رجاء عمار - تونس

لا يمكن لرواية "حارس سطح العالم" ألا تشد القارئ بأسلوبها السردي السلس المعتمد على حبكة تصاعدية للأحداث مع إجادة الكاتبة في إلقاء حصى التشويق الذي يدفع للاستمرار في تقفي خطوات الشخصيات،
مع حسن استغلال البعد الرمزي للفظ يخدم الفكرة بجمالية تتعدد تلويناتها بين مرارة ترتدي استعارة السخرية فتتحقق الدهشة أنها على مقاسها تماما وتعكس أناقتها بشاعة هندام واقع يلامس مجازه حقائق شتى في محاولة أن يكون للمسة وقع السحر القاتل للتعدد ويفرض مثال النسخة النموذجية، بما فيها من نقائص وعلل..بما فيها من خنق للإبداع الكامن في الاختلاف.

للرواية أثر سحري في نفس القارئ الذي يجد نفسه في عالمها متورطا بطريقة ما في الأحداث راغبا في معرفة ما يخفيه الاحتمال المطروح..ومتى أتم القراءة، ينحسر مفعول السحر رويدا رويدا..للأسف!

الاتكاء على نصوص سابقة مثل زوربا وأليس في بلاد العجائب ورواية جورج أورويل وغيرها، وإن نجد له مبررا وهو الفكرة التي يقوم عليها النص، إلا أنه ليس اختيارا فريدا فقد تم استغلاله مرارا، وكثرت الروايات التي تلجأ إلى ذلك، وهو ما يطرح تساؤلات حول مدى قدرة المؤلف على إبداع نصه الشخصي دون أن يكون عماد بنائه السردي وسقف فكرته مرتكزين على نصوص لاقت رواجا عالميا؟ لماذا لا يشرك روايات لم تجد ذات الشهرة، فيخدمها بذلك من خلال دفع القارئ للاطلاع عليها؟ هل هو الخوف من المغامرة فلا يقيم بنيانا ذاتيا من ناحية ولا يشرك "المغمورين" في حبكته فيتخلى الكاتب بذلك عن جرأته ويتحول إلى مضارب يخشى الخسارة فيعول على " سهم رابح"؟

هل انتماء الرواية إلى ما يسمى بالأدب الدستوبي يحتم رؤية قاتمة، يخفت فيها النور شيئا فشيئا وتنتهي بظلمة تغلف الحدث والزمان والمكان، وتجعلها الفرضية التي تبسط سيطرتها فتلغي احتمالات سواها؟

تعود الإجابة إلى صاحب النص بطبيعة الحال، فهو حر في اختيار المنعرجات والقفلة..
غير أنه لا بد من الإشارة في هذا السياق، أن الخيار يحدد مصير الأثر الأدبي، فإما أن يجعله نقطة تثير اهتماما عابرا أو يرسخ في التاريخ ويكون قادرا على الاستمرار في الحياة لأنه منح أسبابا لذلك، لعل أهمها إبقاؤه مفتوحا على التأويلات والاحتمالات لسيناريوهات مختلفة..وهو ما لا نجده في رواية حارس سطح العالم، لأن صاحبته جعلت من فكرتها خطا وإن تعرج إلا أنه بلغ النهاية التي صورتها حتمية..وقدمت إجابة حاسمة رغم التأكيد مرارا أن الروايات تساعد على الاستمرار في طرح الأسئلة مبعدة العقل عن بلوغ اليقين..
أن تنهي نصا بطريقة باترة يعني أنها اختارت أن ترديه، وإن بقي.. فذكرى عابرة.

في بداية الرواية، نجد فكرة على غاية الأهمية، على أنها لم تتطور لأنها عرضت في ذاك الموطن، ولم يتم استغلالها في تصاعد الأحداث، ألا وهي أن الكتب "تعض" أي أن الكاتبة منحتها القدرة على الفعل..على المقاومة..على الهجوم على كل من تسول له نفسه لإيذائها حرقا، أن تنجح في مسعاها أو تفشل، ليس ذاك السؤال، وإنما الاستفهام، لماذا جردت من هذه الطاقة التي كان بالإمكان على أقل تقدير الإشارة إليها في ختام النص، لتفتح لخيال القارئ كوة أمام كل الأبواب التي أوصدت؟

يزول السحر شيئا فشيئا..وكمن ينهض من حلم جميل ويبدأ في استرجاع تفاصيله، فيتعكر صفاء الروح كلما دقق أكثر باحثا عن المنطق اللازم للإقناع خدمة للإمتاع.
قد يتساءل القارئ مثلا، وهو يستحضر أن هناك جيلا كاملا ( يمثله الأب والأم والرقباء...) سبق جيل الطفلة المريضة بالمخيلة، ألم يكن هذا الحيز الزمني كاف لإبادة كل الكتب وما عاد هناك داع لهيئة تراقب كتبا مثل زوربا وأليس وبينوكيو، وإنما مهمتها مراقبة الكتب الجديدة التي قد يكون من بين مؤلفيها من يتسم بالاختلاف ويخط ماهو مرفوض من طرف السلطة..وإن بقيت بعض الكتب من قرون مضت فنسخة أو نسختان أخفاهما حفيد حفيد الجد؟
يحتاج القارئ أن يصدق ما يطلع عليه مهما كان الذي تم تأليفه غير أليف ولا مألوف، لكن ذلك لا يعني التخلي عن المنطق، فللخيال بنيته الخاصة التي وجب أن تتسم بالتوازن وإن كانت الفكرة الثقيلة المتعددة الطوابق تقف على شعرة سقطت من جفن نجم!

أن يأسر الكاتب قارئه ويشد اهتمامه كاملا وهو يقص حكايته، ليتوقف لبعض اللحظات، ولا يجد منفذا ليتم روايته سوى أن يخبره أن كل ما أنصت إليه وهم لا غير..ويمكن تصور خيبة الأمل في أدب لا يطلب منه الاكتفاء بإخراج الأرانب من القبعة وتحويل الحمام إلى أثر بعد عين، وهي أمور عادية  باعتبار الإدراك أنها خدع،
ينتظر القارئ أن يؤمن أن الأدب سحر وله مفعول خارق..وإن لم يخرق، يحاول الاختراق على الأقل، وهو ما انتفى بمجرد أن يكتشف أن حكاية الرقيب وطفلته وغيرهما من الشخصيات ليست سوى محاولة سردية كتمرين عن سؤال لطالما طرح: كيف تتخيل المستقبل؟ وتكون الحصيلة إجابة تضاف إلى أخريات سبقتها دون أن تقدر على فرض فرادتها.

0 تعليقات

اترك تعليقاً

الحقول المطلوبة محددة (*).

مواضيع أخرى ربما تعجبكم