في رواية مصطفى بوغازي – رماد الذاكرة المنسية – التي شرفني بوضع كلمات بسيطة لتقديمها أجدني أختصر المسافة في منعرجات ثلاثة : الرواية والقارئ : الرواية نقل لواقع بريشة مبدع يجعل بين مسامات الواقع لونا جذابا ، فيكون لحضوره ظلال نظرة استحسان ، أو قفزة رفض و تلميح بالبديل ، وقد تكون صمتا ، وأمانة في ايصال معاش بيد أكثر جاذبية و ليونة .وللكاتب أن يكون بارعا في عدم ظهور علني حتى لا يفسد العمل الروائي بمباشرة وخطابية . وقراء العمل الروائي ثلاثة : قارئ عاد لا تتعدى غايته التمتع بمحتوى الرواية ، وتتبع أحداثها و شخصياتها مستأنسا بتشويقاتها، وانتظار الوصول ، و هو لا يبالي بما دون ذلك من بناء و لغة و توجهات ، ولا يهمه ألوان ودروب الكاتب . وقارئ قصده محاكمة الكاتب ، وإخضاعه لميزانه و ميولاته الخاصة ، فيرفعه الى مصاف رضاه متى جاراه في قناعاته الدينية أو المذهبية أو غيرها ، وهو عنده الكاتب النموذج ، و قد يعدمه ، و يهوي به متى خالف ذلك ، و يقتنص الفرصة ولو كانت لقطة من أحد شخصياته ، والعمل الروائي كما نعرف مدينة كبيرة يسكنها بشر فيهم السوي و المنحرف ، و العفيف و السخيف ، و الكريم و اللئيم ، و المتشدد و المتفتح و هكذا،و مثل هذا القارئ ليس أهلا بأن يقترب من كل عمل أدبي فني ما دام يفتقر الى مقومات القارئ . أما الثالث فهو ذاك الذي يسقي العمل باهتمام وفهم ودراية بما يجب و نحن أمام هرم ابداعي ، فنعدد القراءات من عادية و رمزية وما للعمل من أبعاد تتعدى سطحية ما يبدو ، و نلتفت الى تعبير و لغة و مهارة الكاتب ، والى أفقه و حجمه و ثقافته و الحرية التي أتاحها لنفسه ، ونرفع عنه المراقبة البدائية ،و المحاكمة التي تشبه من أراد قص جبل بمقص أوراق ... و نسبح مع الروائي في بحره، ونتجول وأياه في مدينته بكل محبة ، و نحاوره وننقده بطريق حضارية .

مصطفى بوغازي : لمن لا يعرفه هو صورة ودرب ، ولي السبق أو لي الشرف أن أكون أعرفه قبل وأكثر من أي انسان آخر، أول مرة عرفته كان بثوب الرسام و الريشة وبقية الولوج ، و لكن الكلمة كانت تستهويه ، و لم يكن ليحبو ثم يمشي ثم يجري ، بل هو لم يمر بمرحلة الحبو ، مشى مباشرة في طريق الكتابة ، لم يكن يكن يمد يديه للمساعدة ، بل توازنه أملى عليه أن يكون من كتاب الموقف ، و من الأقلام التي تسبح ولا تغرق ، وحين تمشي تحلق .يكتب بعقله قبل أن يشكل بقلبه ، والأدب الذي لا يرتكز على فكرة و موقف ليست له جذور . رماد الذاكرة المنسية: فكرة الرواية أراها تشكل جزءا لا يستهان به من قيمة الرواية التي نحن بصدد تقديمها دون أن نكشف عن وجهها ، بل ترك ذاك للقارئ ، و لا نحرمه من متعة الوصول الى هدفه .ولكن لا بأس من الذهاب بعيدا ، ومحاولة استشفاف ظلال الأحداث . تحاول الرواية في وجهها الآخر المسك بواقع في الجزائر خاصة و العالم العربي عامة هو محاكمة الوفاء و الإخلاص و التضحية ، والإقتصاص من هذا بسيادة العبثية واللاأخلاق و الخيانة وبتواطؤ وتسخير الدين والقانون و العرف لتحقيق الهدف ، و صور هذا كثيرة في مسا حة تاريخنا الممتد عبر أزمنة وأحقاب .. في جانب انساني نحيا تصادمات ، واهتزازات ، ليكون المصب في نهاية ماكانت لتكون ، و لكن الكاتب لا يستطيع الهروب من واقع أملى عليه النهاية التي يقف أمامها القارئ و المتتبع بين الرضى و الحيرة متأرجحا ، و لكن المبررات لا تترك للحركة و التتابع مجالا . في تجسيد هذا العمل الروائي بدت لي ملاحظات وأنا أتتبع خطوات كاتبنا : - لم يبد لي أنه واجه صعوبة في بلورة فكرته في هذا العمل ، بل ظهر أنه يتحرك دون مشقة ، و بتمكن من تقنيات هذا الفن الى حد مقبول ، خاصة اذا علمنا أنها الرواية الأولى للكاتب ... وكم كاتب حقق في عمله الأول أفضل بكثير من صاحب أعمال كثيرة ، و كنبوءة أرى أن بوادر نجاح كثيرة للكاتب في مستقبل ما سيكتب . - عند كتاب الرواية نجد من يهتم بالفكرة و الأحداث و يهمل الجانب التعبيري و اللغة ، فيسقط في السطحية و الابتذال ، و هناك ، من يركز على جانب اللغة و التعبير ، و يهمل الجانب الآخر ..ولكن الناجح من مسك الاثنين ، فلكل مشروب كوب يليق به ...والكانب الذي يخشى اللغة لا يذهب بعيدا في عمله . - في – رماد الذاكرة المنسية – أستطيع أن أضع الكاتب في الصنف الثالث ، حيث نجح في تخطي حاجز اللغة ، وحافظ على مستوى اللغة راقيا في كامل أطوار االرواية ، وكان قاموسه يميل الى الجمالية الشعرية . - خلاصة القول هي رواية تغطي مساحة من الزمن الوطني و أحداثه ،و تتناول هذا بقدرة وتمكن ، وهي في حاجة الى قراءات متعددة قد تكون بعد صدور ها.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

مقدّمة رواية رماد الذارة المنسية التي صدرت عن دار الوطن 2016م.

الرواية نت

0 تعليقات

اترك تعليقاً

الحقول المطلوبة محددة (*).

مواضيع أخرى ربما تعجبكم