أحمد العربي

سعود السنعوسي؛ روائي كويتي متميز، عرفناه برواية ساق البامبو الفائزة بجائزة البوكر 2013، وفئران أمي حصّة(*)، وكان له من قبل رواية سجين المرايا الصادرة عن الدار العربية للعلوم ناشرون في 2011، والفائزة بجائزة ليلى العثمان لرواية الشباب 2010.

 تبدأ رواية سجين المرايا بتقرير الطبيب النفسي غازي يوسف عن حالة مريضه عبد العزيز داوود العبد العزيز، يخبره به أنه ليس مريضاً، وأنه يقترح عليه أن يكتب حكايته ليتحررَ من ماضيه، وينتصر لمستقبله.

عبد العزيز يأخذ بنصيحة طبيبه ويبدأ بسرد حكايته:

هو شاب كويتي في العشرينيات من عمره، يعيش وحيداً، تسكنه حالةٌ من الوحدة المُزمنة والحزنِ العميق، جعلته منعزلاً عن الواقع بأكمله، بعد ما مرّ بتجارب قاسية في حياته، حيث افتقد والده أولاً ؛ والده الذي لم يكن إنساناً عادياً؛ إنه أحد رجال المقاومة الكويتية للاحتلال العراقي للكويت، والذي قبضت عليه السلطات العراقية على الحدود بين الكويت والسعودية، حيث كان يود أن ينقل عائلته، ويعود هو للمقاومة، لكنهم يقبضون عليه ويعدمونه أمام ابنه عبد العزيز وزوجته، وهذا ما أثر على عبد العزيز كثيراً، وهو الطفل ابن الثماني سنوات، وبقي وحيد أمه، وبقيت هي كل شيء في حياته، حتى ماتت بعد سنوات، ويعيش عبد العزيز وحيدا يجتر أحزانه ويأسه من الحياة بعد فقده والديه.

 يعمل عبد العزيز في إحدى المؤسسات ليؤمّنَ لقمة عيشه، ويقضي وقته بالقراءة وسماع الموسيقى، والذهاب إلى السينما أحيانا. وتبدأ حياته بالتغيّر عندما يجد هاتفاً منسياً في قاعة السينما، يأخذه، وتتصل به صاحبته بعد وقت، وعرف اسمها ريم، واتفقا على كيفية إعادة الهاتف لها، سيقع في جاذبية صوتها، لكنه يعجز عن التعبير عن نفسه، وسيعطي الهاتف لوالدها الذي سيحترمه وخاصة بعد أن عرف أنه ابن الشهيد، وكان أبوها من رفاقه أيام المقاومة. وتبدأ ريم بإرسال رسائل له عبر الجوال، ومن بعد يتحدثان، وبعد ذلك يلتقيان، وليعيش عبد العزيز مشاعر حب يعجز عن توضيحها لريم، وريم تصبر عليه وتدفعه للخروج من عزلته، والتحرر من حزنه، وهو عاجز عن تجاوز حالته، رغم أن هذا الحب كان بالنسبة له؛ الضوءَ الوحيد في ظلمة حياته، ولكنه سيعجز عن التقدم من ريم أكثر، تزوره في منزله ويعجز، ويتعفف عن الاقتراب منها جسدياً، ويعدها ويعد نفسه أن يبني معها حياة زوجية رائعة، لكنها تتركه دون إيضاح ، سيعاني كثيرا ويعود اكتئابُه إليه ، لكن حبها لا يتركه، لذلك قرر أن يغادر إلى بريطانيا، حيث يقضي وقتا يريح نفسه، ويتعلم الإنكليزية أكثر، ليصبح مثلها ، كما أنه سيحب كل هواياتها لتعود اليه. في بريطانيا يسكن مع امرأة في منزلها، وجارته شابة انكليزية، سيعيش تجربة تعيد تطوير فهمه للحياة، فالمرأة وحيدة، وزوجها متوفى، وابنها لا يزورها، وتعيش مع كلبها، وتؤجر غرفتين من منزلها لتعيش، هي سعيدة، حيث تأخذ من الحياة ما تعطيها وتتكيف، وفي الغرفة الثانية تعيش فتاة انكليزية، تعمل نادلة، لا أهل لها، ولا تعرفهم أصلاً، ولا منزل، مع ذلك تعيش، وتجد لنفسها ما تسعد به ومعه، وكذلك ذلك الرجل الذي جعل من منزلة جنة للزنابق وخلق لنفسه وغيره فرصة للسعادة…. تعلم عبد العزيز الكثير في سفرته الى بريطانيا، واكتشف أن عنده الكثير قياسا بغيره، وأنه يستطيع أن يعيش حياة سعيدة مع ريم عندما يعود. حيث قرر أن يعبر عن نفسه، ويغادر اكتئابه، ويصارحها بحبه؛ وأنه سيبني معها حياة جميلة، سيعتز بوالده، فقد قام بدوره، وسيبقى يذكر أمه بالخير، سينقد ما يراه من أخطاء اجتماعية، ويقوم هو بالصحيح قدر طاقته.

يعود ليلتقي بحبيبته، لكنه لن يجدها كما كان يتمنى، فهي أخفت عنه اسمها الحقيقي، وكانت تحب قبله ومعه شاباً آخر، لم تستطع أن تكون له، كما أنها لم تتخل عنه، وعند ساعة الحقيقة التحقت بالآخر لأنه كان قد أخذ عذريتها قبل التعرف إليه، أصيب بخيبة جديدة، لكنها لم تستطع أن تعيده لماضي وحدته وحزنه. سيلتقي بالطبيب النفسي الذي يتبناه ويساعده على أن يتجاوز محنته، وينصحه أن يكتب حكايته ليتحرر من أعباء معاناته كلّها. وهكذا حصل..

ختاماً نقول: مع أنها الرواية الأولى لسعود السنعوسي، لكنّه أبدع في أسلوب السرد، والربط بين العام والخاص، وتطور الشخصيات، ونجح بإعطائنا مؤشرات ضمنية للقارئ، تجعلها رواية ذات مهمات إنسانية: الوعي، الدور الايجابي في الحياة، الحب، التعلّم من الآخرين، التكيف مع شروط الحياة، واكتشاف الأفضل دوماً، والعمل له…

                                      ***************

  • نشرت "الرواية نت" خلال عامي 2016/ 2017 عن روايتي ساق البامبو، وفئران أمّي حصّة.

0 تعليقات

اترك تعليقاً

الحقول المطلوبة محددة (*).

مواضيع أخرى ربما تعجبكم