"كيف تعيشون؟".. رواية كلاسيكية تلهم مييازاكي هاياو
استوحى مييازاكي هاياو عنوان فيلمه الجديد ’’كيف تعيشون؟‘‘ من الرواية الكلاسيكية الخالدة ’’كيميتاتشي وا دو إيكيرو كا (ترجمت من قبل برونو نافاسكي ’’كيف تعيشون؟‘‘)‘‘. وهي رواية فلسفية نُشرت أول مرة في عام 1937 من تأليف يوشينو غينزابورو، الذي شرع فيما بعد بتأليف سلسلة من القصص الخيالية ’’إيوانامي شينشو‘‘.
حافظت الرواية على شعبيتها على مدار عدة أجيال متعاقبة. وفي عام 2017 بيع أكثر من مليوني نسخة من مانغا (قصة مصورة) مستوحاة منها. ويثير الآن أول فيلم رسوم متحركة طويل يخرجه مييازاكي هاياو منذ عقد من الزمن، مزيدا من الاهتمام بالرواية (بالرغم من أن الفيلم يستند إلى قصة أصلية للمخرج). مضى أكثر من 80 عاما على نشر الرواية، مرت اليابان خلالها بأوقات حرب ونمو وركود اقتصادي. لكن ما هو السبب الذي حافظ على شعبية الرواية الجارفة على مر السنين؟
تحفيز الأفكار
بطل الرواية صبي يبلغ من العمر 15 عاما يُدعى كوبر، وهو في الصف الثاني الإعدادي. وبما أن الكثير من أطفال تلك الفترة كانوا يبدؤون العمل بعد تخرجهم من المدرسة الابتدائية فهذا يعني أنه يعتبر أحد الأشخاص المميزين.
إن كوبر طالب جيد في دراسته وسريع البديهة لكنه مستهتر. تدفعه الأحداث اليومية إلى التفكير والقلق أحيانا وإلى الضحك والبكاء أحيانا أخرى. تتطرق الرواية إلى أنشطته اليومية التي تتخللها كتابات موجهة إليه من دفتر ملاحظات عمه. وتناقش مجموعة واسعة من الموضوعات من بينها أفكار حول عدم المساواة في الثروة تراود كوبر أثناء التفاعل مع زميل في صفه، وحول الصداقة والصراع مع أصدقاء مقربين، وما معنى أن تكون ’’عظيما‘‘ بعد تأثره بقصص عن نابليون.
يجعل العم ما يراه عبر عيون كوبر البالغ من العمر 15 عاما أساسا لطرح أسئلة بارعة حول موضوعات مجردة، وهذا ما يحفز مخيلة ابن أخيه – والقراء أيضا – كما يظهر من المقتطفات التالية.
’’يجب عليك بالتأكيد الاهتمام بالأشياء التي تشعر بها في قلبك، والأشياء التي تحركك بعمق. هذا هو الشيء الأهم الآن ودائما. لا تنس هذا وفكر مليا فيما يعنيه. . .
إذا كنت تفكر في التباهي ولو قليلا بالحياة الجيدة التي تعيشها أسرتك وأن تنظر باستخفاف إلى الأشخاص الأقل ثراء منك، فإن الأرواح الأكثر تفكيرا ستكون محقة في الضحك منك. . . .
هناك ’’بؤس‘‘ واحد يخترق أعماق قلوبنا ويجعل أعيننا تذرف الدموع بمرارة، وهو إدراكنا أننا ارتكبنا خطأ ولا يمكننا إصلاحه.‘‘
نُشر الكتاب لأول مرة في عام 1937. وفي ذلك العام اندلعت الحرب الصينية اليابانية وصدر قانون التعبئة القومية في العام التالي، وشهد عام 1939 بداية الحرب العالمية الثانية في أوروبا. وانزلقت اليابان بسرعة إلى سياسة العسكرة.
وبطبيعة الحال كان هناك الكثيرون ممن لم يرحّبوا بكتاب يشجع القراء على تقدير مشاعرهم الخاصة، حيث إن تلك المشاعر لم تكن تتوافق مع العدد المتنامي من الفتيان والفتيات الذين أغوتهم المشاعر القومية المتشددة. أتساءل بماذا كان يفكر أولئك الذين اشتروا الرواية أو أرادوا أطفالهم أن يقرؤها آنذاك. إن الابتعاد لفترة وجيزة عن اللحظة الحالية في عام 2023 يثير داخلنا مثل هذه التصورات.
رواية للقراءة معا
عندما كنت في المدرسة الابتدائية، استخدم مدرس الصف رواية ’’كيف تعيشون؟‘‘ في مادة الأخلاق. أتذكر أننا قرأنا جميعا حتى نقطة معينة في الرواية وناقشنا ما قرأناه في الدرس، ولكن يجب أن أعترف أني في حوالي العاشرة من عمري، كنت بالكاد قادرا على التعاطف مع مشاعر كوبر أو فهم طريقة تفكير عمه. لدي ذكريات حلوة ومرة حيث إنني كنت قادرا فقط على الإدلاء ببعض التعليقات غير الملزمة إلا أنني كنت غير مستوعب تماما ما كانت الرواية تحاول قوله.
ولكن عندما أعدت قراءتها، كنت أجد باستمرار نقاط تناغم. كما لو أني أبصرت النور فجأة، وفهمت مشاعر كوبر وما أراد عمه أن ينقله. ومن المؤكد أنني لم أجرب نفس المشاعر عندما كنت في العاشرة أو لم أعرفها، ولا يمكنني فهمها إلا الآن كشخص بالغ، وأصبحت رسالة عم كوبر في الكتاب واضحة جدا وأكثر سهولة.
وتتضمن هذه المشاعر شعور الخزي من الاستسلام للرغبة في حماية النفس من خلال الهروب من المسؤوليات، والشعور بعدم الراحة عند الإدراك فجأة أننا ننظر إلى الآخرين باحتقار، والشعور بالبهجة عندما تمسح كلمة واحدة من صديق أياما قضيناها بقلق، وما مدى أهمية الإيجاز والوقت الذي يقضيه المرء مع الأصدقاء وهو أمر لا يمكن للمرء ملاحظته في خضم كل ذلك.
إن قراءة الرواية بعد خوض تجارب في هذا العالم يجعل الحقائق التي يريد العم أن ينقلها بطبيعة الحال دروسا يريد المرء أن ينقلها إلى الأطفال. ومن المؤكد أن هذا ما حافظ على شهرة الرواية على مر السنين.
ومن المؤكد أنها رواية يصعب فهمها على الأطفال، ولكن أهميتها تدفع المرء إلى بذل جهد في سبيل ذلك. أوصي بمحاولة قراءتها معا. وحتى إذا وافق البالغون على بعض النقاط أثناء القراءة، فذلك لا يعني أنهم يتصرفون دائما على النحو الصحيح. بل نحن نمر في كل يوم بلحظات نفكر فيها بأنه ’’لعله كان من الأفضل القيام بذلك‘‘، لذلك نحن لسنا دائما في مكان عم كوبر، ولا يمكننا أن ننسى وجهة نظر كوبر أيضا.
تنتهي الرواية بسؤال مهم للقراء وهو موجه للأطفال والكبار على حد سواء، لتشجيعهم على التفكير في تصرفاتهم وهو ’’كيف ستعيشون؟‘‘.
المصدر: نيبون
0 تعليقات