للحرف سلطان لا يدركه إلاّ مَن تحركت شِغاف روحه ذات قصيد أو من دمعت حناياه في حضرة كلمة و حرفي أنا سلطانٌ في وصف ما يعتري نفسي تجاهك، لن أعنون قصيدي هذا، سأتركه هكذا بحراً من الأسرار وكثيراً من الصمت المبطن برغبات كثيرة. فوضويٌّ هذا الليل، ينتصف ولا يأبه بكلّ أوجاع البشر و أنا أنثى لا أعرف كيف سأكتب عن نفسي أو ماذا سأكتب، ليس خوفاً من أنْ أصغر في عيون غيري ولكن خوفاً من أصغر في عيوني أنا، فما أنا لأكتب عن نفسي؟؟ أنا مجرد أنثى ربما سيتبادر إلى الأذهان أني أنثى أغرق بالعسل وأستحم بالعطر وأرفل بالحرير كما يليق بأيِّ أنثى تشتهي الدلال ولكنّي لا أشتهي غيرَ السلام، صوتي، وجهي، عطري، شعري ولمسة يدي ودقات قلبي ورائحة أرضي ولون بحري وعمري الفائت. وأيامي القادمة كلّها خرساء. ماذا سأكتب بعد؟ أخرجتُ كلّ أشياء الأنثى من حساباتي فأنا لا أملك منها إلا الأطلال والأوجاع.. أخبرتك قبلاً أنّها أمور تخص أنثى غيري وأنا! لا تدعني أتحدث أكثر عن أوجاعي أوقفني إن استطعت.. و أنا! لا تدعني أتحدث أكثر عن أوجاعي، أوقفني إن استطعت.. لم تعد الأثواب تعنيني ولم يعد عطري يغري أنواع الرجال للاقتراب من جسد مهشم وروح ثائرة. أحاول البحث عن جناح ملاك يشبهني بدلاً من ملابس مزركشة أعلم أنّها تكلفني الكثير ولكنها لا تشبهني، تحرقني كلّما نظر إليها أحدهم وأبدى إعجابه باللون أو الرسم أو حتى الحشو. نسيتُ أيّام عمري ولم أعد أتذكر كم أبلغ من الأوجاع وكم رسالة كتبت وكم مرة أدخلت قلمي الرصاص في صراع لا حول له ولا قوة مع أصابعي لأجبره على الكتابة والبوح! ربما أنا أقترب الآن من المليون وجعاً أو ألماً ومع هذا فإنّ "مارس" لا يعني لي الكثير، حتى إنني عندما أتيتُ إلى هذا العالم أتيتُ صامتةً.. لم أبكِ! وبات يوم مولدي يدق بابي ليذكّرني بيوم حزن جديد فقط. لم أكُ أعلم أني سأدفع ثمن صمتي غاليا فيما بعد! لايهم.. دعني أكمل سيأتي عيدي وبكلّ الأحوال وكعادتي سأنتزع بسمة من وجهي المتعب لأكتب بها على دفاتري الممزقة ستة وعشرين ألماً متكئاً على كلّ خطوط جسدي. لا يحتاج الأمر إلى ذكاء لتعلم أني من مواليد برج الحمل برج يتقيد بالمثاليات المفقودة وله رغبة قوية تجاه حب الحياة والشهوانية التي تتوق إلى اكتشاف شهوة الروح والجسد معاً... العيش بمتعة الالتحام للوصول إلى مرحلة الاتحاد على كلّ المعايير. مُحبةٌ أنا لكلّ أنواع الحرية وأعشق الشرقيّة التي تصون أنوثتي. ببساطة أعرف كيف أرتدي زي الرجال بالبساطةِ نفسها التي أرتدي بها ثوباً من الحرير الهنديّ المزركش، أخفي وراءه عقلاً واعياً وإرادة صلبة وتفكيراً منطقياً و رقة وعذوبة فلا تحكم عليّ من خلال غمازتي التي تزين خدي وابتسامتي العذبة، أتقن الحديث من جانب واحد ومع ذلك أ لست مجرد ثرثارة فأنا أرغب بالوصول إلى أصدق النتائج وأكثرها منطقيّة وعذوبة وكلّ ذلك دون أن أفقد جاذبيتي التي أعلم أنها تحتل مساحة كبيرة من تقييمك لي، أبدو كتحفة فنيّة.. أو إعلان أنيق في مجلة راقية، أهوى الأشياء الصغيرة التي تكلّف الكثير، أحب الشمعدانات، اللوحات..المفارش الأنيقة، الملابس الفاخرة و العطور المغرية، الموسيقى الكلاسيكية والدموع المالحة و عجباً كم أكره العيش بمفردي! أعلم أنّك لا تملك الوقت الكافي لسماع المزيد.. كالعادة قهوتك أصبحت باردة ولفافاتك تحترق بنشوى ولا تنكر! ومع ذلك سأكمل... لست ضعيفة حتى لو كنتُ مترددة أمام المحن فأنا صلبة لا أتردد في تطبيق النظام وفرض العقوبات بوحي من إدراكي وحكمتي دون أنْ أنسى أنني أنثى! قلبي يشتعل بالصمتِ و الضجيج ومع ذلك لم أعد أحسب هزائمي حتى لو لم يأت بعدها فرح أو حتى مجرد ابتسامة صفراء أو ملونة بلون آخر. أنت تعلم أن آخر شيء أتقنه هو الكلام بوضوح ومع ذلك اخترت البدء (بزاوية) سماوية، أعلنت الحرب للحصولِ على السلام! غرقت أنا في محيط من العفوية والجرأة، أعدمها الآخرون رمياً بالرصاص عندما رفضت العيش على أرصفة تضج بالمقاهي والشهوات الرخيصة! خرجتُ وحدي في جنازتي وحفرتُ قبراً في السماء.. تزوره الملائكة، وتقرأ ما تيسر من آيات الذكر الحكيم. وحدي من حصدت الدم، الدموع، الكبرياء، الألم والازدواجية وابتعدت عن طقوس الشهوة و أوجاع القصائد ومع ذلك أحببت زاويتي السماوية لأنّها ولدت في وقت حتى الفراولة فيه أصبحت مرضاً خبيثاً وسرطاناً حتمياً وموتاً يمشي على أربع. نهايةُ الفرح و بداية الحزن، وبدأت ألف عام من الانتظار إلى أن ظهرت أوّل طعنة في قلبي المشتعل بضجيج حماقاتي... وسنوات عمري التي لم تتعدَّ الألف وجع، هه.. قبلك! لا تعتقد أني أحب النصوص الفخمة أو أني أتعّمد استعمال كلمات أكبر مني في نصوصي الحمقاء!! فنصوصي لا تشبهني أبداً أنا مجرد أنثى أمارس حقي في صناعة أشيائي بطريقتي الخاصة التي قد لا تروق لك. لا أفتح أبوابي وأغلق أدراجي بمفاتيح كهربائية وأمارس حقوقي المطلقة في الحب أو الكره أو الانتقام أو البكاء أو حتى الوجع. كما يحلو لي ودون انتظار لإشارة البدء من أي كائن حتى لو كان أنت! أمّا أنت تستمتع بتمردي وممارستي لطقوسي الخاصة في كل شيء حتى في الانزواء داخل كأس زجاجي تملؤها من نبيذك المجنون رجولة حتى تفقدني صوابي ولا تقدر! لا أرغبُ بأن أكون أيّ شيء آخر غير أنثى حتى لا أبتعد كثيراً عن أوجاعي وتحديّاتي التي لا تناسبني، شرسة أكثر مني،متوحشة، حادة، حاقدة، أدخل في مخاضٍ معها كلّ يوم فأنا حبلى بها منذ ألف وجع غير أنّي متصالحة مع نفسي لدرجة أننا أصبحنا نتكاثر معاً، نموت معاً نثور معاً! نتمرد معاً ضدّ الأشياء الأشخاص.. الأوهام.. والكذب! اعتدتُ فيما مضى أن أكتب بقلم حبر فاخر هجرته ورميته من نافذة إلى بؤرة سوداء وحصلت على قلم رصاص زهيد الثمن لكنه قادر على رسم أجزاء جديدة مني أقوم بالتعديل عليها وتحديثها بين ألم وآخر، لا أنكر أنني أحترق ألما وشهوة الألم هي ما يدفعني قهراً إلى زاويتي لأكتب أوجاعي بلغة سرية. فأنا أولاً وأخيراً أعرف كيف أمارس طقوس الإنسانية حتى و قد نسيت الموت فرحاً! لذا بوسعي القول أنني متأقلمة على الأقل مع طقوسي الإنسانية الخاصة بي وحدي وسأستمر في كتابتها حتى آخر قطرة علّني أمسح عن روحي قطرات الهذيان التي تقطر على جبيني البارد. حدثتك عن روحي أكثر من محاسن شكلي ربما لأنني لا أجد حروفاً تصف معان كوّنها الزمان بي، قد تعرفني أو ربما أمعنت التدقيق فيّ جيداً و لكن لا يُغني عن وصفي لنفسي فبعد أن صار جلدي بلونِ اللحم وتبنّت عيوني لون التراب الذي جبلت منه وضجت خصلات شعري بسمار يشبه قطع الشوكولاتة تلك التي تنسيني مر الأيام وتناسق جسدي ليشبه أيامي ورسم على محياي لوحة من العزة مع دلالة على كوني شرقية أعشقها كعشقي للقهوة.
لا تنكر أنّ القهوة وحدها قصة كبيرة للكتابة عنها ومع ذلك فأنا أتوق لسكبها على قميصك في صباح يوم هادئ.. احتضني الآن كأيّ صديق يقرأ حروفي معجباً وكي تتفادى قوانين الرقابة التى قيدتني قبلك، احتضني من خلف حجاب ورقي هذه المرة كما كنت أفعل أنا خلسة إثر كلّ محادثة إلكترونية جمعتنا و فرّقتنا بلوح زجاجي شهد كلّ عري لشعوري تجاهك و مع هذا فأنا نادمة لأنني اكتفيت بلثم الزجاج دوماً. كثيرة هي الدفاتر التي خط قلمي عليها جميل الشعر والنثر ولكن هذه الوريقات هي أول سطور تكتبني بوجع وصدق سوياً، تكتبني وتحكيك... نعم تحكيك بكل جنون بكل الألم والمتعة.. صدفة في هذه الحياة التقينا ولكن عن سبق نيّة لم ندركها إلاّ بعد حين وكم من صدفة رسمت حياة وحاكت قدرًا. صدفة فيها لمحتُ خلف الضحكات المخنوقة، تلك دمعة خفية تشبه ذاك الحزن العميق في روحي، تشبهني، لم أشعر حينها بأيّ شيء يجذبني إليك سوى ذاك الحزن المتخفي خلف أقنعة كثيرة، فضول في روحي دفعني لاكتشاف سره، فتعمدت الحديث معك عن سبب ومن دون سبب لأية حجة وبأيّة غاية. كنتُ خلف تلك الأحاديث المستمرة أضمر في روحي يوماً عن يوم شيئًا غريبًا تجاهك، إنسانيًّا وروحانيًّا وصادقًا بكلّ ما فيه.. لم أكُ أعرف له تسمية ربما لأني لم يسبق لي وعشت هكذا حلمًا و معك.. باتت الأحلام تصنعني، تكتبني بقصائد لم أعشها قبلك وكثير من مواقف لا تشبهني قبل مصادفتك، فأنا أنثى الحزن و الحلم، أنثى من ورق و معك باتت أنوثتي من اشتياق و لهفة لكن كسرها الواقع فعادت إلى حلمها بضعاً من شظايا. بات رنين صوتك جزءًا أساسيًّا من صباحي وركن لا يمكن الاستغناء عنه من نهاري وبحة صوتك تلك الدافئة ليلاً، باتت سريري ونجوى حلمي... حتى ابتدأت أشعر أنّ تلك الأحاديث ليست إلا بداية لحياة قادمة معك. كانت علاقتي بالورق قبلك علاقة الكاتب بريشته وأدواته وبعدك بات الورق لا يعنيني فقد استعضت عنه بمسامك وندى وجنتيك. آه كم هو جميل لشاعر أن يكتب قصيدته في خلايا إنسان يسكنه، أن يخط خلاصة ما يحمل من مشاعر وإنسانية على جسد يحفظه صمًا دون حتى أن يراه، كم هي دافئة تلك الصور وكم هي موجعة في آن واحد. تكررت معي كلمة إنسانية أكثر من مرة، ربما لأنني أحتاج دوماً أن أعيشها تلك الصفة التي خصنا بها الله عن غيرنا من المخلوقات وباتت معدومة في أيامنا هذه أحتاج أن أعيشها بفطرتها بكلّ عفويتها وبمنتهى تحضّرها دون زيف عادة أو بريق قناع خادع ومعك أنت وحدك،حلمتُ أن أمارس إنسانيتي لآخر رمق حتى صرت بوجودك أكون وفي غيابك يكون كل شيء إلاّ أنا. لم يسبق لي الجموح حدّ كوني نفسي، لم يسبق لي اللامبالاة بقانون مجتمع جاهل ولا بروتين عادات من صنع بشر إلاّ عندما أعطتني عينيك الإيجاب والقبول، فرحتُ حدّ الدمع وبكيتُ حدّ الضحك، شهقتُ شهقة المحب الأزلي حدّ الرغبة وتألمتُ ألم الصدق في زمن الكذب وبين حدٍّ وحدْ.... كنتُ أنا وأنت. كُنتَ تجربتي الأولى مع الجنون، الجموح، الدمع، الفرح و الجرح.
تجربتي الأولى مع ذاتي، وجهاً لوجه، فقبلك لم أك أنا.. ومعك عرفت نفسي، تذوقتُ ملح الحياة، حلمت وتمنيت، تعايشت مع حلمي بواقعك فكنتُ كمن يداوي الجرح بإخفاء الوجع. أنــــــــتَ....... يا أنــــــــتَ... يــــــا... أنا، صديقاً كنتَ، أباً، أخاً أو حتى عابر سبيل، كيف لي أن أحرم نفسي من هوى اسمه الحياة لم أعهده إلا معك. كيف لي أن أنتزع عن نفسي إنسانيتي.. عفويتي وكلّ شيء عشته بروح الرغبة، ولا أذرف الدمع لمفارقته!
هل يدرك عقل ذاك؟! أم يقوى عليه بشر؟! فكم خضت من مواجع و آهات وكم من الدموع ذرفت عندما أتى موعد السفر موعد هجرتي من ذاتي هرباً منك، هرباً من ضعفي أمامك إلى بلاد أجهل حتى نسيمها ندى زهورها، لكنه الهروب من مواجهة جروح قد يقتلني هورها، لكنه الهروب من مواجهة جروح قد يقتلني نبشها. لم أكُ قبلك تلك المتشبثة بسقف يقيّد حواسي و جوارحي تحت مسمّيات و شعارات و لكن، عندما سكنني عشقك، أدركتُ معنى أن يكون للمرء وطنٌ من نبض لا من قيود و أن تكون هويته تلك النظرات التي ملؤها جنون عاشق فليس أجملُ لامرأة أن يكون وطنها دفء حنان من قلب رجل تعشقه كلّ خلاياها.. ليس هناك أغلى من ذاك إلاّ هو، فكنت كمن يدافع عن وجوده رافضة لأيّ محاولة لإبعادنا واكتسابي لقب "مريضة" على ضفاف بلاد ليست مني ولستَ فيها، أحسستُ أنّه الرحيلُ بلا عودة و كان. تماديتُ في خوفي، و أخطأتَ في غفرانكَ، مشينا سوياً خطوة في مسيرة الألف مستحيل قلبين، بنبض واحدٍ يهوى بتذمر و تخوف و آخر يعطي دون حساب، عين تدمع و رنين ضحكة لا يدرك إتقانها إلاّك وبين دمعة وضحكة، يبقى بريق عينيكَ منارة تنير لي الدرب والحياة، فكيف السبيل إليها بدونك! ما كنت أعرف. ما أجمل كلّ ما يحدث بيني وبينك، وما أقساه، ما أجمل تلك الأحاديث الهامسة نحكيها سراً وجهراً، تليها الابتسامة التي أعشق منك.ما أجمل أن تأتيني من عالم المستحيل لتحضن بي الدفء والألم، فتنثر حولي عالماً من العطر أظلُّ عليّه أقتات أياماً وأيامًا. آهٍ كم تعالت في روحي هذه الصرخات البلا صدى، لتقول لك بكل جنون و حرقة: أحـــــبـــــــــــــك. كم تلحفتُ عينيك لأسرق منهما ومضة حياة تكفيني عمراً قادماً من الأحلام و ما نفعت. يا أنت.. يا رجلاً يسكن الحزن في عينيه وتتخبط في قلبه كلّ مشاعر الحنين و القسوة و الحقد و الحب. كم كنتُ أحلم أن يأتي اليوم الذي فيه أكتب قصيدتي الأخيرة فوق مسامك وبين ثغرات حنينك، عندها سأتربع على عرش القصيد ملكة وعلى عرش الجنون عاشقة . هل ترى مقدار ما يسكنني من جنون تجاهك ؟ هل يجول في ذهنك معنى أن يكون حلم فتاة من حروف كتابة قصيدتها الأحلى فوق مسام رجل بمعنى حبيب ؟ إنه روح الجنون ولكني فرحة كالطّير يرقص مذبوحاً من الألم و يا لجنوني و عبثيتي في الحب، ما كنت أعرف أنّ حتى حب الأنثى في الشرق محكوم عليه دوماً بشنق الكلمات والنظرات بإعدام الرغبة وقتل كل تعبير هو للشهوة، أن تلبس قناع الغباء والسذاجة والجهل ، حتى تصطاد مغفلها في ورقة تثبت أهليتها للحياة يسمونها عقد زواج لا شهادة أهلية بالحب ، عندها فقط مباح لها أن تكشف عن عهر خال من كل براءة قد تكون في أنثى أحبت، فنطقت وصنِّفت ضمن قائمة الوقِحات إن لم نقل (العاهرات). يا قصيدتي التي لم تنتهه في داخلي، أرسمكِ ليل نهار بين فاصلة ونقطة بكلّ معانٍ هي للغة وبكل شروح هي للصمت والبوح وبكل ما للرغبة من أنين وذعر فأحكي العين وبريقها الذي خطف عمري منذ أول هطول، أحكي وأحكي حتى أخال أنّ الحروف قليلة، يتيمة لا تكفي فيض جنوني.أستعير من شمس النهار سياطاً أجلد بها كلّ الأبجديات، أكوّر منها حروفاً أخلقها من وهج اللهفة وأسرق من سحر الليل وألق العشاق، أبجديات الصمت كلّها بكلّ معانيها، وشتى أمزجتها التي تعرف والتي لا تعرف لأكتبك. كم أحتاج إلى الحديث عنك في حضورك، كم أحتاج أن أخبرك كم أنت بهيّ وشهيّ العينين والنبض، كم تفيض في داخلي شتى أنواع المشاعر ويفيض بي الجنون ولكن يختلجني شعورٌ عصيٌّ على البوح دوماً في حضرتك هذا الذي يضحكني ويبكيني في آن، يحكيني، يكتبني، يحييني تارة وأخرى يميتني. يا رجلاً يلف في خلاياه كلّ أنفاسي كم أحتاج أن أجثو أمامك كطفلة أضاعت أبويّها في غفلة من زمن فألفت فيك كلّ حنان وعاطفة، ألفت في ضلوعك كلّ معنى للحياة فأرضعتها الحب من شتى مسامك ولم تجد طريقاً بعدك لتفطم من زود اللهفة والاشتياق، أضناها البعد وكسرتها الرغبة دون لقاء. كوّرتها نيران الحنين كجمرة مكتظة بلهيب مدمر ولم تجد متنفساً لحريقها إلا تلك الحروف القليلة، تكتبك فيها كل حنين. فيا عشاق كلّ العصور والأزمان، هنئوني، قد عشقت حدّ الكتابة رجلاً يتقن تماماً كيف يجعلني شاعرة بتميز، رجلاً قيّدني بسوط الذكورة... واحتضنني بحنان رجل وبين أحضانه.. بذاك السوط قتلني، رجلٌ أوصلني الى النهاية في العشق، فقتل نفسه ليحييني، فمت. هو اللغز في كلّ الشروح، هو الصمت في كلّ سرد وحكاية وهو أقصى معاني الجرح في قارورة علاج. هــــو: أنت . مباركٌ عليكَ ذاك الطوق ومبارك على الحب رحيلي، ضاقت بنا تلك المدينة يا (حبيبي الصديق) وماعاد هواها يكفيني وإيّاك، هنيئاً عليك ما اخترت، فتقبل هديتي التي وعدتك بها دوماً، صغيرة ولكن ثمنها عمر ولأني أشبهك، أخاف طباع روحك، لن أقول ظلمني فقبلك الكون فعلها وبعدك أيضا. أحدّق في زلال أمزجتك كمن يحدق في ذاته وأهمس لك داخل لحظة واحدة، أهلاً ووداعاً، أهلاً بذات النبض، أهلاً ببضع مني ووداعاً لكلّ مزاج خالج سوء الفهم في روح جمعتنا. ولأني كُلٌ من فيض أنوثة وعبق عطر في ذات ندى أهمس لك فجر كلّ احتياج لن ينته: أيا عمراً منتظراً بين طيّات صفحاتي، معك سأكون زود لهفة وقصيد محبة، من خلف مسافات بعيدة جداً وفي شِعري فقط. لأنك أهلٌ للحلم لا للواقع شتات رغبات مثقلة بتنهدات الآه، بضع نجمات اجتمعت في سلة للقمر، حللتَ في شرياني النابض دون لقاء ولكن بقصيدي بعينين ناطقتين لشتى أنواع الصمت، سكنت البال وألهمت الفكر، حتى اغرورق عرق الحروف دمعاً لقصر مداه. ولأنها مدينتنا، ذات سماء من أعين موجِعة ذات لهفة تجمعنا، ولأنّ أرضها من اسفلت نار تلهب صدى خطوات عاشقين اقتنعت أخيراً أن مرتعك صمتي وأن ما من شيء كالهجران سيبقيك أبداً في سطوري كي أترجم كلّ مالم يحدث بيني وبينك بلغة واضحة وموجعة. قد تصلك رسالتي هذه في وقت أكون فيه قد ابتدأت كتابتك وجعاً، لا يهم فدوماً تصلك حاجاتي ورغباتي متأخرة. فرح.. لم أكُ أستوعب ما أقرأ وما كنت مصدقاً أنّ ذاك المغلف الذي وصلني منذ دقائق، ليس بمغلف بريديّ لإحدى القضايا، بل هو نعوة، نعم نعوتي مكتوبة بطريقة أدبية عالية المستوى وبقلم حبر أعرف عطره تماماً، بخط يدٍ، أحفظ كل تعرجاتها على الورق. ومرفق أيضاً بشريط تسجيل صوتي أظنه قصيدة بصوتها تنعيني فيها أكثر. ماذا يحدث؟ كنت كمن يرى حلماً عصياً على التصديق. فرح، آه على غبائي، لقد فعلتها وسافرت، نعم يا رَوحي، سافرت، أمسكت هاتفي لأتصل بها، كمن يحاول أن يحيي ميتاً لتوه، فكان المجيب أسطوانة ناطقة من شركة الهاتف تقول أنّ الرقم المطلوب مقفل، أحسست لحظتها أن هذه الأسطوانة تسخر مني كمن يقول : "الآن قد خطر في بالك الاتصال بعد سفرها؟ قد فات الأوان أيّها المعتوه" لم أعرف كيف أتصرف، هل أصدق؟ هل هذه الرسالة هي حقاً رسالة وداع؟ أو قد تكون مثلاً موضوعاً أدبيّاً جديداً قد أنجزته وتريد استشارتي فيه؟ هل يعقل أن تكون هذه الرسالة محاولة أخيرة منها في استعادة علاقة ما؟ تهتُ بين تساؤلاتي وتخبطت بين الممكن والمستحيل، مر أمامي شريط أحداث استمرت سنتين، مواقف مؤلمة، جملة من العطاءات والتنازلات منها، سيل من المشاعر الصادقة والعفوية وبحر من القصائد التي جعلتني مليكاً على عرش الرجولة، كل هذا كان منها ولكن أنا؟ أنا ماذا فعلت حيال كل هذا الزخم العاطفي؟أحببتُ حلماً ولما صار واقعاً، قتلته. كان الجواب كسيف أحسست أنه سينتزع مني روحي وقد أكون صريع ندمي بعد فوات الأوان. لملمتُ نفسي المبعثرة فوق سطور تلك الرسالة، شممت تلك الوريقات حتى دمعت روحي من زود الحنين لهذا العطر وفتحت باب مكتبي كالمطعون في صدره لا يقوى على المسير، بإشارة من يدي أسكتت تساؤلات مساعدتي في المكتب، استقليت سيارتي وتوجهت إلى بيتها، سأذهب لأيةِ حجة واهية وهناك حتماً سأعرف جواباً لكل شيء. وصلت إلى الحيّ الذي ما فارق لهفتي مرة وهناك ما كنت محتاجاً لدخول بيتها أبداً، فأمام مدخل المنزل وجدت خليلاً، موكلي وأخاها، يتفاوض مع تاجر سيارات مستعملة على ثمن سيارة لأخته التي سافرت منذ أيام وطلبت منهم بيع كل ممتلكاتها هنا، حيث إنها ترغب بالاستقرار في الخارج. هكذا أجابني خليل على سؤالي له : ماذا تفعل؟ قد ظن أنني أستعلم عن ما يقوم ببيعه ولم يدرِ أن سؤالي هذا كان يعني، ماذا تفعل؟ هل جننت! كيف تجرؤ على بيع شيء يخصني، أوليست هذه الحاجيات لفرح؟ فوجدت نفسي أجاوبني : كانت لك، كـــــانت يا رَوحي تفضل يا أستاذ رَوحي لنتناول القهوة سوياً، فقد أتيت في وقتك، كنت أهِمُ على الاتصال بك فور انتهائي من موضوع السيارة هذا. اعذرني، فأنا مرهق للغاية حالياً، أحتاج بعض الراحة الآن، أكلمك في المساء إن شاء الله لنلتق في المكتب. لا، لا أقبل بهذا الكلام، فوالدتي هي من تريد مقابلتك لا أنا، تريد أن تأخذ مشورتك في موضوع هام وطلبت مني إخبارك بضرورة حضورك اليوم وأنا صراحة لا أستطيع أن أقول لها أنك لن تأتي اليوم، ههههه، ادخل أنت وأخبرها بنفسك. ما كان خليل قد أنهى جملته بعد حتّى سافرتُ في أفكاري وربط الخوف حول عنقي سواراً من غصة بدت واضحة جداً على ملامحي، الكثير من الأسئلة تطوف بي الآن، ماذا تراها تريد مني الآن والدتك يا فرح؟ ماذا تراك قد أخبرتها قبل سفرك؟ لماذا طلبت مقابلتي في المنزل على غير عادة. مضت سنتان على معرفتي بخليل ووالدته ولم يسبق لهما أن دعواني إلى المنزل قبل الآن، ما هذه المصادفة ألاَّ أدخل بيتك إلاّ بعد رحيلك! آه، أشعر بنبضات تمزق أضلعي خوفاً عليكِ ومنكِ وندماً لا يجدي الآن. ما بالك أستاذنا، أإلى هذا الحد، الموضوع مرعب بالنسبة لك؟ أيّ موضوع؟ هههه رفض طلب أم خليل! ههههه، لا لا، وهل أجرؤ على الرفض، هيا بنا لنراها حسناً تفضل كنت كالميت يمشي في جنازته وحيداً، أنعيني وأبكيني بصمتٍ لم يكسره يوماً إلاكِ، كمن يمشي مدججاً بحزام جاهز للانفجار في أية موجة من حنين، رسالتك في جيبي، بعد قليل ستحاوطني كل تفاصيل حياتك اليومية التي كنتُ أتوق دوماً لاكتشافها وفشلت وها أنا الآن متوجهٌ لأراها وجهاً لوجه، تلك الجدران التي ما رأيتها سجناً من قبل رغم شكواكِ، ذاك القفص الذهبي الذي قضيتِ عمرك في نحت قضبانه ما كنت لأراه إلا بذخاً وترفاً لا حبساً وقيداً، كل هذا يحدث الآن، لم أعد قادراً على تجميع أفكاري، ماذا يحدث؟ ما هذه المصادفات التي اجتمعت سوياً؟ طرق خليل الباب معلماً من في الداخل بقدومي برفقته، فأحسست بأنّه يريد أن يسمعك أنت لا سواك أنني الآتي، كي تتزيني لملاقاتي، آه رغم كل الحقيقة التي أعيشها الآن إلاّ أنني لم أزل غير مصدق لرحيلك يا فرح. أشعر أنني أنا الراحل لا أنت، بي رغبة عارمة لأن أصرخ هاتفاً باسمك الآن، أظن أنني أحتاج إلى طبيبي النفسي في الحال وإلا سيقتلني فكري.

0 تعليقات

اترك تعليقاً

الحقول المطلوبة محددة (*).

مواضيع أخرى ربما تعجبكم