الحياة حافلة بالانكسارات لكل من يسلكه، وعورة الطريق يؤرق، ولكن لا شيء يبقى سوى إسعاف وادراك الذات لذاتها، ان تنتشل ذاتك من الحفرة الشائكة هو ما قد يبقيك على قيد الحياة.
رواية ذلك الكهل رحلة البحث عن خلاص الروح من براثن الاستعمار الجسدي، رحلة الزهد، إصلاح النفس، معرفة الغاية الأزلية وعدم الخروج عن الجادة، رواية يهدف الراوي لى مناقشة افكار فلسفية، اجتماعية و سياسية، في مكنونه السياسي يصف الراوي حالة غياب الدولة و الانفلات الأمني وأثره السلبي في خلق ظروف اجتماعية عليلة، هي هالة من الفزع لا يعيشه إلا من كان ضحية لى أصحاب ذوي سلطة وقوة عمياء، تبعية الأحزاب ما تنفك ان تفتك بكل بريء، اقتناء غير شرعي للأسلحه سائد بمثابة صورة وضيعة لا أكثر، يشيد الراوي بخطورة الوضع الذي يتفشى ومع تفاقمه لن يكون هنالك مخرج يقذف بهم الى بر الأمان، ضغائن الحرب بمثابة سم فتاك ( يجسده بطل الراوية) قد تجرد الإنسان كل ما يملك، رسم مخطط للمستقبل قد يصبح العدو اللدود، نزعة شعواء في داخله للتخلص من كل مغبات الحياة والسفر بعيدا عن دمامة الواقع نحو عالم لا تطأه اي رذيلة، كل شي قد تبدد.

رواية ينتهج فيه الراوي تعدد الأبطال في سردية الأحداث، وكذلك ظهور شخصيات ثانوية مساعدة، في بداية صفحات الرواية يستهل الراوي (على لسان احد أبطاله) بوصف موجز عن سوق شعبي في مدينة إب السلام، إنه السوق الذي حظى برونق ودفء انسدل الى جوف قلب بطل الرواية، يتنقل الراوي بين ازمنه عامة وخاصة، حيث بعدها يطير بنا الى توثيق تراجيديا قد سببته أحد قوى الطبيعة، زلزال مدينة ذمار المدو (١٩٨٢)، حصد أرواح كثيرة في بضع ثواني، فزع مهول يصدح في كل أرجاء البلاد، آنذاك يسترجع بطل الراوية ذكريات طفولته، ويشده حنين جارف للذة المعيشة البسيطة، لحظات تشي بسعادة طفل لا يعرف ما يعنيه الآلم.

ومع التقدم في القراءة، شعرت بأن هنالك شخصية مبهمة في الرواية حيث نسبت الى اسم مجهول، ومن وجة نظري انه تعمد الراوي إخفاء شخصية في سرد الأحداث، حيث انه هو نفسه (السرد الذاتي) وفي لسانه يصف حالة بعض من ذكرياته.

ليس هنالك عائد من الحرب عداء الخسارة حتى وإن كنت منتصرآ، ذروة التقديس في تبعية فرق سرية تظهر في شخصية ماجد الطيب، رجل اصيل لا يأبه كثير في المعرفة الثقافية والفكرية، متشبث بأحد النخب السرية ومهوس في عشقه، جل ما يراه هو الإخلاص في حبه للوطن، لا يغريه نهم وشراهة الأنا في وصوله الى مراتب اعلى قدر ما يهمه الوفاء لى أصدقائه، رجل باسل كرس حياته في سبيل الانصياع لأوامر قادة الحزب اليساري، ليس ثمة حكمة او هدف ولكن إفراطه في الإيمان بمبدأ راسخ في داخله يجعله اكثر ثباتآ في صقل شخصيته، هو أيضآ احد المتضررين من عبثية الحرب الشائنة.

الراوي وبطريقة ذكية يدرج عناصر تعبر في مكنونه عن بعض من الأكلات الشعبية والريفية خاصة، العسل البلدي حيث ان له قدرة على مداواة بعض الآلام، وجبة واحدة من ذرة الدخن جديرة بأن تجعلك تشعر بالشبع طيلة اليوم.

وانت منغمس صوب شراهة قراءة رواية معينة، وعند تنقلك من صفحة الى أخرى يخال لك بأنك تبنى مملكة خاصة من الأحداث في دماغك، مجريات تجذبك أكثر في سبر غوره، تبعث في داخلك انطباع خاص، وهذا ما حدث معي عند انتصافي في قراءة النص.

عادل، جعفر و ياسر (الأشقاء الثلاثة) جعفر الشقيق الأوسط تنتابه نظرة مثخنة بالآلم تجاه اضطهاد اخوته له على رغم محبته لهم، غضاضة تئد بهم الى مستنقع الكراهية، تصرفات فذة وخصوصا من الأخ الأصغر، نشبت حساسية مفرطه معه، ولأن شقيقه الأكبر (عادل) بمثابة مقام والده يلتحق جعفر في كلية الشرطة، وطأة على غرار ما كان يتمناه جعفر، ميوله فقط حب قراءة الروايات حيث لا يقوى على تركه، هوس بمثابة استجمام.

تمر السنون وصديقنا جعفر ينطوي بنفسه أكثر فأكثر، هو الان يرى شيء من الحكمة من الوجود، انخرط في عالمه الخاص حيث قد زعم بأنه سوف يقيه من ضربات رق الملذات الدنيوية، نقاهة الروح والسمو بها عاليا هي المراد في مملكته الخاصة، السكن بمعية عصافير وبعض من الحيوانات كملاذ آمن من نهشات الواقع الفظ. طقوس تأملية يزاوله كل يوم، من وجة نظري من هذا المنطلق -وتحديدا من ارخبيل فاطمة - الراوي ببراعة يظهر أفكار فلسفية تقتضي فيه حرية ترك الروح من الجسد العليل .
جعفر في رحلته نحو التخلص من الأنا والخطيئة، يشرع في رحلة مغايرة الى جزيرة الجمال الحقيقي، متنقلا من نهر الى نهر حتى يصل إلى جزيرة مهيار، والعودة بعد صراعات جمة مع الجسد من رحلته الغامضة......
رواية جرت أحداثها ما بين ١٩٨٢ - ٢٠٢٢ وحملت أيضآ شخصيات عدة، امثال عصام صاحب النفس الطيبة، إفراطه في حب الناس صفة ربانية في داخله، الشيخ كريم، عبثية اللعب في استخدام السلاح اودت بنهاية مبكرة للشاب وليد عن طريق رصاصة نشبت في جسده، وجوه الكهول الأربعة تعكس إشعاع النور المحض، رواية امتلأت بى الإثارة والتشويق.
شكرآ لك امين على متعة السرد، تحياتي الحارة لك، ومزيدا من التوفيق والنجاح.....

0 تعليقات

اترك تعليقاً

الحقول المطلوبة محددة (*).

مواضيع أخرى ربما تعجبكم