يقرر الروائي ماجد سليمان في منجزه الروائي الموسوم بـ"دم يترقرق بين العمائم واللحى " بما لا يدع مجالا للشك أن عمله الضخم يعد بمثابة عمل ملحمي صارخ في وجه البؤس والظلم هو يستحق أن يكون عملا فنيا رسم بكل براعة واقتدار ومنسوجا بموضوعية تامة مبنى ومعنى. فحين نأتي عليه نصبح بين خيار أن نكون طرفا في الرواية أو ضدها ..! هذه الجدلية الواسعة خلقت المزيد من الأجواء المشحونة بالرغبة في الوصول إلى عقدة الرواية وتشابكها عبر الأطر التاريخية وربما المدارس "العدمية "التي تنزع إلى رفض كافة الأنساق السلطوية، بعيدا عن المشاعية اللفظية البدائية التي تسعى إلى تفكيك العمل وغربلته مع ماسواه من أعمال مثلما هو موجود في الروايات الجاهزة. وفي كل فصل نستعيد معه خط سير الأحداث حتى نصطدم بصلب الإشكالية النظرية لمبحث نظرياته التواصلية بما هو رد فلسفي عمقوي دون تأويل ، ناقلا إيانا من العالم اللامرئي إلى المرئي إلى أن وصل بنا في نهاية الرواية إلى التأسيس النهائي للعقل عبر المبحث الذي يحمل تراتبية سيميائية مقترنة بطريقة التفكير مثل : ويؤشر بسبابته اليمنى ذات الأنملة المبتورة إلى قصر الملك ، ويردد بصوت تطحنه الربكة: "اسجدوا للحجر اسجدوا للحجر".. لقد كانت هذه خدعة غير مزعجة للقارئ ولجنا من خلالها إلى عالم التساؤلات ليتضح بعد حين وقبل ختام الرواية ما انتهى إليه مجنون مينار من واقع تعزير الملك له حتى أصبح فاقدا لعقله ليأتي في الفصل السابع عشر بقرينة سفهه تلك بما معناه : أن أمه كانت قد أجلسته على زل بعدما جعلت جسده يعتليه الطحين الأبيض لتهب ابنها نبوءة خارقة ما جعل الأمر يأخذ طريقه إلى الغيرة في قلب ملك مينار بصب الماء على جمجمته مقيدا على صخرة بيضاء الأمر الذي أعاد لنا تيار الوعي من واقع أن غازي القصيبي تماهى مع تلك الفكرة كما ذكر في رائعته "العصفورية" إذ دبت الغيرة بين الرافعي والطهطاوي والمتنبي وسيف الدولة الحمداني تناول ذلك بأسلوب ساخر ضاحك . يأخذ الكاتب ماجد سليمان من الواقع العربي المزعج من كل طرف، ما يجعلنا نخلص إلى أن الرواية تحمل عنوانا كان يمكن أن يكون " العدالة " قلت ذلك تجاوزا كما أسميتها "الجريمة والعقاب في نسختها العربية" لتأتي النهايات الطبيعية للجماعات المتجبرة بسقوط الرمز : " كل يقسم بحز رأسه حتى انفصل من بين الفرقتين ... ثم توزعوا بعدها يكسبون من قصره كل باهظ وثمين .." وربما خلص الروائي إلى هذه النتيجة الغير مفتوحة ما يعني أن ليس ثمة جزءا آخر رديف إذا كانت الرواية تنتهي إلى موت الملك .

إشارة: دم يترقرق بين العمائم واللحى مؤسسة الانتشار العربي، بيروت 192 صفحة من القطع المتوسط سنة الصدور: 2013م

الرواية نت

0 تعليقات

اترك تعليقاً

الحقول المطلوبة محددة (*).

مواضيع أخرى ربما تعجبكم