قراءة في رواية "تغريبة القافر" للكاتب زهران القاسمي
عادةً ما يتمهّلَ المرءُ بالكتابةِ حول كتاب ما نال جائزة .
ولكننا بالمقابل لم نكُن سنقرأه بهذه السرعة لولا شهرته كما نلحظ ..
ولهذا سنمشي بحذرٍ بالمقال للسبب أعلاه, دون روحُ الإنفعال وتحت سقف الموضوعية وحسب. فالروايات تكثيف للحياة-عموماً- بزجاجة مشروب بارد أو بكوب قهوةٍ يسكِّن شتُّت المزاج والذهن يعصُر لنا "الناصّ" في كأسهاسها الحيَوات بآلة اللغة , لهذا يتجَمهَر القراء حول هذا الجنس الأدبي , دوناً عن كونها مرآة للفلسفة من جهة كونها محاولةُ تفسيرِ طبيعة الإنسان . ولهذا نسأل هنا حول مُكنةِ السرد وتقنيات الكتابة الروائية وفن القصّ عموما..وبهذا العمل خصوصا ..
**
متن الرواية ومحاولة " سؤال الشر"؟
هل حفرت الرواية بالطبيعة البشرية ؟ عبر حكاية "قرية الجن والمذهونون"- قرية المسفاة في طوي لخطم" بدولة عمان حيث بيئة كاتبها الجبلية- وهي كما يبدو قرية متخيّلة ولا زمان بالسرد أيضا- فالماء بهذه الأراضي -فضاء الرواية المكانيّ- " الماي فهذي الأرض فاسد ويخلق نفوس فاسدة" ص 172. القرية التي تعلِك السير- كحال الريف والقرى- ولا يعجبهم شيء من الحال , فيعيشون على سيَر الآخرين , كما جاء بلسان كاذية بنت غانم – عمة القافر- " مايعجبهم شي.. من الخير يصيحوا ومن الشر يصيحوا " ص51 .
بروايةٍ بطلُها الماء. الذي يُقفِّرُ عنهُ _القافِر وهو مُقتفِي الأثر- عبالله بن سالم بن جميل – والذي أطلَقَت عليه اللقب عمّته كاذية " وقد أطلَقَت عليهِ القافِر" ص122.
الذي وُلِد بطريقةٍ غرائبية أليمة -ميلو درامية نوعاً ما حيث هيَ سمةٌ من سمات الرواية كما سنقرأ لاحقاً بالمقال- حيث " سحبَت كاذية بنت غانم سكٍّيناً من حزام أحد الحاضرين, ورفعَت ثوب الغريقة , وشقَت بطنها ثم أدخلَت يديها لتخرِج الطفل" ص 15. وأمه "الغريقة. مريم بنت حمد ود غانم " لم تكن أفضل حالاً – حظا- من ابنها الذي أستُخرِج من بطنِ أمٍّ ماتت ! فهي " الغريقة..الغريقة" التي وجدها شخصٌ ونادى أهل القرية لينظروا ماذا يصنعون؟ فأستعانوا بشخص يدعى " الوعري" سلام ود عامور ليستخرِجها من البئر الذي غرِقَت فيه .
هذا الفضاء المشحون بالإثارة هي كلّ الحكاية .. التي رجعَت " فلاش باك" -وضوَّت- حول هذه القرية المليئة بالذهان والمرض الروحي-النفسي الغريب .. حيث حكاية " مريم بنت غانم ود حمد -الغريقة- , حكاية الوعري , حكاية زوج الغريقة " عبدالله بن جمبل" وهكذا.. حكايات يجمعها الذهان او الغرابة أو الجن والسحر كما تكرِّر الرواية عبر الناص العليم – القاسمي زهران- هذا المعنى بلسان "كاذية بنت غانم " عمة ومربية القافر" .." فكانت تكتم عن النساء كل شئ نلاحظه فيه , فهي لا تأمن ألسنتهن" ص ٥١.
هل ترهّلت الرواية بالمتن\ قصّ " فلاش باك" الحكاية ؟
هذا التساؤل أخذني لعدة وقفات مع الرواية " بالحوار. الوعظ المباشر. السرد الحكواتي, حيث لا مواربة بالرواية الا على استحياء.
فبعد " هذي الكوس وراها سالفة" ص 42يقول..عبدالله بن جميل والد القافر , ويقصد ريحٌ حارة بفصل الصيف .." تحوّل الصيف فجأة الى شتاء قارس" ؟ ص 43. تغرق القرية بالسيل ويحتمي " سكنة قرية المسافة بالكهوف"..هذه التحوليّات بالرواية لم تأخذ حيزا بالسرد , مع انها متن الطبيعة التي تشدِّد الرواية على قولها بحكاية اقتفاء اثر الماء . بعد فترة أيام ..عاد الخصب مجددا بذات السبب ؟ هطول المطر الغزير...لتعيش القرية برخاء لانظير له كمحلٍّ خصيب "حتى عادت القرية واحة غناء" ص 45.
وهذه " الأحداث لم تفِد بقصة البطل " ابن الغريقة" سوى بمشهدية باهتة جدا وفقيرة حول مناخات القرى الجبلية. فما أسهل ان يكتب روائي ما.. " كانت سنة كبيسة اتبعها خير وفير ...ليدفع بالسرد وحسب"..مثلا ..
***
يشبّ عود الطفل " في رعاية كاذية بنت غانم وارضاع آسيا بنت محمد" الأخرى التي لها مأساة لاتقل عن مأساة مولد الطفل المعجزة ..لاحقا ..أو هكذا أصفه أنا كنبيّ الماء بالرواية .
فهي – المرضعة- "اعتزلت الناس وأكلتها الوحدة , ومن شدّة يأسِها فكَّرت في الموت مرارا" ص55 . فالناس بالرواية "أشرار" الا عائلة القافر ومرضعته ..فهم سلبوا ارض والد عبدالله – أي جدّ سالم " القافر" الذي أطلق عليه الإسم عمته كاذيه ..
فيقول القافر مخاطبا زوجته نصرا بنت رمضان , التي أحبها صغيرا , وصادفها بعد ذلك؟ _ بقصة حب يستحقها تستحقها شخصية القافر بالرواية _بأحد سفرات والده معه .." بأن أهل قريته يستقوون على الضعيف...أما هم الفقراء الذين لايجدون ظهرا يحميهم ..فيكونون عرضةً لألسنةِ الناس" ص 165.
الناس الذين ذكرت أعلاه " الأشرار جميعا..بسوء نية أو بسذاجة" ..عدا شخوص أبطال الرواية .. وهذا مما يجعل السرد معلوماً بنية التعاطُف لا كشف أي طبيعة بشرية عبر السرد.. ونجحَت الرواية بتعاطف القرّاء بإستحقاق, لكنها لم تهتّم بحفر الشر وسؤاله عبر " شيخ القرية ..وغيره.." حيث كلاسيكية المشهدية الريفية المتخيّلة المكرَّرة .. خُدِمت ببيئة الجبل بدولة عمان ..
تطوُّر الشخوص والحدث " القافر نموذجا"
هل هي رواية شخوصية أم حدثٌ منساب كحكاية ..؟
اذن نحن أمام أشرار مع قلة خيّرة كحال الواقع !.
فدوما الخير يصارع الشر داخل الطبيعة البشرية لا العكس..كما يبدو تاريخيا على الأقل . فهل نشهَد تغيّر داخلي بشخصية القافر -الوعري ..مثلا ! أو بأحد شخوص القرية "العديدين بلا داع سردي ..بذكر الإسم "الملسونة..الشايب..الشايب...بوعيون.. " مع فهمنا التصوير المشهدي لشخوص الريف "الجبليّ" ..
فلانجِد سوى حدَث يتسابق للوصول لقمة النصّ حيث محنة القافر "الوجودية" من ولادة بألم ويُتْم مبكّر قبل أن يولد..الى انحشارة داخل "الفلج..وهو يقفّر عن الماء..بقرية طلب منه شخصٌ "في الثلاثين من عمره ..يعلّق بندقيته على كتفهِ اليسرى "- الوصف عنا بلا داع ولا فائدة للسرد سوى الوصف ذاته_فأهميته هنا أنه دعا القافر..للبحث عن الماء..مقابل "نصف البلدة للقافر..ان وجَد الماء فيها !"..
كما أن هنا تحوُّل غريب بشخصية تنوحُ ألما وتنزُّ قهرا..مصوّرةً الرواية حال الانسان عامة " بمحنةِ الوجود".. فنجدهُ هنا يقبل فقط طمعاً بالمقابل..وهربا من قرية "المسفاة الظالمة" أهلها..وهو الإنسان "المحض كما تصوره الرواية الذي يذوق الألم والقهر والتنمر ..."
وجودية القافر بالرواية\ أم حكاية انسان مقهور!
المحنة التي عاشها -بطل الرواية- من الولادة حتى النهاية "الميلو درامية" بمشهدية متينة , هل تكفي لتوصيف وجودية المعنى تحت الحكاية المتن ! . فماالجديد بعد "صخرة سيزيف البير كامو"\ وصخرة " نجد النوح" بالرواية ؟ التي يضربها بقسوة وشدة " تناقل الجميع خبراً مفاده أن سالم بن عبدالله يحفرُ صخرةً صمّاء في قمة نجد النوح" ..وهذا الحدث المفاجئ للقارئ سيقع بعد فقدانه لأعز الناس له " والده وعمته كاذية" .. بل حتى جمله " خبرا مفاده" بتقريرية الشرطة أو المخفر يبدو ناشزا بالسرد..كما بمتن وحوارات عدة بالرواية تبدو مكشوفة المعنى قبل قراءتها..
ولايعني كل ذاك من أن هذه القصة كان بالإمكان أن تتحول لملحمة "القافر" لا تغريبته التي عاشها ..بقرية قاسية ظالمة .. لكنها مع كانت أشبه بحكاية العبرة والعظة والجن والسحر الكثر ذكره بالسرد بالرواية ..
**
فهل نحن امام عمل وجوديّ صرف..أم حكاية كلاسيكية مكرَّرة تاريخياً.. مفتَتحها " غريقة" ومنتهاها " غريق" ..ومابينهما ظلمٌ فاحش مع خيرٍ يصارع ويستشهِد ..! لتتكرَّر هذه المشهدية بالحياة..! ..
0 تعليقات