صدر حديثاً للكاتب القطري إبراهيم المطوّع عن دار يلدز (التركية القطرية) رواية السلطان آلتان (الأسطورة والإرادة).

عمل روائي ملحمي يجمع بين أسلوب الأساطير القديمة وقالب الرواية الحديثة، يتمترس فيه الكاتب خلف كمٍّ معرفي وثقافي كبير ودقيق، مُلمّ بالموضوع التاريخي الذي يتصدى له وهو (الحقبة العثمانية) التي اتخذ منها فضاءً مكانياً وزمانياً لروايته.

العمل على ضخامته التي تمتد على حوالي 500 صفحة من القطع المتوسط إلا أنه يمتلك مقدرة الإمساك بعيني القارئ ليتابع الحدث من الصفحة الأولى حتى الأخيرة.

الرؤيا العامة للعمل: يتمحور العمل حول فكرة تقليدية قديمة ومكرورة وهي صراع الخير والشر الأزلي لكن ما يميز طرحه الجديد عند إبراهيم المطوع أنه ليس صراع أفراد بل صراع أمم تتنافس بين عالمي الخير والشر، هو الصراع الأبدي بين قوى البشر التي تسعى لإعمار الأرض التي استخلفها الله سبحانه وتعالى فيها؛ وبين تلك التي وصفتها الملائكة بقولها (أتجعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدماء)

بطولة العمل: يتوهم القارئ أن الرواية تقوم على شخصية فردية هي السلطان العثماني آلتان، وهو شخصية ورقية رمزية لا وجود لاسمها في قائمة السلاطين العثمانيين حقيقة، لكنها تمثل كل قائد شريف غيور متجاوز لشخصه من أجل مصلحة أمته في كل زمان ومكان.

وقد يتبادر للذهن أن الرواية تعتمد تمجيد البطولة الفردية التي عكفت عليها الأعمال القصصية بدءاً من الملاحم والمسرح وانتهاء بأغلب الأعمال الروائية اليوم؛ لكن الحقيقة أن الرواية تعتمد البطل الجماعي الذي يحتاج لقائد لا أكثر، فالجماهير بعامتها ونخبها هي البطل الحاضر على امتداد صفحات الرواية، وهي التي ترفع البطل الفردي أو تحطه.

البناء الروائي: اعتمد الكاتب تقنية فنية متميزة في عالم الرواية المعاصرة، فقد بنى عالماً روائياً – ورقياً- مقنعاً بالرغم من أنه تنعدم فيه حجب الزمان والمكان؛ هذان القيدان اللذان يشلّان قوى الإنسان منذ فجر البشرية وحتى اليوم، وإن كان الإنسان عبر صراعه الطويل مع هذين القيدين استطاع أن يكسر الكثير من سطوة المكان بوسائله التكنولوجية المتطورة التي قربت المسافات حتى من القمر والمريخ إلا أنه بقي عاجزاً أمام قيد الزمان، الذي يمضي به بين نقطتين إجباريتين هما الولادة والموت، والذي يفرض عليه خطه السرمدي المستقيم الذي لا يقبل رجعة للماضي ولا قفزاً من فوق أسوار الحاضر إلى الغد والمستقبل. وهنا كانت اللعبة الفنية البارعة للروائي إبراهيم المطلع حين جمع بين شخصيات من شتى الأزمنة يصل الفارق بينها أحياناً إلى أربعمئة عام وأكثر، وهذا يقدم للرواية ميزة تتجلى في نقطتين:

  • تجسيد البطولة الجماعية ليس بمعناها المعروف الذي أسس له أميل زولا وغابريل غارسيا ماركيز وايزابيل ليندي وجورج أورويل وغيرهم بل تَجسُّد مجموعة من الشخصيات عبر التاريخ في شخصية واحدة فشخصية آلتان تجمع كل السلاطين والقادة الخيرين في شخصية واحدة ولذلك لديها المقدرة على اللقاء والاستفادة من كل شخصيات الماضي والحاضر.
  • التأكيد على أن قوى الخير أو الشر هي تراكمات متكاملة ومستمرة يعضد بعضها بعضاً، وهي لا تموت بموت أصحابها لأنها ليست شيئاً فردياً فألتان يموت، والشريرة رويلي ماتت لكن الخير باق والشر باق له بالمرصاد وذلك من خلال تمدده في شخوص جديدة.

مادة العمل: يحتوي الكتاب على كم معرفي كبير وخبير بدقائق الدولة العثمانية من أعلام يعيدهم الروائي إلى الذاكرة، ووثائق مرجعية تاريخية حقيقية وحوادث ومعارك واتفاقات دولية شكلت تاريخ المنطقة الحديث ورسمت جغرافيتها الحالية.

ويقدم الكاتب بشكل غير مباشر صورة معاصرة للاستبداد بكل أنواعه وخاصة الإعلامي الذي يكون أحياناً اقوى من الحروب المباشرة في سقوط دول أو قيامها، إضافة إلى الجانب العسكري، متلاعبا بالقارئ حتى أنه يتوهم أن الرواية تتحدث عن سورية وما يحدث فيها حالياً، أو العراق وما تعرض له من احتلال ومحاكمات، أو اليمن وليبيا، من خلال إيماضات لماحة وذكية وسريعة كـ (البراميل وغاز الكلور) (محاكمة قائد والقرآن في يده من محكمة احتلال غير شرعي) كما يتلاعب بخيال القارئ منتقلاً به من إيهام إلى آخر فتارة نتخيل أننا أمام السلطان عبد الحميد وتارة أخرى مع أردوغان ثم مع قائد مجرد من كل حقب التاريخ يسعى لإعمار دولته، ثم يعود بنا إلى أجواء السلطنة العثمانية بكل سلاسة وقناعة.

ومن هنا أستطيع القول إن هذه الرواية تحمل جديداً (شكلاً ومضموناً) وتحمل رؤية تفاؤلية أو مشروعاً تفاؤلياً للواقع العربي المعاصر مستوحاة من أعماق التاريخ بأنواره وظلماته.

0 تعليقات

اترك تعليقاً

الحقول المطلوبة محددة (*).

مواضيع أخرى ربما تعجبكم