تم تبويب الرواية من طرف الناشر في خانة الخيال العلمي إضافة إلى تعداد مزاياها كتجربة سردية في الفقرة الأخيرة من التقديم في الغلاف الخلفي: "رواية مشوقة إلى أقصى حد يحاول فيها الكاتب بكثير من الخيال والذكاء وروح الدعابة الإجابة عن تساؤلات اجتماعية وسياسية تمسنا كمواطنين قبل أن تسحرنا كقراء"٬ وهو ما يعتبر وعدا لا بد من الإيفاء به لأن من سيقتني الكتاب سيرتكز بالأساس على هذا الميثاق المختصر في سمات تشجع على الاطلاع بصفة شخصية ما دام النص نال هذا النصيب من الاحتفاء٬

 فهل صدق الناشر وعده أم هو مجرد ادعاء؟ هل أضاف الكاتب للخيال العلمي فصلا رغم غرابته واستنكاره من طرف العقل البشري الذي يعسر عليه إدراك حدث لا يملك مخزونه الرمزي عناصر أساسية تساعد على تشكيل الصورة غير أنه ينشد إلى هذا المنطق المبتكر لما يتمتع به من درجة عالية من الإقناع أم أن المحاولة رغم الاجتهاد الذي غدا في بعض مراحله عملا شاقا مزعجا٬ ولا تبلغ الكلمات التي يسقط أسلوبها عن تعب في ركاكة العامية حينا وتستلقي حينا آخر على رصيف الثرثرة٬ بينما تلتقط الفكرة أنفاسها بنظرات حيرى باحثة عن مخرج ما لهذه التجربة التي غدت مأزقا ازداد عمقا مع محاولة منحه بعدا أوسع٬ فكاد يغرق لولا تشبثه بالضفة المختارة منذ البداية والاستمرار في الاشتغال عليها والتنقيب في جوفها لاكتشاف أنها استنزفت٬ والجهود ليست سوى ضربات تهوي على الإمتاع فترديه٬ ويتفاقم تشقق الحبكة وتتناسل الزلات فيها ليغدو الفعل السردي الذي ابتغى الخلق وابتداع درب غير مسلوك سابقا فعلا عبثيا ليتوه ويعدو في اتجاهات عدة عمدا لإخفاء عجز جلي عن التعامل مع الفراغ الذي أصر على رسمه متاهة بحيلة التشويق المستمر الذي وإن انطلى لمرة أو اثنتين٬ كشف توسل الكاتب من القارئ ألا يسأم ف"الإبداع آت..انتظر رجاء..لا تضجر وسأعوضك عن صبرك الذي كاد ينفد بمتعة تعمدت تأخيرها..وكل توخيرة فيها خيرة٬ قد..لكن٬ هناك في المقابل مثل " خوذ بايك من الأول وكان يبدا عصا"٬؟

 فهل هذا النص انصاع للمعهود أم تمرد وعصى؟ هل تملك مقاليد فن السخرية أم تجرأ عليها في حركات بهلوانية مكررة ما عادت قادرة على الترويح والتسلية بل تثير النفور ؟

 هل حاول طرح مشاغل اجتماعية وسياسية وقدم إجابة فريدة أم حبذ الاقتصار على استعراض الإجابات المتداولة٬ وقرر متى سنحت الفرصة أن ينتقدها في نبرة تهكمية وهو اكتفاء لم يشكك في القدرة الإبداعية للكاتب فحسب٬ وإنما مصداقية الناشر الذي وعد ومن وعد لا بد أن يفي..

يمكنني التوقف عند هذا الحد وأكتفي تاركة للقراء فرصة الاطلاع بحثا عن ردود لهذه التساؤلات٬ غير أني وإن لن أسهب في تقديم إجابة معينة٬ وإن وردت بعضها فيما سلف ذكره مقرونا بتساؤله٬ لن أفعل لأن ذلك يحتم تفصيلا سيهتك ما جاهد الكاتب في نسجه ونقشه وترقيعه٬ غير أنه لا مناص من التشديد على أن الرواية بحاجة إلى مراجعة شاملة على مستوى الحبكة التي تتعاورها الزلات حد القفلة التي ترد فيها سقطة سردية تهوي بالنص بعد تعثراته المتكررة ومحاولات استنهاضه ليواصل السير قسرا وإلباسه عنوة حذاء التشويق الذي يسير به في تشعبات سيتجلى أنها ليست سوى حشوا لإطالة الرحلة عمدا وإراقة مزيد من الحبر وتعريض وقت المطلع للهدر٬ إضافة إلى الابتعاد عن المعهود من قصص الخيال العلمي وتكرار سيناريو أفلام اجتهد أصحابها في التخييل٬ ولا قيمة مضافة من إعادة تجربتهم -بتصرف- فذاك جهد لا محالة٬ غير أن الإبداع يرفض منحه نسبا٬ فاستعراض مصطلحات تندرج في مجال الفيزياء مثلا مع تعريف مختصر دون استثمار فعلي للمعادلة أو النظرية ليس سوى استعراض عضلات معرفي٬ كطالب يحفظ القواعد٬ ومتى واجهه تمرين الاختبار لا يقدر على حله رغم تسلحه بالقواعد٬ فلا يجد خيارا سوى كتابة ما حفظ ليمنح بعض النقاط على استظهاره حجة امتلاك سلاح دون شجاعة الخوض في المعركة أو عدم التمكن من استغلاله٬  ومن الجيد الاطلاع على الأعمال الأدبية التي بلغ صيت أصحابها العالمية كساراماغو وموراكامي وغيرهما٬ على ألا يتوقف الأمر عند محاولة التقليد والنسج على المنوال وإنما الإصرار على استثمار التأثر لاستنبات البذرة الخاصة بالقريحة في أص الابتكار الفريد٬ كما تشمل المراجعة النطاق المراد للرواية٬ فإما اكتفاء بمدينة واحدة أو اشتغال على مستوى عالمي مع المحافظة على التوازن المطلوب بين الشقين وهو ما يستوجب اشتغالا أعسر وخيالا أخصب وجرأة على اجتراح الحلول عوض تحويل المسألة في مجملها إلى دعابة سمجة٬ إلى جانب مراجعة الأسلوب في بعض المواطن التي يميل فيها إلى السطحية على مستوى التعبير وغياب السلاسة فيما يتعلق بالتركيب والارتقاء به كي لا يهوي بالفكرة ويجعل منها هذرا عوض إكسابها جمالية ما لتواجه بها كعذر مقبول وإن لا يخفي ندوب التلفيق.


0 تعليقات

اترك تعليقاً

الحقول المطلوبة محددة (*).

مواضيع أخرى ربما تعجبكم