منال عبد الأحد

تدور أحداث رواية "لعبة السعادة – أو الحياة القصيرة لمراد زهير" (منشورات ضفاف – الاختلاف) للكاتب بشير مفتي في الجزائر خلال المرحلة الممتدة بين عامي 1963 و1978، وتتّسم بالتحولات الكبرى في تاريخ البلاد، ما أكسبها رمزية عالمية على صعيد النضال من أجل الحرية.

يسبر الكاتب أغوار ما كان يحصل في كواليس الحكم وقتذاك ملقيًا الضوء على ما حدث من أمور قد تقضّ مضاجع تلك الرومنطيقية الثورية التي أتى من أجلها صديقه الدمشقي إلى الجزائر، حيث اصطدم بواقع مغاير. "لم يدم زمن الفرح الثوري حينما شاهدنا كتيبة من جيش التحرير الوطني تدخل القرية في صبيحة يوم أحد من عام 1965 (...) لكن هذا ما حدث وجعلني بشكل كبير أمقت هذا الرئيس الجديد بومدين" (ص (27).

في بداية الرواية، يسهب الراوي في الحديث عن الخير والشر وتلك النظرة الخبيثة التي تحفل بمعرفة خبايا الناس، من دون كشف أي من أوراقه أمامهم، إذ يخصص الكاتب لذلك الصفحات الأولى من الرواية.

يتلقّى مراد زاهر، الطفل القروي البسيط الفقير المتمسّك بأحلامه الدراسية التي يسير من أجلها كل يوم ذهابًا وإيابًا إلى مدرسة البلدية القريبة بعدما أنهى المرحلة الابتدائية في قريته "مطمورة"، خبر وفاة أمه بصدمة. يخلّف الخبر وقع الصاعقة عليه، فتخور قواه وتضعف عزيمته، هو الذي كان فخورًا بوالديه الطيبين.

تسير أحداث الرواية على إيقاع واحد إلى أن تقع فاجعة موت الأم، فيأتي خاله الذي لم يعرفه يومًا، ليمدّ له يد العون، ويضع كل إمكاناته في تصرفه لإكمال دراسته. تبدو أحداث الرواية هنا عادية جدًا، إلى أن ينتقل مراد للعيش في فيلا خاله الكبيرة في العاصمة الجزائر تاركًا والده المتمسّك بأرضه وحيدًا.

يسخّر الكاتب يوميات مراد في فيلا خاله والأوقات التي يمضيها في الجامعة مع شلّة من المثقفين الذين صادقهم، ومنهم الدمشقي، ليغوص في تصوير الحالة السياسية والاجتماعية في الجزائر. لكنّ خطّ سير حياة مراد ينقلب فجأة حين تحمل ابنة خاله الصغيرة المدللة نور من ابن أحد الرجال النافذين المعادين لوالدها، فيضطر بأمر من خاله أن يتزوجها صوريًا وينسب ابنها إليه.

حافظ الكاتب على الصورة المنمقة لبطله حتى وقع الصدام المصيري بعدما اكتشف  مراد، الذي كانت له حياته الخاصة مع حبيبته نريمان، "خيانة" نور حين راحت تراسل "ميمي"، حبّها الأول الذي هجرها إلى نيويورك.

تأتي الصفعة التي أصاب بها مراد وجه نور لتشعل تلك المصارحة بينه وبين خاله فيتبين  بما لا يقبل الشك أنّه قد أعده ليكون واحدًا من رجاله، لا ليتخطى المحظور حين يخيّره بينه وبين ابنته المدللة نور.

تلك المفاضلة بين الخير والشر وحتمية الاختيار تعود لتظهر في نهاية الرواية حين يفتح  الكاتب الاحتمالات الكثيرة ويضع سيناريوين مختلفين للصدام الذي حدث بين مراد ونريمان، بعدما عرفت بزواجه من نور. ليضع الكاتب القارئ أمام احتمالين لا ثالث لهما يترك معهما مساحة للاستنتاج والتحليل، فإما أن يقتل مراد نريمان بأن يحضنها من الخلف ويخنقها وإما أن تثور ثائرتها بعد أن عرفت بزواجه من نور فتذبحه هي بطعنة سكين.

يتوغل الكاتب أكثر في البعد السياسي للرواية على لسان بطله (الراوي) مراد، فيرسم بانوراما تلك المرحلة من خلال موقعه في منزل خاله صاحب السلطة والنفوذ والمقرّب من الزعيم شخصيًا. يشير إلى أن خاله وقف مع بومدين ضد بن بلة، مؤكّدًا أنه لم يجرؤ يومًا على سؤاله عن سبب خياره هذا، ليتضح في ما بعد أن الخال كان من صفوف القيادات التي تسلّقت على أكتاف الثورة وجعلت منها مطيّة لتحقيق المغانم والمكاسب، فتعيش ببذخ وثراء في عزّ الدولة الاشتراكية. ويمعن الكاتب في إظهار موقف سياسي واضح من المرحلة على لسان مراد، "ولم أتمادَ طبعًا في أسئلتي المحرجة آنذاك لأنني عرفت أن بومدين كان يقيم في وجدة ويتزعم جيشًا لم يطلق رصاصة واحدة" (ص 35)، ومع ذلك عرف بومدين وفقًا للراوي أن يكسب الشباب لصفه بأن أمن لهم مجانية التعليم وعزز ثقتهم بالمستقبل، ولكن بقيت للمثقفين والمناضلين رؤيتهم المغايرة،  فكانوا على بينة بخبايا الأمور وراحوا يثورون، على غم كل التشدّد الذي شاب تلك المرحلة من تاريخ الجزائر.

*نشرتها جريدة "الحياة" اللندنية بتاريخ 18 آذار / مارس 2017.

0 تعليقات

اترك تعليقاً

الحقول المطلوبة محددة (*).

مواضيع أخرى ربما تعجبكم