صدر حديثاً، عن "منشورات المتوسط – إيطاليا"، رواية بعنوان "موسوليني، ابن القرن العشرين" للكاتب والصحفي الإيطالي أنطونيو سكوراتي، والذي يُعدّ كلّ كتاب يصدر له بمثابة حدث كبير في إيطاليا، وغالباً ما تحصد كتبه أهم الجوائز الأدبية الجادة فيها، وصولاً إلى حصوله على أهمها وهي الجائزةُ ساحرةُ الأدباء والقراء الإيطاليين، واسمها على مُسماها، جائزة "Lo Strega" والتي تعني "الساحرة ". ونالها سنة 2018 عن روايته هذه، التي ستذهب لتكون الرواية الأكثر مبيعاً على مستوى العالم لسنة 2019.

تأتي الرواية بترجمة مباشرة عن اللغة الإيطالية للمترجم القدير نبيل رضا مهايني، وبمساهمة من مركز الكتاب والقراءة التابع لوزارة الثقافة الإيطالية، وفي مجلدين تسيل بينها صفحات الرواية الـ 900، مثل نهر أدب جارف لا خلاص منه حتى المصب.

فكما تقول صحيفة (وول ستريت جورنال-Wall Street Journal)، «سيجد القراء أنفسهم منغمسين في عوالم القصة وأحداثها، وللمفارقة فإنهم سينسون أن بطلها هو طاغية مجرم. وهذا درس خطر بالنسبة إلى أي عمل روائي، لكنه درس بالغ الأهمية.»

نقرأ:

"ها هي أوروبّا الآن مسرح بلا شخصيّات. لقد اختفوا جميعاً: الرجال الملتحون، الآباء المأساويّون الضخام، والليبراليّون المتباكون العظماء، والخطباء المتفوّهون المثقّفون المتفتّحون، والمعتدلون بأحاسيسهم السليمة، التي ندين لها منذ الأبد بسوء حظّنا، والسياسيّون الفاشلون الذين يعيشون في حال من الذعر بسبب الانهيار الوشيك، ويبتهلون كلّ يوم من أجل تأجيل الحدث المحتوم. لقد قُرعت الأجراس لهم جميعاً. ولسوف يطغى هذا الحشد الهائل على الرجال القدماء، أربعة ملايين مقاتل يضغطون على حدود الوطن، أربعة ملايين من العائدين. لا بدّ من مجاراة الخطى، بخطى متراصّة. التوقّعات لا تتغيّر، بل ستصبح سيّئة مرّة أخرى. والحرب لا تزال على جدول الأعمال. وسينقسم العالم في حزبين كبيرين: حزب الذين كانوا هناك وحزب الذين لم يكونوا."

 رواية "موسوليني" هي رواية تاريخية ملحمية تؤرخ لولادة الفاشية وصعودها في إيطاليا، مشهود عليها بعيون خالقها، الشخصية الكاريزمية المرعبة الذي سيصبح واحداً من أكثر الديكتاتوريين شهرة في القرن العشرين، بينيتو موسوليني.

لكن موسوليني هنا شخصية من شخصيات رواية وهو الرجل الذي، أكثر من أيّ رجل آخر، صبغ واقع إيطاليا بالدم، وكذلك جسدها، ومأساتها، وملهاتها، وتاريخها، وأخباراها. ومع أنه صدر الكثير من الكتب والدراسات والمقالات التي شرحت كل جوانب شخصية وحياة موسوليني، إلا أن هذه الرواية هي الأولى التي تعاملت مع حكاية موسوليني والفاشية السياسية والإنسانية والوجودية وكأنها رواية. رواية خالية من أي تخييل لأنه لا يمكن لما حدث إلا أن يكون متخيلاً ويكفي فقط أن نرويه. وهنا سنعيش لحظة بلحظة العشرين سنة التي غيرت تاريخ إيطاليا والعالم إلى الأبد.

هنا لدينا كتاب أدبي، وكتاب مقالات صحفية، وكتاب تاريخ، وكتاب أرشيفي، وكتاب مذكرات، وكتاب رسائل، كلها عُجنت ببراعة في رواية واحدة لنستكشف معها القوة المغرية للقومية وعبادة الأصنام، وكيفية سيطرة الاستبداد التي تضع أمة كاملة تحت إرادة رجل قوي لا يرحم.

نقرأ:

"انظر إليهم، استمع إليهم، فهم لا يفهمون ما يحدث. لا هؤلاء ولا أولئك. إنّهم لا يفهمون ما أنا فاعل بهم.

يواصلون القتال، من هذه الجهة أو من تلك، من غير أن يعرفوا أنهم يسكنون في بيوت الأموات. كان الفاشيّون، بقمصانهم السوداء التي طرّزت عليها جماجم بالّلون الأبيض، يعيشون فيها على الدوام، بينما لا يعرفها البعض الآخر، ممَّنْ، نشؤوا لقرون طويلة على احترام الجوهر البشريّ. إنّهم يتلمّسون حولهم، يرتجفون، وهم يسيرون خلال الليل في هذا السهل الشاسع، دون أن يتمكّنوا حتَّى من اتّباع غريزة القتال. إنّهم لا يفهمون، لا يفهمون... قطط عمياء ملفوفة في كيس.

لقد برّرتُ نفسي أمام التاريخ، ولكن، عليّ أن أعترف: إنّه مفجعٌ عمى الحياة عن نفسها.

وفي النهاية يعودون إلى البداية. فلا أحد يريد أن يتنكّب صليب السلطة. سأحمله أنا."

عن المؤلف:

أنطونيو سكوراتي: كاتب وصحفي إيطالي من مواليد مدينة نابولي عام 1969. بعد تخرجه في الفلسفة من جامعة ميلانو، انتقل إلى باريس حيث التحق بمدرسة الدراسات العليا في العلوم الاجتماعية (EHESS)، وحصل على درجة الدكتوراه في نظرية وتحليل العلوم الاجتماعية.

غالباً ما نالت رواياته الجوائز الأدبية الأهم في إيطاليا ومنها: جائزة Campiello 2005، وجائزة Super Mondello 2008، وجائزة Viareggio narrativa السردية 2015، وتوج جوائزه الأدبية بجائز (لو ستريغا – أهم جائزة أدبية في إيطاليا) مع روايته هذه في العام 2018، والتي ترجمت إلى أكثر من 40 لغة ويتم انتاجها كمسلسل تلفزيوني حالياً.

عن المترجم:

نبيل رضا مهايني: من مواليد دمشق 1944. أقام في ايطاليا للدراسة ثمّ العمل بين عامي 1963 و 1986. تخرج عام 1968 من فرع ديكور المسرح والتلفزيون في أكاديمية الفنون الجميلة في مدينة فلورنسة، ثم تخرج عام 1971 باختصاص علوم الرأي العام - إخراج تلفزيون وسينما من جامعة الدراسات الاجتماعية في روما. عمل قبلها وبعدها في مجالات التلفزيون والسينما في إيطاليا، ومراسلاً  لكثير من المجلات الأدبية والعامة العربية، من فلورنسة وروما. ترجم وقتها وفيما بعد عدة كتب عن الإيطالية، وصار له قرابة الثلاثين كتاباً منشوراً أغلبها في الترجمة.

0 تعليقات

اترك تعليقاً

الحقول المطلوبة محددة (*).

مواضيع أخرى ربما تعجبكم