قراءة على ضوء التحليل النفسي في رواية رحيل بلا وداع ليحضيه بوهدا
د. بوزيد الغلى
تعد رواية رحيل بلا وداع امتداداً لرواية "بقايا أحلام عزة" التي يصح وصفها بالرواية العائلية، ليس وفق التحديد الفرويدي، وإنما وفق الفهم الانثربولوجي للأسرة أو العائلة بوصفها نواة قائمة على قرابة الدم، وإن شئنا التوسع أدخلنا قرابة الرضاعة؛ وكذا قرابة الملح التي أكد عبد الرحيم العطري دورها في إنتاج الرابط الاجتماعي[1]، غير أن اختلاف الحبكة بين الروايتين جعل مسارهما مختلفا للغاية، إذ يفضي التوتر السردي المتنامي في رواية أحلام عزة إلى نهاية سعيدة ممزوجة بالأسف على وفاة عزة قبل أن تنعم برؤية آخر أحلامها يتحقق، وهو بلوغ الابن الذي عاش في حضنها منذ صرخة الولادة، وقد بلغ نهاية مشواره العلمي (مناقشة الدكتوراه) بعد أن شهدت بلوغه أشده، ولوجه سلك الوظيفة العمومية، وزواجه، بينما يخف التوتر السردي في المشاهد الأخيرة من رواية "رحيل بلا وداع" على وقع أقدام خليل، وهي تطأ أرض المطار تاركاً خلفه أسئلة معلقة تتعلق بمآلات مرضه ومصير "سكينة" التي تعلقت به.
لقد عنّ لي أن أدرس الرواية دراسة موضوعاتية تستثمر ما تتضمنه من موضوعات الزمن الراهن بدءاً من الهجرة ومسبباتها، وأوضاع العائلات التي تشرذمت بين ضفتين[2]؛ فضلا عن القضايا الإنسانية والحقوقية التي عمل الروائي على تسريدها في الرواية كالحق في العلاج والتبرع بالكلي وباقي الأعضاء البشرية، فضلا عن أسئلة الهوية والزواج المختلط والتمثلات حوله؛ لكنني عدلت عن هذا المنحى، وآثرت دراسة الرواية على ضوء التحليل النفسي، محاولا كشف لاوعي النص، مستهديا بما أثله الدكتور حسن المؤذن في دراسته نماذج من الروايات العربية في كتابه : الرواية والتحليل النصي، قراءات من منظور التحليل النفسي، وذلك بعد أن عمل على ترجمة كتاب بيلمان : التحليل النفسي والأدب؛ ذلك أن رواية "رحيل بلا وداع" بما اعترى مسارات شخصياتها النامية (خليل، ابراهيم، الغالية، سوكة) من تحولات، تجعل من السائغ دراستها على ضوء التحليل النفسي؛ فقد ظهر لي أن الألم الذي تجرعه "خليل"، وانسكب بل انكتب قصة شكلت سدى نسيج الرواية التي تخلقت من سفرٍ دون وداع، لا تبرره الكلمات العاجزة عن ترجمة المشاعر مهما بلغت من الجزالة والفصاحة على اعتبار أن التجارب النفسية والروحية لا تؤخذ من الأوراق، وإنما هي وجدان وأشواق كما قال ابن عجيبة الحسني. ولا يساورني شك، في أن حجم المحجوب من الحياة العاطفية لكل من سوكة وخليل لن ينكشف إلا إذا رفع الحجاب وانكشفت الرغبات المقنعة والدوافع الكامنة، وذلك عبر التحليل النصي مع الحذر في التأويل كي لا يفرط، فقد قال إمبرتو إيكو: "إذا أردتُ قراءة نص(...)، فينبغي لي مراعاة خلفيته الثقافية واللغوية"[3].
واقترابا من النص عبر مفاهيم التحليل النفسي، يمكن فهم طريقة بناء شخصيات خليل العم، وخليل الابن، والأم الغالية، وتفسير سلوكها الذي تحكمه دوافع واعية ولا واعية، تبرر عملنا على تظهير اشتغال مفاهيم أحلام اليقظة، النسيان، الحلم بمنحاه اليوتوبي، الليبيدو، عقدة إلكترا وحب المعالج للمريض في قصة خليل وسوكة.
أحلام اليقظة:
نكون إزاء أحلام اليقظة حين "يستسلم الفرد لتخيلات يرى فيها نفسه، وهو يحقق آماله، ويشبع دوافعه، ويتخطى العقبات التي تحول دون ذلك"[4]، وفي غمرة العطش الشديد، والخوف من الموت، "يمر شريط الحياة أمام عيني خليل سريعا، يتذكر أمه أخاه وأمه، استعداده بالأمس بالقريب للتضحية بكل شيء في سبيل الفوز بقلب الغالية "[5]، ذلك أنه إنما ضرب في البيداء طمعا في العثور على حجر "أكَجيم" (المبارك) الذي اشترطته مهراً لها.
غير خاف أن زاوية التبئير في الاقتباس أعلاه، هي الرؤية من الخلف خلافا لزاوية التبئير التي ستطالعنا عندما يبدأ خليل الابن في استعادة أحداث حياته المضطربة، ومن المفيد معرفة أن الراوي العليم بخبايا قصة خليل العم، استعمل فعل المضارع بما يحمله من دلالة الامتداد في الزمن والحركية، لأن خليل، وهو يستعيد في لحظة حلم يقظة ذكرى أمه، إنما يستضمر ارتباطه النفسي بها، خلافا للأب الذي سقط ذكره ، لأنه أعدم لاشعوريا، مادام يمثل السلطة القاهرة المنبوذة التي تتضافر مع سلطة الفقيه رمز العنف والعقاب غير المبرر الذي نزا بالابن إبراهيم ودفعه إلى الفرار إلى أخواله، هربا من سلطة "أبوية" تعتبر "الخروج عن العادة بلاء".
يفسَّر ظهور الأم في حلم اليقظة من الناحية النفسية بتأثير العقدة الأوديبية التي تبرر الميل الأمومي ضدا على سلطة الأب واستحواذه، ولنتذكر أن الحلم مرتبط بالحاجة إلى الماء، والأم إكسير الحياة كما في المثل الحساني: "ريحت الأم تعيّش"، لكن لماذا تذكر مع الأم أخاه ابراهيم؟،إذ : "تمنى لو كان حاضرا ليجلب له الماء، لأنه كان خير معين له في جميع أمور الحياة"[6]، فهو خير سند، لكن، عندما يتقدم السرد، ويعود خليل من رحلته الطويلة، والارتحال طبع أبناء السحاب"[7]، سيكتشف أنه قد خانه، وقتل حلمه في الارتباط بالغالية[8]، فيصاب بالإحباط، وتتطور صدمته النفسية إلى مرض لم يتعرف على حقيقته إلا رجل حكيم ماهر بالطب، تفطن إلى العلة النفسية، وأخبر أهله أنه مصاب بداء الحب أو مسقوم وفق التعبير الحساني، إن الإجهاز على رغبته المكبوتة في هذا السياق، يعدّ إخصاء بالمفهوم النفسي، يقوم فيه الأخ مقام الأب...ولا شك أن عقدة الإخصاء، ستبقى ملازمة للضحية، وإن تدخلت الأم من أجل إعادة التوازن النفسي لابنها على حساب الزوجة (الغالية)، إذ ألزمت ابنها بتطليقها، فانصاع لأمرها، لأنها صاحبة الحل والعقد في هذا الزواج القرابي، الأمر الذي أدخل "الطليقة" الغالية في دوامة صراع نفسي إثر وفاة والدها وانطفاء رغبة خليل في الارتباط بها من جديد، مغلبا كفة الانتقام لكرامته المهدورة على نداء حبه القديم.
ويزداد وضع الغالية استفحالا بتحملها مسؤولية أخيها الأصغر بعد وفاه والدهما، وسوف تبادر على المستوى النفسي إلى التعويض بتسمية ابنها الذي حبلت به قبل الطلاق "خليل"، بينما سيعمد خليل، وهو يصارع المرض إلى تصعيد الرغبة المكبوتة عبر التسامي بالقول: "لقد أصبحت الغالية حرة، ولا حاجة لمعاداة إبراهيم الذي تزوجها دون أن يعلم ما بيني وبينها". وبهذا التسامي، تحول ابراهيم من قاتل للحلم إلى منقذ بتكفيره عن الذنب بتطليق زوجته. ولا تقل تضحية ابراهيم قيمة في حفظ التماسك العائلي عن تضحية طليقته التي مارست تكفيرا عن الذنب بتسميتها ابنها "خليل" إكراما لذكرى عمه. والخليل من حيث دلالته اللغوية ليس سوى الصاحب الذي يعوض على المستوى النفسي الزوج/الحلم بعد وفاته.
يبقى أن أشير هنا إلى الدلالة النفسية ذات البعد الديني للتضحية، إذ يرتبط اسم ابراهيم الخليل بالتضحية بابنه؛ أغلى ما يملك، وقد يكون الروائي قد اختار اسمي "ابراهيم والخليل" للشخصيتين معا ، من أجل تشييد دلالي راسخ في النص لقيمة "التضحية" التي قدمها الأخوان على حد سواء (تضحية ابراهيم باستقراره العائلي من أجل تخليص أخيه من أزمته النفسية، وتضحية الخليل بحياته من أجل الفوز بالغالية).
وضمن اشتغال مفهوم التضحية كقيمة عليا تحفظ الود، وتعصم العائلة من أن تعصف بها النزاعات، ينبغي أن نفهم خطاب الأم "الغالية" لابنها الصغير خليل:
"سنرى إن كان في العمر بقية، لمن ستشبه؛ عمك خليل أم أباك؟، وهي تردد لازمتها:
الدهر دفارو فيه الهم /// دفارو وامظاه بمعناه
حد اقطع بدفارو لاتم /// حي امللي يقطع بمظاه"[9].
ينبغي أن نذكر هنا بأن للتضحية تجليات نصية أخرى، إذ عمل الراوي على تصريفها ضمن مسار حياة الغالية التي ضحت بزهرة سنوات عمرها في السجن، كما نجد اشتغال قيمة التضحية في إصرار خليل على عدم استجداء الطبقة الرخوة، طبقة أثرياء الحرب من أجل الحصول على تأشيرة العبور إلى إسبانيا من أجل العلاج.
النسيان/ الماضي المستعاد:
النسيان سبات الذاكرة، والتذكر يقظتها، وفي لحظات الاسترجاع والتذكر، تستيقظ ذكريات خليل الشاب الهاجعة ورغباته غير المتحققة، فقد تذكر الفتاة الأولى التي أحبها أيام الجامعة بأغادير، في لحظة مغامرته ومحاولته العبور من ميناء طنجة بأوراق تعود للبشير الذي يشبهه، إذ جاءه صوتها، وهي تبشره بموعد زواجها من غيره.
إن عمل الذاكرة في ذلك المقام رهيب، لأنه يرتبط وجدانيا بذكرى مؤلمة ترتبط بفشل عاطفي،برغبة مكبوتة، من جهة، كما ترتبط من جهة أخرى بالتدخين بشراهة أو بالأحرى العودة إلى عبّ مارلبورو في لحظات التوتر، بعد أن اقلع عنه لسنوات عديدة...
في غمرة مقاومة هجوم الذكريات التي استيقظت، يهجس خليل بالفعل المطلوب كآلية من آليات الدفاع النفسي الذاتي auto-défense قائلا: "انسَ الذكريات، لا خيار لديك، مزق أوراق الذكريات، احرقها حتى تصير رماداً"[10].
ومن مستودع الذكريات المؤلمة الحادة، أيقظ تأخر الباخرة في انتظار نهاية مباراة مصر المغرب ذكرى تفسر كره خليل لمتابعة المباريات، إنها ذكرى سيارة الشرطة؛ وهي ترمي ابن خالته جمال أمام المنزل مضرجا بالدماء، بعد أن "حمل وزر هزيمة فريق الصحة أمام فريق الشرطة".
وفي غمرة التيه والتسكع بإسبانيا في انتظار تحقق حلم تسوية وضعية خليل القانونية، تجتاحه المشاعر المتناقضة المعقدة، وتتصارع رغبته في الاستطباب مع رغبته في العودة إلى موطنه الذي لم يتذكر منه سوى أمه[11]. إنه اشتغال اللاشعور الذي يجعل الأم وطنا يؤمن الإحساس بالأمن ، وتهجع فيه كل الأحلام والذكريات الجميلة.
ج- الأحلام/الرغبات /الخوف:
يقر خليل بأن مصطلح "الحياة الوردية" مجرد وهم، حلم ممتنع التحقق /يوتوبيا، فما عاشه ليس سوى حياة لا لون لها، لا روح فيها، إذ لازال العلاج بعيد المنال. ينتابه الخوف[12]، التردد. مشاعر نفسية تنتج الإحباط. لكنه مستمسك بالأمل، لذلك يختار الهجرة مرة أخرى إلى مدينة خاين مروراً بغرناطة.
مع توغل السرد، نشعر بأن خليل وقد كشفت الفحوصات الطبية إصابته بالقصور الكلوي، قد أضحى نهب الهلاوس، فهو يتخيل نفسه قد فارق الحياة بأرض الغربة، ويخشى أن يدفن هناك، ويصير رقما على قبر كبقية المجهولين، إن لم تتداركه رحمة أسرته الفقيرة التي عليها أن تتدبر تكاليف نقل الجثمان والدفن...
لكن الهواجس ستخف إثر جلسة مع الدكتور غارسيا راوول الذي يدرك مدى تأثير الاستعداد والراحة النفسية للمريض "خليل" على نجاح العملية التي سيخضع لها، ويعمل على طمأنته وتخليصه من الطاقة السلبية من خلال شروحه المستفيضة عن عمل الكلي، وعن سهولة إجراء العملية...
د- غرناطة : بين نوستالجيا خليل واللبيدو:
يشير الليبيدو في أصله اللاتيني إلى الرغبة أو الشهوة،وقد اعتبره فرويد الطاقة المتضمنة في كل حب؛ الحب بأسمى معانيه كما يتغنى به الشعراء، والحب الجنسي الذي يهدف إلى اتصال جنسي"[13]. وهذا ما يعنينا في علاقة خليل بأنطونيا، إذ سيتحول الليبدو إثر تعرفه عليها وقد جاوز عمره الثمانية عشر سنة من مرحلة الكمون إلى المرحلة التناسلية وفق تقسيم فرويد لأشكال الليبيدو حسب المراحل العمرية..
يعترف خليل أن علاقته بهذه الأجنبية لم تكن سوى "حبا مصلحيا"، لكن تحليل كلامه عنها يعري ما هو أعمق من ذلك، إذ نستنتج من خلال الربط بين إحساس بالألفة الغريبة حين وصوله إلى غرناطة، وشعوره بالإعجاب الذي انتهى بعلاقة خارج الحدود مع ما سماه" فرساً إسبانية .."؛ أنه يحقق نفسيا إشباعاً لرغبة استرداد مجد ضائع، ليس في ساحة المعركة الحقيقية لاسترجاع غرناطة، وإنما عبر الإنفاق من فحولته على فتاة اسبانية، تذكر المتلقي بقصيدة نزار قباني "غرناطة ...
غرناطة؟ وصحت قرون سبعة /// في تينك العينين بعد رقاد
في هذا المستوى من الرواية، تخرج غرائز الليبدو ومستودعها الأنا عن سيطرة الرقابة والسلطة التي يمارسها الأنا الأعلى ممثلا في المجتمع والدين والتقاليد والقانون، لكن هل سيفضي ذلك إلى قمع هذه السلطة القوية بما يتيح استمرار العلاقة بأنطونيا المسيحية ضدا على المجتمع الذي يعطي الأولوية للزواج القرابي على جهتين : قرابة الدين /المسلمة، قرابة الدم (بنات الأقارب).
تبرز بوضوح تمثلات "خليل" العربي عن الآخر الأجنبي، مجسدة في إقراره بصعوبة الاندماج والتماهي مع الآخر المختلف، إذ يحدث نفسه قائلا إن"عاشق الأجنبية سيبقى ترجماناً بقية عمره"[14] ، وليست عوائق التواصل اللغوي والتمثلات ببعدها النفسي العائق الوحيد الذي يمنع الزواج من الأحنبية، إذ أن اختلاف الدين والبيئة والثقافة الاجتماعية تكبح أيضا رغبة خليل في الزواج من امرأة لا تفوح منها رائحة تيدكَت والرشوش وتارة والعنبر...
تطرح إذن علاقة خليل بأنطونيا سؤال الهوية على المحك كما تعمق أسئلة الاغتراب التي تشتغل في أعمال كبيرة مثل الحي اللاتيني لسهيل إدريس، وتسائل الشخصية "خليل" عن مدى استعدادها للتنازل عن الخصوصية من أجل القبول بالارتباط بالآخر المختلف ثقافيا...، كما تبرز نوعا من الانجراح النفسي الذي عاناه، وهو يتردد في التصريح لصديقته باستحالة تحول حبهما العابر المصلحي إلى استقرار داخل عش زوجية، مع اعترافه لها بالفضل في انفتاحه على الثقافة الاسبانية ومعرفة بأهم أعلامها "سرفانتس".
تنتهي هذه العلاقة بفتور بعد أن طالبت أنطونيا خليل بالتزام الجدية في بناء مستقبلهما المشترك، والكف عن التعامل معها مثل "مستعمرة سابقة"، فيجيبها : " إن العواطف قد تحدث خداعاً في المدركات، والزمان قد يحدث خداعا في العواطف، وعلى كل حال، أنا لن أنسى مواقفك أبداً"[15].
يمكن تأويل هذا الاقتباس من الزاوية النفسية بأنه " تبرير" يمهد للإسقاط بمفهومه النفسي، فبدل الإقرار بامتناع الزواج للأسباب التي بيناها سلفا، ويختزلها عتو سلطة المجتمع وتمثلاته (الأنا الأعلى: الخوف من نظرة المجتمع الصحراوي للارتباط بامرأة أجنبية مختلفة من حيث الدين والعادات...)، برر خليل فشل المشروع بخداع العواطف، وألقى باللائمة على الزمن...
ه- حب الممرضة (عود إلى عقدة ألكترا):
لم يكد المريض خليل يتغلب على مخاوفه،
وتتحسن صحته النفسية بنجاح العملية، وإقدام الدكتور راوول على تكليف ممرضة ذات
أصول صحراوية بالإشراف على استكمال مداواته حتى وقع المريض في شراك عقدة نفسية
جديدة إثر ووقوع الممرضة في حبه، وليس حدوث حالة حب بين المعالج وموضوعه حادثة
ناذرة في الحياة الحقيقية كما في الروايات، فقد وقعت مساعدة الطبيب برنارد في
رواية منينة بلانشيه في حب ولد خيبوزي أو جوزيف بلانشيه، وانتهت العلاقة الغرامية
بالزواج، كما أن فرويد يبسط الحالة ذاتها في تحليلاته، وإذا علمنا ذلك، عرفنا
كيفية اشتغال الوعي واللاوعي فيما تلا حصول الغرام، إذ ستعبر
"سكينة/سوكة" عن استعدادها بالتبرع بكلية لإنقاذ حياة خليل كشكل من أشكال التضحية والإيثار، بينما
يضغط اللاشعور وتجارب الماضي الدفين (ماضي التربية الأمومية) وما عانته نتيجة تنكر
الأب لها، فيصاب المريض بالخيبة والحيرة،
ويقرر الانسحاب دون وداع سكينة، هروبا من كوابيس ماض سحيق قابع في تربيته الأولى
(الطفولة)، .
والعقد العائلية وأثرها المستديم في تكوينه النفسي[16]،
أو هربا من العيش في ضعف تحت رحمة الواهب/المحبوبة، إذ أن الهبة "تخلق في
الوقت ذاته، تقاربا وتباعدا بين الواهب والموهوب له، فهي تجمع بين متضادين: السخاء
والإكراه"[17]،
ونظرا لعدم قدرة الموهوب له على رد الهبة (التبرع بالكلية) أو ما يعادلها من حيث
القيمة، فإنه قرر الرحيل دون وداع تفاديا للشعور بالإذلال.
[1] عبد الرحيم العطري،2016، قرابة الملح، الهندسة الاجتماعية للطعام،مكتبة المدارس للنشر والتوزيع، الدار البيضاء.
[2] " بين ضفتين " عنوان نضاح بالمعنى اختارته سعاد ماء العينين لمجموعتها القصصية الأولى بالفرنسية؛
[3] أمبرتو إيكو، في كتابه: التأويل والتأويل المفرط، ص 87
[4] معجم علم النفس والتحليل النفسي، ص181.
[5] الرواية، ص11.
[6] الرواية، ص13
[7] الرواية، ص14
[8] الرواية، ص18
[9] الرواية، ص ص25
[10] الرواية، ص54.
[11] الرواية، ص71.
[12] يرى باومان أن ما يسميه "الخوف المشتق هو " اقرب إلى أثر ناتج عن التعرض للخطر، إنه شعور بفقدان الأمان (...)، وهو شعور بالعجز"، زيجمونت باومان، الخوف السائل، ترجمة حجاج أبو حرب، تقديم هبة رؤوف عزت، الشبكة العربية للأبحاث، ط،1 بيرت،2017، ص25.
[13] فرج عبد القادر طه وآخرون، موسوعة علم النفس والتحليل النفسي، ط1، دار النهضة العربية، ص368.
[14] الرواية، ص77.
[15] الرواية، ص84.
[16] "la famille constitue ce que Lacan nomme « une continuité psychique » entre les générations, dont la causalité est d’ordre mental "
J. Lacan, « Les complexes familiaux dans la formation de l’individu. Essai d’une analyse d’une fonction en psychologie » (1938), dans Autres écrits, Paris, Seuil, coll. « Le champ freudien », 2001, p. 25.
[17] Maurice Godelier, L’énigme du don, Paris, Fayard, 1996, p. 20
0 تعليقات