في روايته التاريخية «سيّيرا دي مويرتي» الصادرة عن رابطة الفكر والإبداع بالوادي، بالجزائر في 2015، وهي الرواية الفائزة بجائزة المعرض الدولي للكتاب، يستحضر الروائي «عبد الوهاب عيساوي» حياة معتقلي الحرب الإسبانية الأهلية (1936ـ 1939) بين القوميين والجمهوريين، الذين تم جلبهم إلى معتقل الجلفة جنوب الجزائر العاصمة، بعد هزيمتهم من طرف الجنرال فرانكو، مستلهما كتابات أشهر المعتقلين وشهاداتهم من أشهرهم الكاتب العالمي ماكس أوب، ورجاء غارودي، ومعتقلين من جنسيات وديانات مختلفة « إنّها اللعنة التي أصابتنا وجعلتنا نتقاتل داخل برشلونة متناسين أن فرانكو في كل يوم يقترب، ثم ما لبث أن طردنا منها» [الرواية ص9]، واختار الروائي طريقة فنية في سرد الأحداث بشكل متناوب بين حياة المعتقل، وطريقهم إليه، ليلتقي زمن السرد في وسط الرواية ليستمر عن حياة المعتقلين في الجلفة « إنّها ثلاث سنوات قد مضت على سقوط برشلونة ونحن ما زلنا نجرف الثلج عن سكة الحديد بجلفا» [الرواية ص9] ومواجهة الخيبة والاستغلال وقسوة قائد المعتقل غرافال . ليعيش القارئ حكايتين متكاملتين، حكاية الرحلة نحو المعتقل، وحكاية حياة المعتقل بالتناوب في السرد، عبر لوحات سردية، في 189 صفحة على فصلين، الفصل الأول: بين سييرا و عين الأسرار، والفصل الثاني: بلد المنفى، وشكلت احتكاك البطل مانويل بالسكان والحراس الجزائريين، الوجه الآخر للرواية، ليتشكل نوع من الحوار الحضاري والثقافي محوره قيم الإنسان ـ التي كان منعطفها نجاة البطل مانويل من الإعدام بفضل أحد الفرسان الجزائريين، الحارس بالمعتقل الذي رفض قتل المعتقل لأن ذلك يُنافي أخلاقه وقيمه، « ونظر إلى أصدقائه من الحراس نظرة عتاب، ولكنها كانت أكثر قسوة وهو يرفعها اتجاه غرافال: لسنا نحن الذين نرفع السلاح في وجه الأسير يا سيد غرافال» [الرواية ص184] بما جعل من شخصية «أحمد الصبائحي» تحمل ذلك الوهج القيمي « وارتفعت ربوة عين الأسرار شامخة في وجه الريح... ورأيت الصبائحي يسحب لجام فرسه، وبدا لي يومها مثل نبي، قدم من بادية فديمة، من أجل أن يوقف انهمار الدمار في المدن العارية» [الرواية ص188] وهو موقف إنساني جعله يعيد التأمل في الحياة «أجدني بطريقة أو بأخرى أعود إلى الله، الذي مثلما قال عنه صديقي البولندي: إنّه في الصحراء قريب جدا من البشر» [الرواية ص 133]. « لمـّا كانت الرواية، وعلى غرار بقية الأجناس الأدبية شكلا من أشكال الوعي الإنساني، ووعاء تصب فيه أفكار ورغبات وأحاسيس الإنسان في صراعه مع واقعه ومحيطه»[إبراهيم عباس]، لذلك الإبداع يعمل على تجاوز السياق التاريخي، من خلال نسخته التخييلية للتجربة الذاتية فإنه يمر عبر توظيف التاريخ، علما أن « توظيف التاريخ في النص الروائي عملية ليست بسيطة على الإطلاق، إنها بقدر ما تتطلب من الروائي حذرا علميا، لا تُملي عليه تقديم التاريخ كما تقدمه كتب التاريخ، إن الحذر العلمي يحرك الرواية في إطار تاريخي - اجتماعي رُسم مسبقا، ولكن يجب أن تظل الرواية رواية » [صالح إبراهيم] ليستمر السرد ويترك حكايته مفتوحة بعد مغادرة مانويل المعتقل بفضل جهود زوجته ومساعدة أحد السكان المحليين التاجر «السلمي»، ومع رحيل مانويل وزوجته نحو أمريكا اللاتنية «المكسيك» « أنا وزوجتي باتريسيا نرحل إلى المكسيك، نضيع من أجل الحصول على وطن بديل عن إسبانيا» [الرواية ص189] ويترك أسئلته حول الوطن والمنفى معلقة، مثلما علق حلم العودة.

0 تعليقات

اترك تعليقاً

الحقول المطلوبة محددة (*).

مواضيع أخرى ربما تعجبكم