فيصل قادري

من خلال احتكاكي ومعرفتي به وبالرغم من المسافة البعيدة بيننا، أرى كتاباته المتدفقة نابعة من قراءات عميقة وتجارب شخصية أعمق. هنا أتحدث عن الكاتب الروائي الصديق هيثم حسين ورواياته القيمة. أتحدث تحديداً عن روايته "إبرة الرعب"، ففيها يرى بأن هذه الحياة التي عشناها في سوريا كانت غريبة بكافة أشكالها وألوانها.

في إحدى المواقف يسرد الكاتب كيف كانت العادات والتقاليد في مجتمعنا من ناحية التعامل، الكذب والصدق، وتعامل بعض الشخصيات من حيث المهن مثل شخصية الرشملي المرأة التي تقوم ( بإزالة آثار الثآليل)، يقول الكاتب بأنها (تقرأ عليها بعض الأدعية والصلوات عدة مرات وينفخ عليها .. طالبة من الله الشفاء) .

وأيضا شخصية مختار القرويين الذي كان متزوجاً من امرأتين الأولى اسمها فريزة، فهذه الزوجة كانت تداوي نوبات آلام الظهر والمفاصل وغيرها من الأمراض. وزوجته الثانية اسمها رابعيكا كانت تداوي حالات مرض (الخرطكي) وهو سعال ناشف يحدث في الحلق ويصيب الأطفال عادة، وتبدأ ربعيكا بطقوسها المهنية الطبية وأدعيتها الدينية لشفائهم من خلال الآيات القرآنية لدفع الشرور والحسد عن المرضى.

وردت أيضا شخصية كريزو المفلس مهنيا واجتماعيا الذي كان يعيش في لبنان، فالجميع كانوا يسمونه كريزو اللبناني لكثرة مشاكله مع الناس ومغامراته في لبنان من حيث القتل والسرقة والكذب والنفاق.

والأهم هنا شخصية الممرض رضوان الذي لم يكن محظوظاً في نيل شهادة الاعدادية المتوسطة بعد الشهادة الابتدائية نتيجة ظروفه التعيسة، يقول عنه الكاتب: (لم يتعلم أية صنعة حتى سيق إلى الخدمة الإجبارية).

رضوان أثناء الخدمة فرز كحارس في أحدى المستوصفات العسكرية، ومن ثم كحاجب ضمن المستوصف رويدا رويدا وبكل خبث اكتسب ثقة الجميع بحركاته وخدماته لهم، فكان يناوب ليلا ونهارا في المستوصف، ويستغل مكان الدكتور والممرض عندما يكون المستوصف خالياً. عندما يكون لوحده يلبس صدرية الممرض ويحمل الأبرة ليكون جاهزا لأية حالة مرضية اسعافية كما يعمل في مكان الدكتور والممرض أثناء عمله...

جانب من احدى المشاهد الموجعة عندما يوخز الممرض رضوان مؤخرة طفلة بإبرة، فهنا رضوان قبل وضع الابرة على مؤخرة الطفلة يتمعن بمشاهدتها ويتلذذ بها بنظراته، وثم يلمسها ويدلكها. هنا يغوص الممرض رضوان في فلك النشوة الجنسية، اصبح المسعف رضوان يتلذذ بمؤخرات نساء القرية اللواتي يدعين المرض، فكان يستغل هذه الأجواء.

ومن جانب آخر يوصف الروائي الكاتب هيثم حسين شخصية كريزو الراوي لحكاياته للقرويين عن موسو ومغامراته العجيبة والمشوقة، فكريزو يتقن سرد حكاياته.

بعد خروج رضوان من القرية كان يشعر بإحساس يدفعه نحو التفائل وبأنه لن يرضخ و لن يستسلم امام الذي يعكر حياته المعيشية... وذات مرة يتعرف الممرض رضوان على ام خوشابا العانس بعد ترك أهلها.. وهنا حالفه الحظه وسكنته في احدى بيوتها، وبعد ذلك بدأ كل منهما بسرد حكاياته وأهاته ومعاناته لبعضهما، وعن طريق أم خوشابا تعرف رضوان على الدكتور فتاح الذي وظفه في المشفى نتيجة خبرته وحنكته في مجال الاسعاف وضرب الأبر على المؤخرات..

يرى الممرض رضوان بأن للنشوة لغز كما ذكر الكاتب في روايته ( فنشوة الدكتور فتاح تماثل نشوة العقيد علاوي تروي بشهوة المال، ونشوة كريزو كمنت في سرد القصص، ونشوة أبي كمنت في الصمت، ونشوة أم خوشابا كمنت في الانتقام من الماضي) .

تترسخ لدى رضوان قناعات وتظهر لديه آراء تجاه عالمه الخارجي، مثل (إن الحياة متاهة، يبدو أن المستقبل كالماضي، غابة من الرعب لاغير ).

كما يتحدث الكاتب عن شخصية المجنون شفكارو وكيفية إقناع والده وعائلته الفقيرة من قبل محمود المخدر وطاقم المشفى بأنهم سيديرون أمور شفكارو ويعطونه المال لقاء اخذ كلية واحدة منه واعطائه لشخص معروف ومهم وغني في المدينة.

وأيضا ترد في الرواية شخصية روناك المكبوتة جنسياً، وتحب أن تكون حرة وتمارس نشوتها الجنسية في فضاء خاص بها، ومن جانب آخر تعيش روناك حزناً كبيراً بسبب تصرف والدها بإقناعها الزواح من شخص غني وخارج الوطن.

يمكنني القول إن رواية "إبرة الرعب" تعكس عالماً واقعياً عشناه، سواء كان ظاهراً أو مخفياً، لكنها تسلط الضوء على معاناة مجتمع خارج دائرة التحول والتجديد، تسيطر علىه الأوهام والخوف.

المصدر: رامينا نيوز

  • هذه قراءة انطباعية وليست نقدية لي، أردت أن أشاركها وإياكم! في الرواية شخصيات عديدة تعاني من إشكاليات نفسية، لا تستطيع الفرار منها، بعضها تلجأ إلى الانتقام، والبعض الآخر يعاني بصمت.

0 تعليقات

اترك تعليقاً

الحقول المطلوبة محددة (*).

مواضيع أخرى ربما تعجبكم