رياض عمري

منية الشقري محور الحكي الغائر في التجريد بطلة من نوع آخر في الروايات تسرد قصتها و قصص أخرى منها القادمة من الهامش إلى العاصمة و منها قصص تملأ بيوت المدينة.
هذا الوجع التونسي يرثه جيل بعد آخر.
تنطلق أحداث الرواية بجملة من الأسئلة حول الكتابة و النشر و كيف السبيل إلى جعل القارئ يتحد مع أنفاس الحكي، كأن تقول له الكاتبة هذه قصص يمكنك أن تكون بطلها بفعل طريقة تجعل من العلاقة بينهما جدلية قائمة على إدخال القارئ في اللعبة الدرامية للقص.

منية الشقري امرأة تونسية تقدم لنا سيرتها متداخلة مع سير عديدة لشخصيات تعيش خرج دائرة اهتمام السياسي لنغرق مع الكاتبة في تفاصيل إجتماعية ثم نفسية وجودية لكل كائن قصصي.
منية الشقري المرأة المتعلمة المثقفة تعيش الاضطهاد النفسي والجنسي من أمها "يزة" وأخيها المعربد "عبد الحميد" اعتاد القارئ على قصص تسرد اضطهاد الرجل للمرأة لكن في مدن كلثوم عياشية الأمر مختلف نكتشف في ثنايا سيرة منية اضطهاد المرأة للمرأة تبرزه علاقتها مع أمها التي تدافع على تصرفات إبنها "حميدها" الشاذة والاستغلال المادي و التحرش الذي يتعامل به مع أخته.
ثم تدخل بنا منية إلى كشف التخلف الجنسي في التعامل مع جسد الرجل و المرأة منذ فترة البلوغ، الجيلاني طفل تقطع خصيتاه بسبب جهل أهله طريقة تطبيبه في اتباع عادة بالية "التشليط" بشفرة حلاقة صدئة. و منية الطفلة الصغيرة تجتاحها الدورة الشهرية تلميذة في المدرسة فتتلقى السب والشتيمة والقساوة من أمها "يزة" عوض العناية بها وتفسير الظاهرة الجسدية التي اعترتها مبكرا.
لتغرق بعد ذلك في تناقضات الروح و الجسد هذا المهمل المتروك كم يتسبب في آلام نفسية وعدم قدرة على التواصل مع الآخر داخل الأسر وفي الفضاءات الخارجية.
"الجيلاني" و "منية" خلاصة الطفولة والمراهقة الفاشلة في مجتمع يخدم التقاليد البالية والخرافة أكثر مما يخدم العلم والمعرفة والإنسان.

مدن و لاسراويل تدخل بنا إلى الصراع القائم بين الكاتب ونشر نصوصه فلذة كبده، أبناءه ومصائرهم.
ما فائدة أن ترى هذه النصوص والقصص النور لتقبع في نهاية رحلتها فوق الرفوف و الغبار؟
كأني بالكاتبة تخط قصصها في يأس كبير من تداولها بين أيادي القراء، دليل على وعيها بأزمة النفور والابتعاد عن الكتاب .

خديجة جدة منية كم أحببتها تسرد قصص في ظاهرها غير متماسكة في باطنها عجوز تجيد فن الحكي وتحبك القصة و الخرافة دقة في التصوير والاكتمال. هنا ربما انتصر الشفوي عن المكتوب في إشارة ذكية من الكاتبة عن روعة روايات لم تكتب جديرة بأن تقرأ.

مدن ولاسراويل لغة فصحى تتناثر داخلها عامية تونسية خاصة من خلال أمثلة شعبية تدل على مستوى ودرجات وعي و تفكير مجتمع ما.

0 تعليقات

اترك تعليقاً

الحقول المطلوبة محددة (*).

مواضيع أخرى ربما تعجبكم