"حبكة البوليسي في رواية "سكرات نجمة" لأمل بوشارب" أولاً- خصوصية الأسطرة في السرد البوليسي: إن قيام الرواية على مظاهر الجريمة والمطاردة، وتأثيثها بفضاءات المدن وتعقيداتها الحياتية، والزج بشخصياتها في التحقيقات والملاحقات القانونية، يعني من منظور أجناسي أننا إزاء رواية بوليسية، لكن أن تضيف هذه الأخيرة عالماً غرائبياً موازٍ لمجرى وقائعها المنطقية المسرودة، من شأنه أن يؤسطر حبكتها بأسراره ومفارقاته، وهو ما يصنفها ضمن جنس فرعي للرواية البوليسية سنسميه هنا "الرواية البوليسية- الأسطورية". وسيؤدي تضايف الأسطوري مع السرد البوليسي إلى انشطار مشهد المغامرة إلى اتجاهين، والعالم الروائي إلى طبقتين؛ الأولى: طبقة تحتية تحكمها قوانين وسياسات ونُظُم ذات بعد واقعي يسم في مجرى الأحداث المسرودة ، وتسهر على تنفيذ تلك القانين سلطات حفظ النظام ويمثلها المطهر البوليسي. والطبقة الثانية، فوقية غرائبية لها قوانينها التي تستند إلى مرجعيات ثقافية سرية، وطقوس أسطورية يلفها عالم الغموض والطقوس السرية الخارقة للمنطق، وتقوم على خدمة هذا العالم مجموعة من الشخصيات التي لا تقل غرابة عنه، تحيي طقوسه ورموزه الغامضة، وتطبق شرائعه المنتهكة لقوانين الواقع الأرضي، وتحرص على بعثه والعيش فيه أكثر من حرصها على العيش في العالم المنطقي الذي يبدو قاصراً ومحدود القدرات إزاء خوارق عالم الأسرار الثقافية الكونية الذي يعلوه ونقضه معاً، وفي تجاذب العالمين تتوتر خيوط الحبكة، وتتعمق آثار العقدة، مما يمنح بعداً أسطورياً مبتدعاً للمغامرة البوليسية في كل مستوياتها. ومن المهم أن تفتتح الرواية العربية هذا النوع السردي النادر من الكتابة البوليسية القائمة على رمزيات التراث الشعبي والديني العالمي، الذي تتمثله الروائية الجزائرية أمل بوشارب في روايتها "سكرات نجمة" (2014) في مدينة عربية(الجزائر العاصمة)، مستثمرة تراثها الرمزي الشعبي والميثولوجي في حبك مغامرة بوليسية يطغى فيها منطق الأسرار الغرائبية وازدواج العوالم الرمزية على ملابسات التحقيقات والجرائم الخليقة بالسرد البوليسي. نعثر في رواية "سكرات نجمة" -التي سندعوها أيضاً رواية (الميت الحي) – على النموذج العربي لأسطرة السرد البوليسي الذي قد يعرف بدوره انفجارات سينمائية عدة إذا ما التفتت أنظار منتجي السينما في الجزائر والعالم العربي لهذا اللون من السرد.

ثانياً- "سكرات نجمة"، الحكاية الإطار والمحكيات الضمنية: 1-الحكاية الإطار والتأثيث البوليسي: مازجت الكاتبة في هذه الرواية بين البنيات الكلاسيكية النمطية لهذا الجنس السردي العامي وبين التجديد الابتكاري في السرد البوليسي العربي. ففي حكايتها الإطارية تبدأ الرواية ككل مشهد بوليسي بجرمة قتل كلاسيكية التقديم (قتيل غارق في بركة دماء- داخل غرفة بالمدينة- فريق تحقيق بوليسي- وسائل مساعدة في التحقيق- أداة الجريمة):" كان النور الغامض المتسلل من تلك اللوحة المطعونة يغري بالموت.. موت لم يكن يبدو أن رائحته تنبعث من الجثة الممددة بعناية على "سرير القبة" العاصمي القديم"(الرواية ص9). يتعلق الأمر بجثة الشاب المغترب إلياس ماضي (فنان تشكيلي) الذي عاد من إيطاليا إلى الجزائر العاصمة بعد وفاة أمه الإيطالية هناك، ليلقى حتفه في إحدى شقق حي تيليملي بالعاصمة. وبين اللحظتين توقظ الروائية بطلها الطعين، ليروي لنا تفاصيل رحلة العودة التراجيدية إلى الوطن، بحثاً عن ملهمته التي حثه على تقفي أثرها شيخ صوفي (برهان الدين) في جلسة انفرادية بأحد المعابد البوذية بإيطاليا، دون أن يعلمه بهوية هذه الملهمة ذات الوصف الخماسي التي ستكون موضوع لوحته الفنية القادمة؛ أهي امرأة أم يد بشرية أم نجمة خماسية، وتحت تأثر هذا الإلهام الصوفي المتسلط. يقرر إلياس دفن ماضيه المهني والحياتي بإيطاليا، ويشد الرحال عائداً إلى الجزائر التي سيدفن بها قتيلاً بعد يومين من وصوله إليها. يتعلق الأمر بمغامرة بوليسية تغذي أطوارها جملة من الرموز والشفرات والأيقونات والعلامات ذات البعد الميثولوجي الغرائبي، التي تزج بقارئ الرواية في خضم تلك الأحابيل التي يقود فيها الرمز إلى الجريمة، وتقود فيها الجريمة إلى ارتدادات معرفية خطيرة تعيد تفكيك الثقافة والتاريخ، وتبعث على مراجعة وتأمل الموروث المسكوت عنه، ولا يتسنى للقارئ مواكبة هذا الخطاب إلا بثقافة معرفية مثلت رأس مال الكاتبة في هذا النص الذي بمجرد بلوغ مغامرته ذروة التعقيد حتى تبدأ الروائية في فكه أمام القارئ لغزا لغزاً، وصولا إلى فك شفرة اللغز الكبير: من الذي قتل إلياس ولماذا ؟؟ ليتمثل لنا النص في النهاية شبكة متظافرة من العقد تتوسطها عقدة مركزية تحل بحلها كل إشكالات النص وشفراته. وهذا ما تتكفل بإيصالنا إليه المحكيات الضمنية للرواية. 2- المحكيات الضمنية وتقنية التواتر الدرامي: بعد هذا التأطير تبدأ وقائع المغامرة البوليسية في التشابك والتشعب في اتجاهات مختلفة في الوقت ذاته، ما يضع القارئ في دوامة من التجاذبات يوشك فيها الحبل الدرامي للأحداث على الانقطاع، وربما انقطع بالفعل في فصل ما، ليجد طرفه الضائع في فصل موالٍ يعيد وصله من جديد. وتمثل لعبة قطع الحبل ووصله استراتيجية درامية يتم التلاعب فيها بأعصاب القارئ الذي يجد نفسه مجبراً على وصل ما انفصل وهو يتتبع تقنية تناوب الفصول التي اعتمدتها الكاتبة: [حين تتناوب جزئيات المغامرة السردية عبر متوالية من الفصول، حيث يمكن أن يفصل بين جزءين مهمين من إحدى المحكيات أكثر من فصل ليأتي استئنافها في فصل آخر يقطع حبل مغامرة أخرى، ليعاد وصلها لاحقاً وهكذا] مما يجعل فعل التناوب السردي للمحكيات نوعاً من استراتيجية الجذب الدرامي للمتلقي، وفق حبكة تنتسج خيوطها حول لغز مقتل البطل(الميت الحي) إلياس ماضي. فإذا كانت الحكاية الإطارية تقدم للقارئ الحبل الدرامي الرئيس كي يتعلق به من بداية الرواية إلى نهايتها، فإن المحكيات الضمنية الموزعة على فصولها، تعمد إلى حبك متوالية من العقد بشكل تصاعدي من فصل إلى آخر، لتتشجّر معها شبكة من المعارف والعلاقات الرمزية المنوطة بأيقونات ذات طابع ثقافي يتعثر بها حبل السرد ليتضاعف التشويق، وحين يصل التعقيد المتصاعد إلى قمته يبدأ حل العقد بشكل رأسي من القمة إلى القاعدة. ليخلص كل قارئ للرواية إلى سؤاله الشخصي حول أطوار هذه المغامرة، وهو السؤال الذي سأتركه لنهاية هذا التحليل، كونه سؤالي الخاص كقارئ افتراضي لهذه الرواية الإشكالية.

ثالثاً- نسق العلاقات المضمرة في تشكيل المجتمع الروائي: أول ما يشد انتباه القارئ في رواية السكرات هو أن شخصيات الرواية محكومة بشبكة من العلاقات "الأخوية" بكل ما تحمل كلمة أخوية من مدلولات في ميثولوجيا الأديان والعقائد. وتشكل هذه الأخويات ما يسمى في السرد البوليسي بـ: "المجتمعات السرية"(1) التي تتحرك ضمن أطر خفية خاصة، وتتبادل رموزا وشفرات تواصلية بعيدا عن مجتمع الرسميات، (وقد برز في هذا النمط بصورة خاصة لدى الروائي "باولو كويلو"). وتقوم الرواية هنا بإطلالات خاطفة تكشف للقارئ عن حالات ذات بعد ثقافي سري، وغرائبي فتثير فضوله وتقلب رؤيته للأشياء وتشككه في مظاهر العالم المحيط به. ترد هذه الأخويات المتشابكة المصالح والمتقاطعة الصلات، في عائلات متآخية مثل عائلة البطل القتيل "إلياس" مع عائلة العجوز الخادمة "لالة مريم"، عائلة "سي عبد الله"، مع عائلة "سي بن هارون" ذات الانتماء المشبوه للأصول اليهودية، وهو ما تشي به أسمائهم؛ الأب بن هارون، البنت الكبرى داميا والابن الأصغر إسحاق) كما قد ترد الأخويات في شكل مؤسسات غير معتمدة [دار نشر أوبتيميديا التي تديرها سهيلة مع أخيها حمزة"، وجمعيات مدنية مشبوهة بخلفيات سياسية ونفعية [جمعية "NA"(notre Algerie) أو "أنا"]، فضلاً عن تقاطع علاقات شخصيات الرواية بأخويات عالمية التاريخ والمعتقد والمنشأ كالماسونية العالمية، والهندوسية الأسيوية، والعقائد الصوفية، ومنظمات دينية (الكابالا سنتر)، ومعابد وثنية(البوذية مثلاً). ولا تتحرك أية شخصية إلا داخل مدار أخوي تشترع به وجودها، المتلفع بالدلالات الرمزية المبثوثة في خطاباتها وأفعالها وحتى أسمائها، ولكل نسق من تلك الأنساق مكانته في الخزانة الثقافية والمعرفية للرواية.

رابعاً- خصوصية التفضية البوليسية: 1- خصوصية فضاء الشخصيات (شيزوفرينيا التركيب): لعل المستجد في هذه الرواية هو التخييل المزدوج للشخصيات، حيث تعيش الشخصيات المحورية على الأقل حياتين، أحدهما حياة اليوميات ووقائعها، وهي حياة مشتركة في منطق السرد، وحياة باطنية تخييلية تحكمها الهواجس والارتيابات، على أن ما يحدد الدور الرئيس والثانوي للشخصية ليست علاقاتها السردية الخارجية مع بقية الشخصيات كما تقتضي أعراف السرد، بل بحجم ما تمتلكه من رصيد الحياة السرية، ومساحات مخيالية في دهاليزها الباطنية التي يجوبها القارئ، وقد كانت أوسع الشخصيات مخيالاً وأكثرها استغواراً في تعاريج عوالمها الداخلية هي شخصية إلياس ماضي، الذي تعرض لمحاولات قتل عديدة في مخياله، قبل أن يقتل في الأخير في واقعه. وهنا تتخذ الشخصية الروائية –بناءً على تركيبتها النفسية المحورية- تعريفاً آخر يناقض حده البنيوي كمورفولوجيا وخطاب، وحدها السيميائي كممثل وعامل ووظيفة سردية، لتغدو مجموعة من الأصداء السلوكية لحالات نفسية وردود فعل استبطانية بعضها واعٍ تصيغه التأملات وتيارات الوعي ومناجاة النفس وهواجسها التفكيرية المترددة في الرواية: "جفل إلياس للفكرة.. شعر بنبضات قلبه تتسارع، وقد استشعر وقع أقدام تتسلل من ورائه، كان من الواضح أنها بدأت تحاكي وتيرة سيره.. من يلاحقني يا ترى (...) لا بد أن ملاحقه يريد أن يقتله (...) إن كان علي أن أموت الآن فلا بد لي أن أموت بشرف، تمتم في سره وهو يأخذ قراره بأعلى صوت مسموع داخل رأسه"(الرواية ص 170-172)، وبعضها الآخر لا واعٍ في تعاطي الشخصيات مع واقعها النفسي الذي تقرأ به العالم الذي لا تعايشه إلا باطنياً: "وفجأة توقف عن السير، واستدار على نحو مباغت نحو المتربص به. لم يكن يدري إن كان قراره ذاك قرار مكاشفة أم أنه قرار استسلام(...) والآن لمح شيئاً يشبه لمعة سكين كانت تبدو معلقة في الهواء، تستعد للسقوط على يده التي مدها في حركة غريزية للدفاع عن نفسه".(الرواية ص173). وطبعاً لم يكن ذلك إلا وهماً، حيث تتدفق الرواية بتوترات متلاحقة بين مد شعوري وجزر لاشعوري يصنعان تجاذباً دارمياً خلاقاً للرواية البوليسية. إنما على نحو استبطاني. وبانتقال العالم من التعامل الخارجي إلى الإحساس الباطني، تكتمل أسطرة الشخصيات في بناء عوالمها كلٌ على شاكلتها، فيتغير العالم الروائي بين يدينا كلما نظرنا إليه بعين إحدى الشخصيات أو من دواخلها، حيث لا يجد القارئ نفسه إزاء شخصيات بل إزاء الأسطورة الشخصية(le mythe personnel) لكل منها. 2- خصوصية فضاء المكان (استراتيجية التطويع الثقافي): على نحو تصنيف الشخصيات إلى رئيسة وثانوية، نشهد تصنيفاً مماثلاً للفضاء المكاني في الرواية إلى نوعين: أحدها مركزي يسمى [الفضاء النواة]، باعتباره مسرحاً لـ: [الجريمة التأسيسية] في الرواية، وتمثله مدينة الجزائر وتحديداً شقة بإحدى عمارات حي تيلملي، وباقي الفضاءات [فضاءات مساعدة]، تلعب دور الطرق الالتفافية المؤدية إلى الفضاء النواة، وتتمركز غالبيتها في إيطاليا حيث كان يقيم الضحية "إلياس ماضي" قبل قدومه منها إلى الجزائر التي سيُقتل بها بعد يومين من دخولها.

  • لأن المدينة مكون جوهري في فضاء الرواية البوليسية، فقد استطاعت الروائية بتخطيط نوعي محكم أن تتفوق على العائق الأكبر في السرد البوليسي العربي؛ المتمثل في "بَولسة" المدينة العربية غير المؤهلة حضارياَ ولا تاريخياً ولا سياسياً ولا اجتماعيا لإنتاج واقع بوليسي، وهي الحلقة المفصلية التي شكلت عائقاً كؤوداً أمام كل من أراد أن يكتب ضمن هذا الجنس، غير أن الروائية في نظري حققت هذه النقلة باستراتيجية متعددة المعايير.
  • وفرت الكاتبة الجو البوليسي لمدينة الجزائر في الرواية عن طريق الزج بها ضمن منظومة رمزية استوحتها من التاريخ الميثولوجي للأديان من تعاويذ و ورموز سرية وشعارات وأشكال هندسية وتشكيلات معمارية عثرت لها الروائية على تماثلات دلالية عدة مع الرموز الأنثروبولوجية للأدب الشعبي الجزائري التي اشتغلت في النص بتناغم أيقوني تام مع تلك المنظومات الرمزية في الثقافات العالمية القديمة.
  • عملت الروائية على نسج شبكة من العلاقات الرمزية التي خلقت بها تآزراً ثقافياً بين مدينة الجزائر ومدن بوليسية عالمية، مما أفضى إلى تحويل خلّاق للعاصمة الجزائرية من مدينة عربية بواقع غير بوليسي إلى محطة استراتيجية في معادلة المدن البوليسية التي تنسج حول قصصها الأساطير؛ مثلاً: حين جعلت الكاتبة من أيقونة النجمة، باعتبارها رمزاً أسطورياً عابراً للثقافات؛ مهيمناً رمزياً على العلاقات النصية عنواناً ومتناً، مما جعلها مؤشراً متعدد ومتجدد المهام؛ يقربنا تارة من أعتى الأساطير الدينية وأقدم الفنون المقدسة في العالم، وتارة أخرى من تاريخ الجزائر الحضاري والسياسي والعقائدي، كما لعبت هذه أليقونة (النجمة) دور الرابط الجوهري الذي يصل مستوى الخطاب الرمزي للنص بمستوى المغامرة السردية (ملابسات مقتل الشاب إلياس ماضي في الرواية)، وهو سعي لربط البنية المعرفية للنص بعقدة الرواية وبنائها الفني.
  • بخصوص الخيارات السردية، منحت الكاتبة مدينة الجزائر موقع النواة(حين جعلتها مسرح الجريمة المركزية) في قلب سلسلة من المدن البوليسية العالمية التي تشكل معاً كتاباً سرياً يتحدث بقاموس رمزي وميثولوجي عالمي نسجت به الكاتبة خطاباً ميتانصياً يحاورنا بالإشارات والرموز والمعالم الثقافية، في موازاة الخطاب اللغوي الذي يحاورنا بالكلمات.
  • ومن هذا المسلك السري/الرمزي القائم على الخلفيات الثقافية للنص، غيرت الكاتبة المورفولوجيا النمطية لفضاء المدينة العربية المعادي للبوليسية واقعياً، ليتحول أمام أنظارنا إلى فضاء بوليسي ثقافي تتماهى فيه مدينة الجزائر مع أكبر عواصم المدن البوليسية في العالم (إيطاليا). جاعلة من عاصمة الجوسسة في الرواية والسينما على المستوى العالمي:(إيطاليا ومدنها الكبرى) مجرد فضاء مساعد لمدينة لم تخلق بوليسية في تاريخها، فتضحى الجزائر العاصمة بهذا التوظيف عاصمة للمشهدة البوليسية بمجرد استثمار تاريخها الرمزي الثري، الذي استخدمته الكاتبة كمفتاح لصندوق الأسرار الثقافية العالمية التي يتمرجع بها النص. -تدريجياً تتحول الخزانة المعرفية للنص بما تحويه من ثروات رمزية وأيقونية وتشكيلات فنية ومعمارية إلى عناصر بناء بوليسي/أسطوري تضاعف من مركزية الفضاء الذي تعتمل فيه (مدينة الجزائر)، جاعلة منه منبعاً كونياً لإشعاعها، لينضاف هذا الرصيد المركزي إلى موقع الفضاء النواة الذي حظيت به مدينة الجزائر من قبل، كونها مسرحاً للجريمة التأسيسية للرواية منذ بدايتها، مما يمنحها موقعاً بؤرياً في استراتيجة التفضية.
  • يمتح هذا الفكر الروائي من معين الثقافة العالمية التي يقرأ ويوظف بها ثقافات ومدن وتواريخ عربية، باعتبارها جزءاً من الفكر الرمزي الكوني، منتقلاً بها من هامش السرد البوليسي إلى مركزه، هو الجسر الذي اجتازت به الروائية تعثرات التجريب في السرد البوليسي، في إسهام خلاق يجب أن يحظى بالتنظير والاهتمام النقدي كمكون بنيوي جديد في مسار الرواية البوليسية العربية. وهو ما أحسبه براءة ابتكار فني في هذا الجنس للروائية أمل بوشارب. 3- خصوصية فضاء الزمن (طبقية الأزمنة البوليسية): تجتاز رواية سكرات نجمة بقارئها طبقات زمنية مختلفة حد التناقض تصعب الإحاطة بها، لكن لحسن الحظ أن الكاتبة قد ميزت بينها، من حيث نوع الخطاب، فصار لكل خطاب في النص زمنه الخصوصي الذي يؤطره، وهذا ما يسر من مهمة القارئ في استيعاب المسارات الزمنية. فأول انشطار زمني واضح هو ذلك الذي فصم الخطاب إلى زمن خارجي يخص أحداث المغامرة، وزمن داخلي، هو زمن الشخصيات، ويمكن أن نسميه أيضاً الزمن النفسي الذي يسير موازياً للأول. أ-الزمن الخارجي( زمن الأحداث الكرونولوجي): تماشياً مع المنحى الانشطاري المتوازي للشخصيات وفضاء المكان (بين مركزي وثانوي)، ينشطر زمن الرواية الخارجي إلى مسارين يتواتران عبر فصول الرواية، أحدهما سنسميه (الزمن البعدي)؛ ويواكب التحقيق في جريمة قتل إلياس، وهو واقع بالضرورة بعد موت البطل الضحية،(زمن ثانوي في الرواية)، والفضاء الزمني الثاني سنسميه (الزمن القبلي)؛ ويقع قبل فعل القتل ويساهم فيه البطل القتيل مع بقية الشخصيات في رسم مسارات عديدة توضح تفاصيل حياة القتيل للقارئ قبيل وقوع الجريمة، ليمنح القارئ بعض الخيوط التي تقوده إليها. وهذا الشق من الزمن هو الذي حظي بالتركيز والهيمنة النصية حيث كانت الرواية بأسرها عبارة عن استرجاع كلي لأحداث ما قبل وقوع الجرمة، فيما مثلت لحظات ما بعد الجريمة مدخلاً استباقياً فتح باب المغامرة واختفى من المشاهد، ليظهر في تقطيعات متناثرة في ثنايا الرواية مغيراً من وتيرة إيقاع الزمن الاسترجاعي المهيمن. وبين اللحظتين تمتد مساحات شاسعة من الوقفات الزمنية التي تسيح بالقارئ في شروح وتفسيرات معرفية لعديد الأنساق الثقافية التي تقف كمعالم توجيهية لمسارات السرد. وهذا الانتشار غير المتكافئ لأزمنة المغامرة بطغيان الاسترجاع الماضوي والوقفات الوصفية الشارحة، أثر بشكل بالغ على الهوية البوليسية للحدث من جهة وأبعد القارئ عن مواكبة الزمن ومعايشة اللحظة الدرامية من جهة ثانية، وحول زاوية الرؤية إلى رؤية من الخارج، يحكمها راوٍ عليم يمتلك زمام الماضي والحاضر والمستقبل. لكن لحسن الحظ فإن الهيمنة الزمنية في السرد البوليسي لا يمتلكها زمن الحدث فقط بل هناك وجود استراتيجي لنمط أكثر خصوصية من الزمن يعمل على مستوى باطني، يحمل خصوصيات أخرى لمظهر الزمن في النص. ب- الزمن الداخلي (زمن الشخصية النفسي): من الوجهة الفنية لا أهمية للزمن الخارجي للأحداث ما لم يترافق مع زمن داخلي نفسي خاص بالشخصية، وهذا الزمن الاستبطاني هو ما يمنح الأزمنة الخارجية خصوصيتها البوليسية، من خلال النظر إليها من زاوية المنظور الداخلي للشخصية، ليكون الزمن النفسي مهما قلت فواصله السردية هو المعيار والمظهر الذي يطبع خصوصية الزمن البوليسي، ولولاه لصار الزمن الخارجي مجرد بنية سردية للأحداث لا يختلف مظهرها عنه في باقي أنماط السرد. ومن زاوية هذا الزمن النفسي تنتقل بنا المشاهد السردية من طبيعة الزمن إلى الإحساس بالزمن من داخل الشخصية الرئيسة، التي تقدم لنا من منظورها النفسي زاوية جديدة لأسطورتها الشخصية، كأن حينما يخاطبنا البطل إلياس مهجوساً من سلوك سائق سيارة أجرة كان يقله من المطار إلى حي تيلملي بالعاصمة: "شعر للحظة بأنه أمام مشهد مكرر(...) من غير المعقول أنه كان يدور منذ الصباح في حلقة مفرغة(...) هل كان يحاول تدويخي؟(...) أم أنه حاول تخديري؟(...) كل شيء كان يدور من حوله، وارتطمت عيناه مجدداً بتلك العين النافرة من ((الخامسة)) التي كانت معلقة تحت المرآة العاكسة للسيارة وهي تحدق فيه"(الرواية ص78). هكذا يتحول الزمن الخارجي في نفسية الشخصية إلى إحساس خاص بالزمن، حيث تختلق الشخصية أحداثاً، وحالات ومظاهر سردية لا وجود لها على ساحة الأحداث وأزمنتها الخارجية، لكنها بالغة التأثير على قيمة الزمن ومعناه وقياساته لدى شخصية البطل، وهو معيار توجيهي للقارئ الذي عليه أن يأخذ بعين الاعتبار تلك المعايير النفسية لزمن الشخصية وهي تخترق القياسات الكرونولوجية التي تحكم منطق الزمن خارجها. وتلك هي خصوصية الزمن البوليسي الذي تمت أسطرته(بمحو معالمه الكرونولوجية، وإلباسه مظاهر لا معقولة)، وتطويع خطيته، عن طريق تحوليه داخل الشخصية من فضاء موضوعي إلى إحساس شخصي يطغى على فضاء السرد بأسره.

خامساً- في نقد ثقافة النص (الإشكالات والحلول): 1- إشكالات التلقي: يواجه قارئ رواية "سكرات نجمة" سيلاً غير منتظر من التشكيلات الرمزية والأيقونية وفق معجم أنثروبولوجي مستوحى من الثقافة العالمية، وكذا علم الأديان والفنون القديمة المقدسة، والتي تشكل الوجه والخلفية المعرفيين للنص. وتعلنه (من وجهة نقدية ثقافية) نصاً معرفياً بامتياز. فضلاً عن انتمائه الأجناسي الأول للرواية البوليسية. ويعتبر رمزا النجمة الخماسية وتعويذة الكف(الخامسة) المحور المعرفي المغذي لثقافة النص منذ أول ظهور لهما في النص، حيث تظهر النجمة على صينية في يد أحد باعة التحف التقليدية(سي بن هارون). و تتدلى تعويذة الكف(الخامسة) المعلقة أمام البطل إلياس في سيارة الأجرة التي استقلها حال نزوله بمطار الجزائر، لتنطلق رحلة البحث عن الآثار الدلالية للرمزين المتعلقين بالعقدة المركبة للنص:(المهمة الغامضة للبطل القتيل إلياس في الجزائر+اللغز المتعلق بملابسات مقتله). وكذا الخلفيات الثقافية والمعرفية للرمزين في شعارات الدولة الجزائرية(النجمة الخماسية للعلم الوطني الجزائري الحالي)، و(الكف الخماسية التي وشحت أول علم للدولة الجزائرية في عهد الأمير عبد القادر)، ليجتمع الرمزان بشكل متعامد في شعار جواز السفر الجزائري(الكف في الأعلى والنجمة في الأسفل)، وينفتحان على خلفياتهما الواسعة في الثقافات والأديان والفنون المقدسة العالمية(الماسونية مثلاً)، مشكلين معاً حلقة وصل معرفية بين الثقافة الشعبية المحلية الجزائرية والثقافة العلمية، تأسيساً لثقافة النص التي تنهل منهما. فيلتحم السرد المعرفي بالجنس البوليسي للرواية لينتجا منحاً أسطورياً للمغامرة، أطلقنا عليه تسمية: "السرد البوليسي الأسطوري". وهو أحد أبرز أساليب للرواية البوليسية وأكثرها عمقاً وتعقيداً. حيث يتعذر بلوغ أي معنى للنص خارج الفهم المعمق لمرامي المؤشرات المعرفية والسيميائية التي تتأسس عليها ثقافة النص وعقدته وحبكته.

  • طالما كان لهذا الرهان المعرفي للنص تأثيره العكسي على البناء الفني للنص الروائي، حيث يتسبب الإمعان في التغذية المعرفية بالإخلال بالمتطلبات الفنية للجنس وهذا ما لا تنجو منه هذه الرواية التي أدت مراكمتها لمختلف المعارف والثقافات المحلية والعالمية، إلى إرباك شديد في انسجام البنى الدلالية الجزئية التي بدت مبعثرة وأثرت بالغ التأثير في تلقي البنية الدلالية الكلية للنص. كما تسببت الجرعات المعرفية المضاعفة (الرمزية خاصة) إلى إحداث تقطعات في سيرورة الحبل السردي وتصدعات عدة في الخط الدرامي للأحداث، الذي تزاحمت فيه ثلاث خطابات (البوليسي و الغرائبي والمعرفي) مما أدى إلى تصادمها من حيث الخصوصيات الخطابية.

  • نتج عن التكثيف المعرفي ضمور الوجه البوليسي في نهاية الرواية مقارنة ببدايتها، وعدم معرفة القارئ بمصير التحقيق وفريق المحققين الذي انقطع ذكره دون مبرر غياب، وهجره السارد فجأة دون رجعة. كأنما أهملته الكاتبة وتخلت عن دوره ونسيت بأن فريق التحقيق هو من افتتح الرواية، وحقق مع أقرب الشخصيات للجريمة، لكنه لم ينه التحقيق ولا التحري ولا أحد يعلم سوى الكاتبة سبب تخليها عن مهمة فريقها البوليسي الذي افتتحت به الرواية؟

  • هذا البتر المزدوج على مستوى الحبلين السردي و الدرامي جعل القارئ بدل أن يسير على هدى هذين الخطين الفنيين المتوازيين نحو المعنى، صار يعاني فيهما تصدعين متوازيين يعطلان فعل القراءة. وهو تأثير مباشر على تلقي النص. مما يشي بأن رأسمال هذا العمل ليس حكايته الإطارية(لغز الجريمة) بقدر ما هو فسيفساء حكاياته الضمنية المتلاونة بشتى الأضواء والرموز والأيقونات والأسرار التي تكفلت بدل الخطاب البوليسي بصياغة أطوار المغامرة. وقد أدى التركيز المضاعف على هذا البناء المعرفي إلى ثقبت خزان التشويق في صلب هذا الخطاب وهو الحدث البوليسي. ولا شك أن الكاتبة قد أحست بوجود هذه الإرباكات الفنية فلجأت إلى عدة حلول، لكنها للأسف لم تكن حلولاً فنية. كونها تسحب البساط من كل البنى السردية والأساليب الخطابية، لتخرج الكاتبة وجهاً لوجه مع قارئها وتشرح له ما تعتقد أنه استعصى عليه من تشكيلات رمزية ذات بعد تاريخي في الثقافة الإنسانية، زرعتها في الرواية ثم عادت لتستخرجها وتقتلها أمام القارئ بطريقة تفسيرية ألغت دور القارئ في التقصي والاستشكال، وألغت دور الراوي والمروي له حين خرجت عن السرد التمثيلي إلى الشرح المباشر غير السردي. 2- مأزق الحلول: في مسار نقيض لشبكة الرموز والتشفيرات المزروعة في النص، نجد بأن الروائية قد عمدت إلى حل غير روائي حينما قررت الاضطلاع بمهمة فك رموز وشفرات نصها، لكن الإشكالية ليست حين يلجأ الروائي إلى مساعدة القارئ في فهم وفك شفرات النص بل في كيفية قيامه بذلك. وهنا نجد الكاتبة قد عمدت إلى حل رموز وشفرات نصها بطريقة أكاديمية بحتة، حين تتوقف بنا لصفحات من الشروح والتفسيرات الباحثة في تواريخ الفنون والأشخاص والظواهر والمعالم...الخ. بصورة تلقينية، وهو خروج غير مبرر من ساحة النص إلى ساحة المطالعة الثقافية، أو السياحة في معالم وبنى مكانية، وحتى العودة من هذه المساحات الثقافية الموغلة في التفاصيل إلى سيرورة السرد لا يمكن أن تكون عودة مبررة. فضلاً عن أن تقديم وجبات معرفية جاهزة، وتقديم حلول مباشرة لكل ما يعترض القارئ من إشكالات مفترضة، يعد مساراً نقيضاً لثقافة التلقي حين لا يدع الكاتب قارئه يبذل أي مجهود في فك شفرات النص وبحث معارفه، حيث تتحول العلاقة من التلقي الفني إلى التلقين المعرفي. مما ألغى آليا دور الراوي المخيالي في الرواية الذي استحال في صورة غرائبية إلى دليل سياحي إيطالي، فيما حل محله الكاتب كي يشرح كل ما تركه الراوي (الدليل السياحي) من رموز. سادساً- من خصوصية الرواية إلى اختراق الجنس: حينما نعلم بأن جنس الرواية البوليسية هو الأكثر التصاقاً بخصوصية تاريخه وبيئته وثقافة إنسانه منه بخصائصه البنيوية والفنية، يصبح كل نص جديد قيمة مضافة في المسار التخييلي لهذا الجنس، وقد قدمت رواية سكرات نجمة جملة من سمات الأسطرة التي وسمت السرد البوليسي لهذه الرواية نذكر منها: 1- أن الإشكالات والعقد لا تصدر عن الجريمة التأسيسية التي تفتتح بها الرواية، بل من صدوع جانبية (حكايات ضمنية) تروي تفاصيل مرحلة ما قبل الجريمة عن طريق الاسترجاع. 2- تغلب التفسيرات الميتافيزيقية والغرائبية على التفسيرات العقلانية المنطقية التي هي من شروط النمط البوليسي العالمي(2). 3- تهميش القصتين الإطاريتين: 1- قصة الجريمة (التي لا تظهر سوى في مفتتح الرواية (حين تقع في البداية) وفي خاتمتها (حين يعرف مرتكبها في النهاية). 2- قصة التحقيق(التي تكاد تنعدم في الرواية لولا بعض الأسئلة القليلة العادية الموجه من المحقق لبعض الشخصيات الثانوية). وتبئير الثقافة النصية الموغلة في الترميز الذي تثري المحكيات الفرعية. 4- على الرغم من أن الجنس البوليسي للرواية هو الذي استضاف بعدها المعرفي الذي يمثل ثقافة النص، إلا أن هذا الأخير هو الذي حكم مجريات المغامرة، وبنائها الفني وانفرد بدلالة خطابها الرمزي. ملقياً بالجريمة والتحقيق على قارعة السرد دون أن يكتملا تماماً رغم أنهما الإطاران اللذان تأسست عليهما المغامرة. 5- تخترق رواية سكرات نجمة بشكل مباشر المعيار الثامن من معايير فان دين(van Dine) العشرين التي استجمعها من تراث الرواية البوليسية العالمية: ويتص هذا المعيار "على أن تكون شخصية المجرم من الشخوص الرئيسة في الرواية، فضلاً عن أن تتمتع ببعض الأهمية في المجتمع، فلا تكون خادماً أو حارساً أو ما شابه"(3). وهذا ما ناقضته الروائية حين علقت الجريمة الرئيسية بشخصية هامشية ولعلها فعلت ذلك بغرض تجريم الطرف غير المتوقع من القارئ لتصنع دشته. وهو ما يجعل من هذه المخالفة المعيارية بانية للعقدة وحلها. لكن المجرم في هذه الرواية ليس هو الشخصية الفاعلة المهمشة الوحيدة بل المحقق الرئيسي في الجريمة وفريقه جميعاً شخصيات فاعلة همشتها الرواية وانحصر التحقيق بين الراوي والقارئ، كما لو أن الكاتبة تود كشف الجريمة لقارئ مباشرة دون المرور على فريق التحقيق الذي وضعته بنفسها في بداية الرواية ليضل هذا الفريق عاطلاً عن العمل (عدا بعض التساؤلات الحائرة التي يطرحها على هذا الطرف المشبوه أو ذاك دون أية نتيجة) حتى نهاية الرواية التي تلغي دوره ومهمته وتسلم حقيقة ما جرى للقارئ دون أي تحرٍّ أو نتيجة تذكر لعمل فريق التحقيق في الجريمة؟؟ وهو الطرف الذي بقي معلقاً ومهملا من طرف الروائية التي وضعته في مفتتح النص ثم تخلت عنه فجأة مما ترك علامات استفهام كبرى حول هذه البنية المحورية المهملة في الأحداث. ما يعني أن الحل في الرواية لم كن بنيوياً (أي نتجية تنبع من مجريات التحقيق وملابسات التحري)، بل جاء ساقطاً من خارج النص، أي قدمته الروائية للقارئ بصورة جسرية خارجية تتجاوز حبكة النص وبنائه الداخلي. مما يشكل نقضاً صريحاً للميثاق السردي الذي قدمته الروائية لقارئها منذ البداية حين استهلت به نصها لتتخلى عنه بعد ذلك وتسقطه من متاعها في منتصف الرحلة، وتدخل الرواية في إخبار القارئ بما يجري دون وخارج سيرورة البناء النصي ذاته. لتضع الكاتبة يد القارئ على الجاني مباشرة بدل يد المحققين التي قطعت بشكل غير مبرر نصياً منذ منتصف الرواية. وهذا ما كان منتظراً من هيكل بوليسي لسرد بدا كلاسيكياً وانتهى مبتوراً في منطق سرده.. وتجدر الإشارة إلى أن البتر ولإغفال والمحو من الوسائل الأسلوبية إن وضعت من طرف الكاتب في موقعها الاستراتيجي حيث تضاعف التوتر والفضول والترقب في عملية استارتيجية التلقي الجمالي للنص السردي عموماً والبوليسي على وجه الخصوص.

  • تكمن عبقرية كل النص في مدى إثارته لتساؤلات تنبع من أثره الخاص وتتحرك لتخترق الجنس الذي ينتمي إليه، وهو ما يسهم في تحيين بنى الجنس، وقد خلصت بي قراء هذا النص الإشكالي إلى تساؤل أخير مركب حول ثمار التخييل البوليسي والمعرفي مفاده:

  • ترى هل غاية المعارف التي يزخر بها النص؛ أن تقرب القارئ من خصوصية الرواية حصراً؟ أو أن تمنحه معرفة وتلقنه وصية تقع خارج مدار المنجز الروائي الذي يقدم إليه؟ وهل غاية الرواية البوليسية أن تنتهي المغامرة إلى حلها المثالي بمجرد معرفة هوية مرتكب الجرم؟؟ !!


*- محمد الأمين بحري- ناقد وأكاديمي جزائري ------ (1)- ميشال بوتور، بحوث في الرواية الجديدة، تر، فريد أنطونيوس، عويدات، باريس- بيروت، ط2، 1982،ص85. (2)- ينظر: تزفيتان تودوروف شعرية النثر، تر: عدنان محمود محمد، الهيئة العامة السورية للكتاب، وزارة الثقافة، دمشق، ط1، 2011، ص16.- وينظر للاستزادة: مؤلف جماعي: المحكي البوليسي في الرواية العربية، منشورات مختبر السرديات، جامعة الحسن الثاني: الدار البيضاء، ط1، 2012. ص49. (3)- ينظر الخطوات العشرين التي استجمعها الناقد فان دين من السرد البوليسي العالمي ملخصة لدى: عبد القادر شرشار: الرواية البوليسية و أصولاها التاريخية وخصائصها الفنية وأثرها في الرواية العربية المعاصرة، الدار الجزائرية للنشر و التوزيع، ط1، 2015.، لوينظر تفصيل هذه الخطوة في الكتاب الجماعي: المحكي البوليسي في الرواية العربية ص: 142-143

الرواية نت

0 تعليقات

اترك تعليقاً

الحقول المطلوبة محددة (*).

مواضيع أخرى ربما تعجبكم