"أنا مي زيادة" رواية الشوق والخسارة، هكذا يبدو الأمر.

إنها رواية في طبقتها الأولى، ترصد القصة الكاملة لواحدة من أشهر الكاتبات العربيات، التي شكلت وجدان عظماء الأمة العربية في النصف الأول من القرن العشرين.

المرأة التي علمت هؤلاء العظماء معنى الحب والغزل والسهر.. العظماء الذين كانت الدنيا رهن أطراف أصابعهم، صارت هي مَيّ عصية عليهم، وتلك مفارقة الرواية الأولى.

إنها المرأة التي أبهجت هؤلاء: طه حسين، أحمد لطفي السيد، منصور فهمي، أنطوان الجُميّل، وعشرات غيرهم، كيف كانت هي في عالمها الشخصي؟ في حياتها السرية؟ مَن أحبت؟ ومَن احترمت؟ ومَن احتقرت؟ عشرات المواقف التي طواها النسيان، والتهمها الزمن، وغمرها مَرْ الليالي وتوالي الأيام، فصورها "علي حسن " وأعاد بنائها في سرد راسخ، لا تفرق فيه بين الواقع والمُتَخيّل، فقد خلق "مَيّ" خلقًا جديدًا: في رقتها وضعفها، في براءتها وحكمتها، في سذاجتها وخبرتها، وقت توحشها وحين سموها قمرًا مضيئًا في مجالس الأدب، وسماءً عالية في دنيا السياسة والساسة، قطب مَرجِى في دنيا الصحافة، الأنثى الطبيعية في لحظات الحب، صدقها مع مَن تحب، وصدمتها فيمن أَحبتْ، ورعبها من ذاتها ومن القدر!

مَيّ في انطوائيتها وفي حيويتها.. إنها واحدة من أفظع المآسي البشرية التي شهدها ذلك الزمن، ورحلة ألم من أقسى الآلام التي مرت بها أي شخص على الإطلاق، في عالم السياسة والثقافة والصحافة. وهذه مفارقة "أنا مي" الثانية.

مع ذلك، وبرغم كل ذلك، تبدو الرواية في طبقتها الثانية، نتاج رحلة عميقة في معرفة "مَيّ زيادة" وحساب لما يمكن أن تمثله، وكل ما تركته وراءها، هي بالأحرى، رحلة عميقة في معرفة الذات الإنسانية الأنثوية، حين تُخدع من أقرب وأعز الناس. مرثية لا تقبل المهادنة، لكل قيمة نبيلة، وكل براءة مرتجاه، رواية مليئة بالدراما والأسرار العائلية، والأفكار السوداء، استعارة كبرى ضد قبح الواقع، وضد ما يمكن أن يفرضه علينا هذا الواقع.

وفي طبقة ثالثة من الرواية، تأخذنا "أنا مَيّ زيادة" لعلي حسن، بذكاء لامع وصدق لا يتزعزع، لترينا كيف تكافح البطلة "مي - مريم" لتحافظ على طموحها، وإيمانها بذاتها، وهي تحاول أن تتصالح مع قيودها، في ثقافة تقول ظاهرًا أن كل شيء ممكن، وتمارس عكس ذلك تماماً، تحاكم الحب، وتتسامح مع الخطيئة.

تأخذنا في رحلة شاقة مع الحب والقلق والانفصال والعودة، الإخلاص والمرارة، رحلة مشاعر تتوزع بين الطموح والعقبات التي يمثلها الآخرون، ما يجعل البراءة في مواجهة الخبرة، والفطرة في مواجهة الحكمة، لتكتشف مع صفحات الرواية أننا بحاجة إلى بعضنا البعض، برغم اعترافنا بأن الحياة جميلة ورهيبة ومليئة بالأمل واليأس بالنسبة لأي شخص أحب وفقد وأُبعِد وعاش ليروي الحكاية، فعندما تنتهي العلاقة، وبدلًا من المُضي قدمًا في التداعيات العاطفية للانفصال، تتحرك الرواية إلى الأمام، في الوقت المناسب، لتربط بين النهاية، ولحظة الحب الأولى السحرية، ثم تتحرك إلى الماضي لاستخراج التفاصيل التي قد تساعدنا في فهم الحب.. كيف يحدث؟ ولماذا ينهار في بعض الأحيان؟

في الطبقة الرابعة من هذه الرواية، تبدو تلخيصًا مؤلمًا، وتأملًا مؤلمًا أيضًا، في ملهاة ذلك المصير الإنساني، فالنباهة والنبوغ لم يشفعا "لمَيّ" ولم يحمياها من الاستغلال والخيانة، ومع ذلك هو تأمل يستكشف عزلة النساء ورغباتهن، والتكيف مع عالم من تصميم الذكور، والمساحات التي تتمتع فيها النساء بالسلطة، إنها كتابة تشكل سيمفونية من الذكريات والأحلام.. والشوق والخسارة.

0 تعليقات

اترك تعليقاً

الحقول المطلوبة محددة (*).

مواضيع أخرى ربما تعجبكم