قراءة في جدلية القفز بالرواية العربية إلى شاشة العرض العالمية

عندما كتب الكاتب العراقي أحمد سعداوي روايته «فرانكشتاين في بغداد» الحاصلة على جائزة البوكر عام 2014م، في أطروحة سرديّة جريئة -فنيًّا- تعتمد على مخيال الموروث العربي في الذهنية العالمية عن «بغداد»، متوازيةً في الذهنيّة العربية المقروءة والمعروضة على الشاشة عن شخصية «فرانكشتاين» للكاتبة البريطانية ماري شيلي، منذ صدور روايتها الشهيرة «فرانكشتاين» عام 1818م، والتي شغلت التلفاز والسينما العالمية إلى عهد قريبٍ في توالديّة إبداعية مقاربة لفنيّة هذه الشخصية التي أبدعتها ماري شيلي، ظهر الأدب العربي إلى الأدب العالمي في ثوب إبداعيّ جديد ومعاصر  في آنٍ عبر رواية «فرانكشتاين في بغداد» من خلال بروز الرواية عبر فوزها بجائزة البوكر، وترجمتها إلى اللغة الإنجليزية أولاً في خطوة أولى إلى القرّاء حول العالم، وقد كان هذا التتويج للرواية مثيرًا في أذهان القارئ الغربي أو الشرقي على حدّ سواء من خلال استدعاء هذه المدينة العربية العريقة في المخيال القصصي العالمي عبر «حكايات ألف ليلة وليلة»  وعلى الصعيد المرئي العالمي أيضًا يحضر الفيلم الشهير (لصّ بغداد The Thief of Bagdad) الصادر عام 1940م، والحاصل على ثلاث جوائز أوسكار خلال إصداره.

وقد صدرت الطبعة الإنجليزية للرواية في نسختين، الأولى: عن دار نشر (One World) 2019م، في لندن، بينما صدرت النسخة الثانية: عن دار نشر (Penguin Random House) 2018م، في نيويورك. ويأتي هذان الإصداران كتتويج لنجاح الرواية نجاحًا فعليًّا في وصولها إلى المتلقّي العالمي عبر منافذ البيع في (77) دولة حول العالم، فيما أخذ إبداع الكاتب منحًى أبعد من ذلك، وهو تحويل الرواية بناء على طلب المتلقّي الغربي إلى فيلم سينمائي، حيث اشترت شركة الإنتاج السينمائي البريطانية حقوق الرواية، فيما تلقّى الكاتب عرضًا لتحويل الرواية إلى مسلسل تلفزيوني بالتعاون مع أستوديوهات: Netflix أو HBO أو Amazon Prime Video، ولم يستقر الأمر -حسب معلوماتي على الأقل عن أيّ شركات الإنتاج بدأ هذا التعاون-، والذي في نظري سيكون ناجحًا تلفزيونيًّا على الأقل، فوصول الرواية العربية في بنيتها الفكرية والإنسانية العربية الخالصة هي بحدّ ذاتها يعدّ نجاحًا يحسب للكاتب العراقي أحمد سعداوي، ويحسب للرواية العربية عمومًا.

والسؤال العريض الذي يطرح نفسه: لماذا نجحت هذه الرواية في الوصول إلى المتلقّي الأجنبي؟ 

قطعًا أن فوز الرواية بجائزة البوكر هو أحد أسباب هذا النجاح والانتشار الذي حققته الرواية، فيما لو لم يكتب لها هذا النجاح؛ فلربما بقيت في إطار محدوديّة القارئ العربي، الذي أرهقه الإنتاج الروائي العربي وتجاذبات تياراته الفكرية والأيديولوجية التي يتعنّاها كثير من كتاب الساحة الروائية العرب حتى طفقت تلك الموضوعات هامشًا على مصداقية المتن وإبداعيّته في بعض سرديّات الأدب، فغدت المتعة الروائية بالنسبة للقارئ العربي هدفًا بعيد المنال؛ يفترض أن يجده ويستلذّه في رواية أدبية ماتعة، تبحر به على ضفاف اللغة العربية الغزيرة والثريّة، كما تحلّق بخياله في آفاق يجد معها متعته الروحية والوجدانية، مع تكامل البناء الروائي المسرود حسب ما يقتضيه قلم الكاتب الروائي في تناوله للقضايا الفكرية العربية أو الإنسانية عمومًا.

إن ما أبدع فيه أحمد سعداوي هو بناء روايته على ثيمة وجدانية عالميّة بادئ ذي بدء، التقطها من فكرة إبداعية إنسانية تعالقت مع مآسي أعمال العنف التي عاصرها العراق بعد الاحتلال الأمريكي عام 2003م، والذي كان الجسد العراقي الجريح فيه حاضرًا كمشهدٍ يومي في نشرات الأخبار للأشلاء والتفجيرات العشوائية وغير العشوائية والتي أنتجت كمًّا هائلاً من الجثث الممزقة التي تغري الكاتب لخلق العلاقة الأدبية الوجدانية بين الأعمال والمشاعر الروائية، فالكاتب استدعى الشخصية الأسطورية كمأساة عالمية في صورة جديدة تتكرّر في أي مكان في العالم بذكاء، وأبدع منها أحداث روايته وشخصياتها.

وذلك الإبداع الواقعي الخيالي الميتافيزيقي هو ما أعلى كعب الرواية وبرَّزها بين نظيراتها من السرديات العربية، بل وأخرجها من إطار المحليّة العراقية والعربية إلى الإطار العالمي، الذي يناقش قضايا الإنسان الكبرى.

لن نقف على تفصيلات الحدث الروائي، أو بناء الشخصيات، والتي أجاد الكاتب في رسمها ببراعة؛ ولكن ما يراد قوله إن تركيز الكاتب الروائي على متعة التخييل تعدُّ عاملاً فاعلاً في قيام توالدية السرد الإبداعية، التي سيتفاجأ بها الكاتب الروائي الموهوب في أي قرار وأرضيّة إبداعية توصله إليها تلك المتعة التخيلية أثناء الكتابة.

ففعلاً.. تحتاج الرواية العربية المعتمدة على تاريخها السردي والمحكي الروائي التراثي إلى تطوير تناولاتها الإبداعية في التجريب والسرد الروائي: بناء تخيُّليًّا، وتشويقًا، وإلهامًا وجدانيًّا بأفكار رائدة في صور جديدة من التجريب العربي المحكي والمسرود، بما يحقّق لها مزيدًا من الانتشار والوصول إلى الوجدان العالمي، وهو ما حقّقته سرديّات عربية قديمة قامت على الخيال المتوازن بين الواقعية والفنتازيا؛ لتنتج لنا قصصًا كحكايات: المصباح السحري، وسندباد، وحيُّ بن يقظان، وغيرها من التراثيات الإنسانية التي أكّدت ضرورة وجود الخيال كعامل من عوامل المتعة الروائية للكاتب والقارئ على حدٍّ سواء.


0 تعليقات

اترك تعليقاً

الحقول المطلوبة محددة (*).

مواضيع أخرى ربما تعجبكم