القاهرة - يستدعي الطبيب والروائي المصري إيمان يحيى في أحدث رواياته (رصاصة الدلبشاني) واقعة ثابتة في التاريخ لم يتطرق لها الأدب كثيرا لينسج حولها من خياله كواليس وملابسات محاولة اغتيال أحد أبرز الزعماء السياسيين المصريين في القرن العشرين.. سعد زغلول.

ويقول إمام في مقدمة الرواية الصادرة في 184 صفحة عن دار الشروق بالقاهرة "لعلها محاولة الاغتيال السياسي الوحيدة في تاريخ مصر التي لم يُحاكم فيها مُتهم. حادثة كانت كفيلة بإشعال حرب أهلية في مصر، وبإفشال حكومة الثورة التي أتت بسعد زغلول رئيسا للوزارة. أطراف عديدة متشابكة، وظروف معقدة، ونوايا دولية عديدة".

تدور أحداث الرواية في عام 1924 حين أقدم طالب جامعي على محاولة قتل رئيس الوزراء سعد باشا زغلول في صباح 12 يوليو تموز داخل محطة قطارات مصر أثناء توجهه إلى الإسكندرية للقاء الملك فؤاد الأول.

ومن خلال الجاني يعرض المؤلف لأوضاع الطلبة الجامعيين المصريين في أوائل القرن العشرين وتحديدا بعد الحرب العالمية الأولى حيث فضل كثير منهم الاتجاه إلى الدراسة في ألمانيا وفرنسا بعيدا عن إنجلترا التي كانت تحتل مصر آنذاك.

عبد اللطيف عبد الخالق الدلبشاني كان أحد الطلبة الذين يدرسون في ألمانيا لكن الاستقطاب السياسي المتصاعد بين الأحزاب جذبه نحو أفكار معسكر اعتبر تفاوض سعد زغلول مع الإنجليز تراجعا عن المطالبة بالاستقلال وخيانة للوطن فوجد نفسه مدفوعا نحو عملية اغتيال الزعيم.

تفتح محاولة الاغتيال غير الناجحة الباب على مصراعيه لاستكشاف الأوضاع السياسية والاجتماعية والاقتصادية في مصر خلال الربع الأول من القرن العشرين والتفاعلات الجارية بين العمال، وملاك الأراضي الزراعية، والجاليات الأجنبية، ورجال الدين، والصحافة.

وبينما ينزوي الدلبشاني في زنزانته انتظارا لتقرير مصيره تتحول الأحداث إلى مدينة المنصورة حيث يعيش عبد الحميد الطوبجي الذي زامل الدلبشاني لفترة قصيرة في ألمانيا وكان آخر من التقاه قبل تنفيذ مخططه.

يتابع الطوبجي سير التحقيقات بتوجس خشية تورطه في القضية رغم عدم علمه مسبقا بنية زميله معتمدا في ذلك على ما تنشره الصحف المصرية والتي استخدمها مؤلف الرواية كمحرك رئيسي للأحداث وأداة سرد غير تقليدية تنقل القارئ لداخل زنزانة الدلبشاني وخارجها بسلاسة.

ويقول الطوبجي "أتابع بلهفة ما تنشره الصحف عن التحقيقات. تسع دائرة المشتبه فيهم بإطراد. أشتري جريدة (الأهرام) في بداية شهر أغسطس فأكتشف أن البلاغات ما زالت تتوالى على النيابة للوشاية بأشخاص آخرين. أنكمش في جلدي، وأشعر بقشعريرة تهزني من الداخل. ماذا لو عرفوا أن (عبد الطيف) كان معي قبل جنايته؟".

ورغم انتهاء الحدث الرئيسي في البداية أبقت الرواية على عنصري التشويق والإثارة حتى آخر فصل انتظارا لمعرفة مصير الدلبشاني خاصة في ظل اختفاء المسدس أداة الجريمة من موقع الحادث.

ويأتي الحل للمتهم الوحيد في القضية في أبسط صوره لتجنب المحاكمة من خلال الاستماع إلى نصيحة عائلته بادعاء الجنون وهي الحيلة التي تنطلي على السلطات أو تقبلها على مضض لغلق القضية.

لكن مع النهاية يظهر صوت جديد هو سعد باشا زغلول ليسرد رؤيته الشخصية لمحاولة اغتياله ويضعها ضمن إطار سياسي أشمل وأعم.

"كنت أتابع التحقيق الخاص بمحاولة اغتيالي عبر (محمد سعيد باشا) والنائب العام، وقاضي التحقيق. كنت رئيسا للوزارة، ووزيرا للداخلية. نأيت بنفسي عن التحقيقات، فالمؤامرة كانت تستهدفني. كان الطالب الجاني شابا غريرا، ابنا لقاض شرعي. هو مجرد أداة لا أكثر ولا أقل! أداة لقصر (عابدين)، أو للوكالة البريطانية، أو لكليهما معا".

عن (رويترز)


0 تعليقات

اترك تعليقاً

الحقول المطلوبة محددة (*).

مواضيع أخرى ربما تعجبكم