفتح شفتيها.. كعادتها: "بحبّك". نعم.. هكذا بكل بساطة:

أمرٌ كهربائي بسيط من الدماغ لمجموعة عضلات في الشفتين، مع التصاقين للسان داخل الفم.. صنعت كلمةً.. فقالتْها.

ذبذبةُ هواء، واهتزازات في أذني مع ترجمة عصبية داخل عقلي.. فسمعتُها.

مجنونة أنت. وأحب الجنون فيك. مجنونة أكثر مني.. مجنونة لدرجة أنك أحببتني.

هل تعلمين كم انتظرتُ لأسمعها منك يا غادة؟ هل تعرفين كم خيالًا طويت؟ كم عصرًا قضيت؟ كم فصلًا محوت؟ وكم عمرًا غفوت؟

هكذا.. بكل بساطة، انقسم التاريخ قبل "بحبّك" وبعدها. بدأ تقويمي الجديد.. نسختُ ما صنعت من إنجازات، تآمرتُ على نفسي.. ثرتُ على حكمي، انقلبتُ على سُلطتي، ونصّبتُ نفسي ملكًا جديدًا سينقل العالم نحو عهد جديد.

أكثر من عشرين عامًا انتفضت داخلي بكلمة، فشعرتُ بجذوة الشباب مجددًا. توقّدتْ شعلة الكليّة في صدري ورأيتها آتية نحوي تحمل كتابًا.. فقلت لها: "وأنا كمان بحبّك".

ماذا أفعل بزوجتي وولديّ؟ أين اختفتْ غادة كل تلك السنوات؟ هل عليّ أن أسامحها بعد كل ما فعلتْ؟ وألف سؤال آخر.. كلّها لم تكن على قائمة أسئلتي. السؤال الوحيد هنا.. "أين قاعة المحاضرات؟".

مشيتُ معها إلى الكافيتريا.. لكنّها لم تأكل. أمسكتُ يدها في ذات المكان الذي مشينا فيه معًا لآخر مرة قبل أن تتركني. حرصت أن أساعدها في عبور الشارع كي لا يتكرّر حادث السيّارة المشؤوم ذلك أمامنا، ويخرّب باقي اليوم. قضيت معها نهارًا جميلًا نسيتُ فيه ما مرّ وما حصل؛ نسيتُ أنها تركتني أصلًا.. ثم أوصلتُها إلى بيت أهلها من دون أن أسألها إن كانوا في ذات المكان أم لا. فقط أوصلتها.. واستقللتُ الباص لأشهد رحلة تحوّل الناس. قبل أن أعود إلى كوكبي مشدوهًا أمشي عكس الزمن وصولًا للحظة التقيتها.

غادة.. لِمَ عدْتِ؟ لِمَ تحدّثتِ؟ لِمَ الآن؟ حرام عليك يا غادة، أتيت لتلغي كل حياتي السابقة بعناق بسيط وقبلتين وكلمة بحجم الكون.

عدتُ إلى بيتي أحمل جبلًا من الحزن والخوف والذنب.. وبحرًا من الخيال والأحلام والنشوة. من جهة، تتنازعني نظرات نادية وأشياؤها المرتّبة في خزائن البيت وفخر ولدين بأب لا يخطئ، ومن جهة أخرى، حبّ قديم وعناق وقبلتان وغادة تشبه الحبّ. من قال إنني تجاوزت الأربعين ولم أعد قادرًا لأحب مثل أيام مضت.. أنا أتوق لرائحة شعرها وصوت أنفاسها وتحليق الفراشات حولنا. أنا سأحقق المليون من جديد، وسأرسم خطوطًا في الأرض أمشي عليها كي لا أقع، ما زال في عقلي مكان لمزيد من الخيال.. وفي عمري مساحة لحبّ لم ينطفئ.

ولكن.. ماذا سيقول الناس؟ كيف أترك عمري ورائي؟

لا.. أنا لن أمضي في طريق غادة. اتخذتُ قراري.. سأذهب إليها غدًا، وأقول لها إنني لست ذلك الرجل. أنا سوف أصفع أملها وأقطع كل حبل بيننا.

ذهبت إليها في اليوم التالي حازمًا.. حاسمًا.. لا شيء يثنيني عن العودة إليها.. لن أتناول معها ساندويتش الدجاج المقرمش مع إكسترا كاتشب، بلا مايونيز ولا ماسترد مجددًا؛ إنها مجرد صفحة سأطويها اليوم كما طويتها في الأمس.

وما إن رأيتها جالسة من بعيد تنظر إلي بذات العينين.. حتى شعرت أنني سقطتُ من ارتفاع غيمة، وأن قراري مجرد شهاب يحترق في غلافها الجوّي. وهنا.. أدركتُ أن ما يزعجني بها هو ما أشتاق إليه. رأيت نفسي أدخل غمار حرب أنا طرفاها.

هدوؤُها المجنون يجعل كل ما حولي عاصفًا، وركود ابتسامتها يزلزل الأرض تحتي، ورفّة رموشها تثير زوبعة في صدري.

هي مثل علبة سجائر، التحذير مكتوب عليها، لكنني كأي مدخن، سأتجاهل ذلك التحذير.

لم أسلّم عليها.. لكنني قلت لها كم هي حبيبتي.

قلت لها.. تعالي نتغلغل ببعضنا كضوء شمس وغيمة، كعصفور وغصن، كصوت ولحن، كأنا وأنت.. كرأفت وغادة.


 * * * 

نعم، نعم، نعم. وصلنا إلى غادة.. وأنا لا أطيق انتظاراً حتى أخبركم عنها وكيف رأيتها.

هنا.. في هذا المكان وهذا الوقت بالتحديد.. جاءت غادة.

في الأسبوع الثاني للكلية..

تضم كتابها كأنه وليدٌ أبصر النور للتوّ. تمشي.. ولا تدوس على الأرض، وفي عينيها نظرة طفولية، وتتكلم من دون أن تفتح شفتيها، وتصمتُ بمجرّد أن تغمض عينيها. إنها هي.. غادة مجدول.

وحدها غادة من يشبه الحُب. كانت قادمة نحوي.. كشجرة مثمرة تحتها ظل يمكنني أن أعيش فيه عقودًا، وأنا أجمع ما يتساقط من جمالها، ويمكنني أن أبقى هنا حتى يأتي الخريف.. فأجعل من أوراقها الصفراء سجادة تدفئني في ما سيأتي من شتاء.

لم أعرف كيف لامرأة أن تخبئ العمر بين أناملها، وكيف لها أن تكحل بالليل جفونها، وتجعل من الشفق لوحة مائية.. وتغني للوقت حتى ينام.

اقتربتْ أكثر.. فرأيتُ بياض عينيها مستسلمًا كراية؛ كعمود رخام إغريقي، نُقِشت فوقه خلاصة فلسفة أفلاطون، ومسحةٌ من بشرة أفروديت، وقطرةٌ من قلب فينوس. وسط ذلك الرخام، دوامة عسلية، لا تختلف عن برمودا كثيرًا. قال البعض إن فيها قوى سحرية، وقال آخرون إنها مركز للجاذبية، أما أنا فلا أراه إلا مزيجًا سحريًا قاتلًا، تتوسطه هاوية سوداء.

فوق تينك العينين، رموش سوداء طويلة، خُلِقت لتوقف مدّ العينين على البشرية. سدود وُضعت هناك كي لا نغرق جميعًا، وكي لا ينساب السائل الرخامي فيضانًا يطيح بحضارتنا المأربية. تأملتُ وتأملتُ تلك العين، فاكتشفت أن بجانبها عينًا أخرى تشبهها! أنا لم أفهم حقًا كيف ذهبت في هذه الرحلة الجنونية مع عين واحدة حتى أجهز نفسي لسفر آخر! بين هاتين الرحلتين ينسدل أنف صغير كستارة مسرحية مدببة، كأنه ارتفع ليكشف شفتين هما بطلتا الحكاية، إن انغلقتا كأنهما جدول ينساب بصمت ليسقي مرج خدود وردية، وكقلم مستعد لرسم سطور على ورقة بيضاء، ويمنحك فرصة للكتابة. ما إن تكتب كلمة.. حتى ينبع سطر جديد. يجف حبر القلم وتبقى السطور فارغة كرأسي وأنا أراها تقترب. أما إن فتحتْ شفتيها، فلن تختلفا كثيرًا عن بحر موسى. أما أنت؛ مسكين أنت؛ أنت بين دفتي ذلك اليمّ وحيدًا بلا قارب أو عصا أو رسالة.

على جانبي رأسها.. ضفيرتان تلهثان مع كل خطوة، وتقفزان للأعلى كلما تحركت قدماها في ما يشبه الخطوات، وأكاد أقسم بأنني أرى الفراشات تتطاير من أذنيها وحول ضفيرتيها.

بعد دهرين أو ربما أكثر، وصلت إليّ وسألَتني: "أين قاعة المحاضرات؟"، وقبل أن أجيبها.. اكتشفت أنني لا أعرف تلك اللغة. هززتُ رأسي كأنني من كوكب آخر يتحدث أبجدية أخرى تمامًا، فرمقَتْني بنظرة من كوكب آخر أيضًا، ومضت عني بدهرين آخرين من الصمت.

إن لم تخَفِ الصمتَ بعد العاصفة، فأنت لم تختبرِ العاصفة بعد.

 

 

* * * 

أنا لا أريد أن أعرف ما الحياة بالنسبة للآخرين. صحيح أننا جميعًا نعيش هذه الحياة، ولكن لا أحد يعيشها مثل الآخر.

أنا أرى الحياة في ثوانٍ ولحظات نعيشها. لا ندرك بأنها قد تكون هي أغلى ما في الحياة.. أو هي الحياة نفسها. ألم أقل لكم "ما الإنسان إلا زمن"؟.

لا شيء يختصر الحياة في تجربة أو زاوية رؤية. هي مجموعة لحظات من السعادة، الإحساس بالقوة، الضعف، الانكسار الحزن، الحبّ والتملّك، ولحظة تحقيق حلم ما، عندما تفتح عينيك وتشعر بأنك متأخر فتجري، وعندما لا يأتيك النوم وأنت تفكّر بأشياء صغيرة لا تفكّر فيها وأنت مستيقظ، وعندما تنتظر الصباح أو تتوق للمساء، وعندما تشتاق للصيف أو الشتاء.. فلا تعرف إلى أي فصل أو زمن تنتمي أكثر.

لحظات من الرغبة والترقب والحنين لشيء لا تعرفه. درس علّمه لك والدك بقسوة أو حنان، أو حضن لأمك. عندما تخاف.. تغار، ويؤلمك شيء ما. ذلك الانتظار صباح العيد، عندما تنظر لنفسك في المرآة وتعدّل الياقة، وعندما تشعر بالماء يتسلل داخلك بعد عطش.

لحظة يحمرّ وجهك خجلًا، غضبًا أو إحراجًا. عندما تشعر بأن هناك حاجزًا مائيًّا بينك وبين ما تنظر إليه، فتفهم أن الدمع غدرك وملأ عينيك بلحظة فرح أو حزن أو فَقدٍ أو تأثّر، ثم ينساب جدول من ذلك الحاجز على وجهك فتشعر بحرارته.

عندما تشعر بشيء آخر غير الدم يجري في عروقك في لحظة أدرينالين، تنمّل أطرافك وتشعر بالوخز في صدرك وتتخدر قشرة دماغك.

عندما تسمع دقات قلبك في أذنيك أعلى وأسرع.. في لحظة حب أو مفاجأة أو شهوة أو رغبة أو نظرة.

عندما تلسعك مرارة القهوة.. أو سخونة الشاي.

عندما تحاول تفتيت دماغك لتتذكر أين رأيت ذلك الشخص سابقًا.

عندما تغزو عينيك زرقة السماء فتنظر للأعلى وتغمض عينيك من قوّة الشمس.. ذلك التقلص في الجفون.. ولفحة النور على وجنتيك. في كل حركة تفعلها بإرادتك، وكل حركة انعكاسية تخونك.. لتحافظ عليك.

والرائحة.. نعم الرائحة هي نصف الحياة، هي ما يعيدك زمانًا وينقلك مكانًا. هي ما يوقظ الحب والذاكرة والحنين بعنف ومن دون سابق إنذار.

في يوم ميلادك تتذكر كم أنت حيّ.. وتبدأ الأسئلة في بالك: "تُرى.. متى سيكون آخر يوم ميلاد سأحتفل به في حياتي؟ هل سأكون موجودًا لأشهد القرن القادم؟ كيف سأنتهي وأين؟ ماذا أنجزت إلى الآن؟.. متى سأبدأ بتخفيف وزني فعلًا؟ هل ما زلت أستطيع الحصول على جسمي الذي لطالما تخيلته؟".. في عيد ميلادك.. تتذكر كل حلم مؤجل.. كل ما لم تنجزه بعد. كم تساهلت مع طموحاتك؟ وكيف تركتها على الورق؟ ولهذا أيضًا أكره عيد ميلادي.

عندما تستذكر شيئًا وتخجل من نفسك فتخبئ وجهك، أو تشهق فيظن من حولك أنك تتحدث إليهم؛ أنت في الحقيقة.. تتحدث لنفسك، تحاول محو تلك الذكرى من عقلك وماضيك.. تحاول التواصل مع نفسك بأي شكل كان، وربما تصل إلى رغبتك بالصراخ بأعلى صوتك، وحدك في مكان ما، كي لا تسمع إلا نفسك.

عندما تضحك، تنكمش عضلات وجهك لتنحت ابتسامة في صلصال جافّ كوجهك.. ولحظة جافة لا مجال فيها للضحك. فالضحك ينسينا الموت والحزن، يغسل القلب أكثر من الدموع. كم أندم على كل لحظة عشتها بلا ضحك! ليتني أستطيع إعادة ترتيب حياتي لأضحك أكثر.. وأعيش أكثر، وأفتح يديّ لأضم ما أضم من نسيم. أشعر بالهواء بين شعري، يتسلل تحت كمّ قميصي وأزرار الصدر المفتوحة فآخذ نفسًا عميقًا لأحبس الحياة داخلي.. وأغالب زفيرها خارجي.

عندما تقف لتتصوّر.. وتنظر للكاميرا مفكرًا.. هل سأبدو كما أحبّ.. أو أنها ستكون صورة عاديّة أخرى؟ ثم تقوم بحركة من فمك لترسل بعض المرح لك عندما ترى الصورة من جديد، فأنت لن تبدو كما تريد بكل الأحوال. هل تعرف أن ما تفعله الصورة تعجز كل قوة عن فعله في هذه الأرض؟ الصورة وحدها توقف الزمن.. لا تجمّده فحسب.. وإنما تعيدك إليه في أي لحظة من زمن آخر. هذه الصور.. لا تختلف كثيرًا عن الرسالة التي أرسلتها لنفسي.

عندما تسمع فيروز وترسم صورة، ثم تسمع أم كلثوم وتكتب حكاية. الحياة في صوت نجاة الصغيرة.. هل تعرفون أن وحدها نجاة الصغيرة من أحبّها أكثر من غادة؟

عندما تتذوّق النعناع الأخضر.. نعم كلما أحببتُ تذوّق الحياة وضعتُ ورقة نعناع أخضر بين شفتيّ، وفكّرتُ مليًّا قبل مضغها حتى لا ينفلت طعم الحياة إلى داخلي.

الحياة.. عندما تمسك يد أحد ما.. فيجعلك تشعر بأنك تساوي كل تلك اللحظات. نعم، من يحبّك لأنك الحياة. الحياة.. هي نادية. كيف كنت أعمى كل ذلك الوقت؟ ما الفرق بيني وبين عمّي أبي فاروق؟ أنا مثله تمامًا.. فالحياة هي كل ما لم أره. لدي عينان لا تريان ودليل مجنون يحتاج لمن يقوده.

في تلك اللحظة فقط.. أدركت أنني فهمت الحياة.. ولكن، بعد ماذا؟..

فها أنا أرى الغبار بين بلاطات الشارع حيث سأصطدم.. تلك الخطوط التي أمشي عليها.. سأملأها الآن بدمي. نعم.. "بعد صراع طويل مع الخيال والحب والخيانة والوسواس"، ليتهم يكتبون هذا كسبب للوفاة على النعوة.

لم أكن أتخيّل يومًا أنني كنت أنظر إلى كل اتجاه لا يجب عليّ النظر إليه.. سأغمض عينيّ بكل قوّتي قبل أن اصطدم.. ما الفائدة منهما لي وأنا أموت، إن لم أرَ بهما جيدًا وأنا حي؟

0 تعليقات

اترك تعليقاً

الحقول المطلوبة محددة (*).

مواضيع أخرى ربما تعجبكم