سعد الخبايا، شخصية بسيطة غير مركبة.. خرجت من ماضيها المكبل بالقيود لتبوح بمكنونات الأرض وخبايا همومها وأزماتها الذاتية، بما تكتنز من حكايات وأساطير مثلت بالنسبة له بوابة للتغيير إلى الأفضل. عانى هذا السعد من اليتم منذ صغره فتكفل به خاله الذي شدد عليه الرقابة كي يصنع منه رجلاً،بينما أحس سعد بقيود خاله حينما استشعر الغبن في رغبة الأخير بتزويجه ابنته مستقبلاً خلافاً لرغبته.. وكان سعد في صغره منطويا على نفسه.. لكنه أيضاً كان يختلق المشاكل مع أقرانه لتحقيق ذاته؛ ليجد نفسه أخيراً دون نصير فيلوذ إلى أميرة يافا "نيرموندا".. فيتخيلها وهي تتخلص من كل قيود الأسر لتحمي يافا! وكأنها دعوة له كي يحقق ذاته المكسورة الخاطر.. لذلك كان يجد نفسه في حكايات الجدات التي عززت من طاقاته الكامنة وخاصة نيرموندا كونها حمت يافا في العهد الكنعاني من التنين المدفوع من الغزاة. وبعد أن شب سعد لبث قابعاً مكانه في هامش مدينة عالمية كيافا دون أن يصبح شيئاً؛ لينتهي به الحال شحاذاً للسكاكين والأدوات الحادة يجوب بآلته حواري يافا وأزقتها حاملاً على ظهره آلة الجلخ الخشبية.. لكنه مقابل ذلك كان يستشعر دائماً في قرارة نفسه بحجم ذلك البركان الذي يتنفس في أعماقه المليئة بالأسئلة.. كأنه يخفي فيها خبايا ثورته الكامنة ضد الخوف الذي جرده من قراره ودفعه إلى زاوية الاستسلام الطوعي لأوامر الآخرين التي يجب أن تطاع.. ثم التحول إلى الدفاع عن يافا متحرراً من القيود ذاتها التي كبلت معصمي أميرتها الكنعانية "نيرموندا" التي نمت في رأسه من خلال حكايات البحارة.. كأنه ذات العدو الذي جرده من أرضه وبدد أحلامه في السراب.. كان ذلك حينما أنهى سعد الخبايا وهو يقف في ظل سبيل سليمان خلف جامع أبو نبوت، جلخ السكين لطفلة مجهولة ادعت بأن أباها يريد ذبحها بها. ولوجه الشبه بينها وبين معشوقته بلقيس التي خرجت إليه من خبايا ذاكرته راح يبحث عنهما.. والغريب ان الطفلة المجهولة أخرجت كل خبايا سعد من يباب ذاكرته؛ ليزهر ربيعه في أكمة تتواصل براعمها مع زهرة النور، التي أضاءت نهار يافا، وحررت أميرتها من الأغلال.. لتمد سعد بطاقة التصدي وتحقيق الذات.. وينغمس بالتالي مع هموم يافا عروس فلسطين. فيحتفظ سعد في ذاكرته المكانية معالم أنثى اسمها يافا، مستشعراً أنفاس الغزاة الصهاينة الذين سيغتصبونها ويسحبون البساط من تحت أقدام شعبها المغبون.. من هنا، وخلال رحلته في اقتفاء أثر الطفلة المجهولة باحثاً عن سر الأب الذي سيذبح أبناءه! في حواري وسكنات يافا، يستجلب من ذاكرته القريبة شخصية اليهودي داود الملقب بالوقواق (نظراً لاهتمامه بهذا الطائر الذي لا يبيض إلا في أعشاش غيره من الطيور الداجنة؛ حتى تحتل زغاليله تلك الأعشاش بمكر المعتدي)؛ فينتزع عنه قناع الحمل الوديع؛ ليتحول في وضح النهار إلى ذئب يتربص بيافا وأهلها.. هذا الشيطان الفاوستي الذي كان ذات يوم ولي نعمة سعد وهما في أوج العلاقة الطيبة ليغذي عقل سعد بالشك حتى من الذات! وخاصة ما كان يقوله بحق معشوقته بلقيس في أنها زوجة خائنة لرئيس البحارة الذي أهانه ذات أمام البحارة في الميناء.. ربما بدأ الشك يساور سعد منذ هذه الحادثة فجعل يصدق حدسه متلمساً معالم الطريق إلى حقيقة داود، ليكتشف أخيراً في ذروة الأحداث بأن داود ما هو إلا عميل للعصابات الصهيونية! وما طيبته إلا قناعاً يتسلل من خلاله إلى قلوب الغافلين؛ فانبرى يتصدى له،رغم أن النتيجة كانت وخيمة بسقوط سعد في براثن داود الملوثة بدماء الأبرياء.. حين لفق الأخير له ثلاث تهم مترابطة الأسباب، وهي: مقتل خطاف الذي اكتشف أسرار الهجرة السرية ليافا.. وتهمة إشعال النيران بمزرعة طيور الوقواق لتتحول هذه الطيور إلى قذائف مشتعلة تطايرت في الأرجاء، ما جعل النيران المضرمة تأتي على الهشيم في لحظات..وأخيراً مقتل الغجرية العرافة التي تنبأت بمصير داود.. ولأن داود كان شديد الإيمان بالأحلام؛ لذلك أرعبه أن يرى سعد في منامه بأن طيور الوقواق ستقدد لحمه بعد أن يصلب على ساق شجرة يابسة.. لذلك صفى داود خصومه بالقتل وعلق جرائمه في عنق سعد الخبايا.. وخلال عملية البحث يتعرف سعد بشقيق ماهر الذي افترض بأن الطفلة قد تكون ابنة شقيقه الأرعن خطاف، والشيخ رضوان المناضل في الحركات الإسلامية، والأستاذ كنعان أحد القادة السياسيين للمدينة حيث كان ينسق مع رجل الأعمال المسيحي الباشا بطرس في عملية استقطاب سعد لينخرط في المقاومة المسلحة، فيجد الأخير نفسه بعد أن أصبح مطلوباً من قبل الإنجليز شريكاً في عملية اختطاف السفينة هيرتزل التي كانت تقل على متنها مهاجرين يهود غير شرعيين.. فيتم بذلك توجيه ضربة قاسية لوكالة الهجرة اليهودية التي يعمل معها داود كيهودي صهيوني الولاء.. من هنا تكالبت القرائن لتحاصر سعد في الجرائم الملفقة له.. وبعد انتهاء دوره في عملية الاختطاف يتم إخفاء سعد الخبايا في مزرعة نحل يمتلكها أحد أصدقاء الباشا ليحظى باكتشاف عظيم قلب مصير حياته! وتحديداً تلك المفاجأة التي ألجمت عقله وفتحت قلبه على كافة الاحتمالات.. إنها بلقيس التي بحث عنها دائماً.. كانت على رأس قائمة المطلوبين المختبئين في المزرعة؛ فعاشا أجمل اللحظات وتواعدا على الزواج ليكتشف في سياق ذلك أن الطفلة المجهولة التي يبحث عنها هي ذاتها عبير الابنة من زوجها الأول.. الذي تآمر مع داود بغرس فكرة أن زوج أمها خطاف يريد قتلها بالسكين حتى يشعر الأخير بالضياع فتتراكم الأسباب التي توحي بأن سعد هو قاتله.. وخاصة أنهما تشاجرا في الميناء وتبادلا التهديد.. فيما قام القاتل الحقيقي الملثم بنطق اسم سعد في سياق المشاجرة التي جرحت خطاف.. فقدم شكوى بحقه.. لكنه يقتل أخيراً فتظل الأسباب تطوق سعد الخبايا البريء.. لتأخذنا الأحداث آخر المطاف إلى القرار الذي اتخذه العاشقان بمقاومة المحتل.. وقتل داود.. فيسقط سعد الخبايا قتيلاً وهو يذود عن حواري يافا التي استفرد بها الغزاة، فتكتشف جثته وهي مسجاة على صخرة نيرموندا.. كأنه غافياً على صدر أميرة يافا .. يتنفسان معاً.. في لقاء بين عاشقين ماتا في سبيل مدينة ظلت حاضرة في ذاكرة لا تبور.. بينما تقترب منهما قوارب العصابات الصهيونية كأنها العقبان.

0 تعليقات

اترك تعليقاً

الحقول المطلوبة محددة (*).

مواضيع أخرى ربما تعجبكم