تتحدث الروائية السورية لينا هويان الحسن في روايتها "ألماس ونساء" * عن ألماظ ابنة تاجر السجاد الدمشقي وحفيدة بابور الهندوسية التي أورثتها البشرة السمراء وقدمت لها ألماسة زرقاء كانت عيناً للإله فيشنو كهدية لحفيدتها يوم زواجها من الكونت اللبناني كرم الخوري المقيم بباريس الذي كان بالخمسين بينما ألماظ الفتاة المسيحية لم تتجاوز الخامسة عشر.. وبعد زواجهما تتركه وتقطع الأطلسي مع عشيقها إلى ساو باولو ثم تعود إلى زوجها وتنجب منه ابنها كارلوس الذي يتابع حياة أمه وماستها الزرقاء في اتجاه البرازيل ولكن لم يعرف كارلوس قط أن ثمة ماسة من البرلنت المشوب بزرقة شاحبة كانت ضمن مجوهرات الملكة نازلي والتي ستعرض لاحقاً في متحف للمجوهرات الملكية بالقاهرة وسيمر الزوار يتأملون ذلك اللمعان المؤطر بالزجاج.. لمعاناً يشبه بريقاً لنجمة لا حد لها.. بريقاً يليق أن يبزغ من عين إله.. بريقاً جاء من باطن الأرض؟؟ من العتمة من مكان لا شمس فيه.. لهذا تعلم كيف يكون هو الشمس. أما الجزء الثاني من الرواية فيتحدث عن برلنت الفتاة الدمشقية التي بدأت حياتها باسم برلنت وسميت فيما بعد لطفيه لكنها كرهت هذا الاسم إذ كانت تكره الأسماء التدجينية. أسماء مسمولة العينين اخترعها ذكور الشرق بخبث من يعرف مفعول الأسماء ليظل الرجل ممسكاً بيد الأنثى. أسماء قادرة على تطهيرها من احتمالات التمرد والأسئلة والفضول. ومن الشخصيات المميزة رومية خانم المسلمة التي أحبت اليهودي يوسف زيلخا وهربت معه وتزوجته في ساو باولو. ومن قطع تلك الفسيفساء الكردي بوتان حفيد أشهر أمراء الأكراد الذي يغادر دمشق لإكمال حلمه ومن أهم المراحل التي أضاءتها تلك الرواية دخول الفرنسيين العاصمة دمشق وذلك عن طريق الصحفية الفرنسية أليس والتي تعرفت عليها ألماظ ونقلت تلك الصحفية بدقة ممارسات الفرنسيين الهمجية في سورية في عشرينيات القرن الماضي وتحدثت عن المفوض المسيو دو جوفينل الذي كان يتغنى بالاستقلال ويرفض منحه لسورية. ومن ثم انتقلت بنا الكاتبة إلى الجالية العربية في البرازيل في مدينة ساو باولو حيث اطلعنا عن قرب عن حياة هؤلاء الدمشقيين هناك والذين استطاعوا نقل بلدهم وعاداتهم وتقاليدهم حتى اختلافاتهم إلى بلاد المهجر تمتاز هذه الرواية ببعدين: البعد الزماني والذي يمتد من أوائل القرن الماضي حتى الثمانينات منه. والبعد المكاني والذي يمتد على ثلاث قارات من دمشق إلى باريس إلى البرازيل والأرجنتين ولكن بطلة هذين البعدين هي المدينة دمشق بلا منازع، تلتقي كل الشخوص في أزقتها حيث تسحرنا بتنوعها الاجتماعي والديني الآسر، إذ تلتقي الديانات الثلاث وتمتزج كقطعة قماش رائعة من البروكار الدمشقي الذي ارتدت منه ملكة انكلترة إليزابيث في زفافها الدامسكو الذي يحمل اسماً شاسعاً متكبراً مترفعاً أطلقه النساجون على نقشة سموها "دامسكو السبع ملوك". لعلّ أكثر ما يميز هذه الرواية دور المرأة الدمشقية فيها إذ نراها مستقلة متمردة صاحبة قرار تناضل من أجل حبها وتتبع الأزياء والموضة الباريسية، على عكس ما يشاع عنها في تلك الفترة، وقد اعتمدت الكاتبة في هذا على الوثائق والصحف الموجودة بأرشيف مكتبة دمشق. كما اعتمدت الكاتبة أسلوب السرد التاريخي وكثرة الشخصيات فاقتربت من أسلوب ماركيز والليندي ولكنها استطاعت أن تصل بنا إلى فكرة أن دمشق تلك العاصمة الموغلة بالعراقة تبقى حية في نفس كل من يسكنها.. يحملها معه أينما ذهب وهاجر.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــ الرواية صادرة عن دار الآداب للنشر والتوزيع عام 2014 ودخلت في القائمة النهائية القصيرة للجائزة العالمية للرواية العربية لعام 2015 وهي النسخة العربية لجائزة البوكر البريطانية للرواية.

0 تعليقات

اترك تعليقاً

الحقول المطلوبة محددة (*).

مواضيع أخرى ربما تعجبكم