الرواية نت - لندن

يلفت الروائي الجزائري بشير مفتي أنّ القراء عنصر مهم في اكتمال اللوحة الأدبية، ويقول إنّهم سرّ الاستمرارية والتحدي للكاتب.

ويشير في حواره مع الرواية نت إلى أنّه كتب الرواية انطلاقاً من شغفه بها، ويقينه أنّها الأقدر على التعبير عن مكنونات قلبه وفكره أكثر من الأجناس الأدبية الأخرى..

يبوح صاحب "دمية النار" للرواية نت ببعض انشغالاته وآرائه في قضايا أدبية وحياتية عديدة..

  • كيف تقيّم تجربتك مع القراء؟

أعتبر نفسي قارئا نهما، يعني أخصص وقتا طويلا للقراءة، فأنا أعتبرها المصدر الأول للمعرفة، للتكوين الثقافي الذاتي، لتشكيل رؤيتك الخاصة للحياة والعالم والإنسان، في بدايتي كنت أقرأ كل شيء، لكن مع الوقت، تصبح القراءة انتقائية، تختار بعناية ماذا تقرأ، كما لو أني صرت أعرف ماذا أريد من قراءة هذا الكتاب، ما النفع الذي سأحصل عليه، لماذا يجب قراءة هذا الكتاب وليس ذاك؟ لا أريد تضييع الوقت مع كتب لا تثير ولا تضيف أي جديد لذائقتي أو معرفتي، ثم القراءة فيها جانب من المتعة، مرات أشرع في قراءة رواية ثم أتوقف لأني لم اشعر بتلك المتعة، كما أعتقد في وجود مزاج أيضاً، مرات يكون مزاجك مهيئا لقراءة رواية بعينها، أو كتاب نقدي أو فكري بعينه، ومرات لا يحدث هذا، ربما تعود إليه لاحقاً، أو لا تعود، لا يهم، ثم اليوم الكتب كثيرة، حتى أنه لم يعد هنالك وقت لقراءة كل ما تريد، تبدأ بالتصفح مرات، ثم تتوقف لسبب أو لآخر،  وتنتقل لكتاب آخر، الكتاب الذي يجعلك تكمله هو الكتاب الذي ربما توفرت فيها عناصر كثيرة جعلته في نظرك يستحق مثل هذا التتويج ..

  • ما أهم الأعمال الروائية التي أثرت في تجربتك الإبداعية؟

إن كنت قارئا نهما وشغوفا بالأدب فهذا يجعل تحديد الأعمال الإبداعية المؤثرة صعب المنال، عربيا قرأت تقريبا معظم أعمال نجيب محفوظ يوسف إدريس، غسان كنفاني جبرا إبراهيم جبرا، محمد زفزاف، إلياس خوري، غائب طعمة فرمان، الطاهر وطار، رشيد بوجدرة ..الخ ثم بالنسبة للآداب العالمية قرأت كافكا بشغف أول مرة عثرت على روايته " المحاكمة" ثم هنري ميللر الرائع، ميشيما، سارتر، كامي، ثم أدب أمريكا اللاتينية ماركيز، ساباتو، بورخس، أونيتي، كورتثار، ثم ألبرتو مورافيا، ثم كونديرا، إسماعيل كاداري ..الخ اعتقد أن كل هذه الأعمال أثرت في بشكل أو بآخر، حتى لو لم يظهر هذا التأثير في رواياتي، لأن التأثير الحقيقي هو تأثير روحي وليس مادي، أي أننا عندما نتأثر،  نتأثر بروح الكتابة وليس بالطريقة التي كتب بها هذا الكاتب كتابه، وإلا كنا مجرد مقلدين له.

  • ما الرواية التي تتمنى لو كنت مؤلفها؟

لم يحدث معي هذا الأمر.

  • هل من رواية تندم على كتابتها أو تشعر أنك تسرعت في نشرها؟ ولماذا؟

أصدقك القول، بمجرد أن تنشر عملك حتى يصبح كما يقول همنجواي مثل الأسد الميت، وهذا يعني أنه لم يعد يثير فيك نفس ما أثاره عندما كنت تكتبه، ولهذا لست راضيا على كل ما أكتبه، عندي شعور مستمر بالنقص، ولهذا أستمر في الكتابة.

  • كيف ترى مستقبل الرواية في عالم متسارع يمضي نحو ثقافة الصورة؟

صراحة لا أهتم بمثل هذه الأسئلة، كتبت الرواية في مرحلة لم أكن أشعر أنها ستكون كما يقال اليوم ديوان العصر، جئت للرواية من قراءة الرواية، واعتقادي أنه الجنس الأدبي الذي أستطيع أن أعبر من خلاله عن وساوسي وقلقي في هذا الوجود، وأنها الفضاء الذي يتيح لي ذلك بكل حرية، أما عصر الصورة وغير ذلك فأظن أنهم بحاجة دائما إلى الأدب بشكل عام وليس الرواية فقط، الأدب هو الأعمق دائما من كل ما يقترحونه علينا من صور حتى الآن.

  • كيف تنظر إلى واقع النقد في العالم العربي؟

من يستطيع اليوم أن يكون دقيقا وأمينا ويتحدث عن واقع النقد حتى في بلاده حيث نتواجد بالفعل، صراحة لا أستطيع الإجابة عن هذا السؤال، فقط مازالت بعض الدول العربية تشكل مركزية كمصر مثلا لأنها تملك مجلات نقدية أما باقي العالم العربي فلا أدري صراحة.

  • إلى أيّ حدّ تعتبر أنّ تجربتك أخذت حقها من النقد؟

النقاد الذين لهم أسماء كبيرة عادة ما ينتظرون فترة طويلة قبل تناول أعمالك، وهم محقون بعض الشيء في ذلك، أما في الصحافة العربية فأغلب رواياتي كانت تجد طريقها للنقاد الصحفيين، أما الدراسات الجامعية فيوجد اهتمام بما كتبته من طرف الجامعيين الجزائريين الشباب.

  • كيف تجد فكرة تسويق الأعمال الروائية، وهل تبلورت سوق عربية للرواية؟

لم تتبلور طبعا، والأسباب كثيرة ومعروفة فهذا العالم العربي تحده حدود جمركية كثيرة تجعل تنقل الكتب أمرا معقدا للغاية، ثم نحن لا نملك دور نشر كبيرة تستطيع فرض نفسها بالفعل وتسويق الأعمال التي تنشرها، يعني تصرف أموال على ذلك، وهذا شبه مستحيل في واقعنا العربي، والإمكانية الوحيدة المتوفرة اليوم هي معارض الكتب العربية التي تسمح بمعرفة جديد الكتاب العرب في كل دورة، أما الإعلام فلكل بلد صحفه وإعلامه الذي يهتم بما عنده أكثر مما يهتم بما يصدر عند غيره..

  • هل تحدّثنا عن خيط البداية الذي شكّل شرارة لأحد أعمالك الروائية؟

أعتقد أن الأمور متداخلة بين خيط البداية وخيط النهاية فقد تكون البداية فكرة نهاية بطل الرواية في رواية دمية النار.. جاءتني مثلا فكرة رجل يغتصب امرأة ثم تلد طفلا سيقتله في النهاية .. رواية "دمية النار".

  • إلى أيّ تلعب الجوائز دوراً في تصدير الأعمال الروائية أو التعتيم على روايات أخرى؟

الشيء المؤكد أن لا أحد سيقول لا للجائزة لو توّج بها، الباقي مجرد كلام سنردده كل مرة دون فائدة، لا توجد جائزة مثالية، كل الجوائز تشوبها نقائص، وفيها محاسن طبعا، وستظل الأمور على هذا الشكل، لأني لا أتصور سيحدث إجماع على أمر كهذا في كل بلدان العالم.

  • كيف تجد واقع ترجمة الأدب العربي إلى اللغات الأخرى؟

تترجم الكثير من الروايات العربية إلى لغات أجنبية ولكن لم يحدث شيء خارق، إلا إذا استثنينا عملا أو عملين، مثل عمارة يعقوبيان لعلاء الاسواني مثلاً التي نالت نجاحا كبيرا عند القراء، بقية الأعمال تظهر في طبعة محدودة حتى عندما تنشر عند ناشر كبير، اليوم تقريبا بفرنسا لا يوجد إلا أكت سود التي تترجم الروايات العربية وحتى منشورات لوسوي حسب علمي توقفت عن الترجمة هذا يعني أن الخسائر كانت كبيرة للناشر كي يتوقف عن الاستمرار في ترجمة روايات عربية إلى الفرنسية.

هنالك مفارقة كذلك عجيبة وهي أن بعض الروايات التي تنجح عند القراء العرب وعندما تترجم لا تلقى نفس الصدى، لا أدري أين الخلل بالضبط؟ وهل المشكلة في النص أم في المتلقي الأجنبي الذي لم يتعود على أدبنا، أو ضعف الترويج من طرف الناشر، وعدم الدعاية لتلك الأعمال في الإعلام الغربي.

  • يعاني المبدع من سلطة الرقابة خاصة (الاجتماعية والسياسية والدينية) إلى أي درجة تشعر بهيمنتها على أعمالك؟ أو الحد من إيصال رسالتك الإبداعية وهل أنت مع نسف جميع السلطات الرقابية؟

أنا ضد الرقابة طبعا بكل أشكالها وأنواعها وصورها، المبدع يجب أن يكون حرا حتى لو كان يعيش في مجتمعات لم تتحرر بعد، أو تقف موقفا معاديا من حرية الكاتب، وأنا لا أتحدث عن رقابة السياسي فحسب بل حتى عن رقابة المجتمع التي هي أخطر، وهذا يؤكد على أن الذهنية المجتمعية لم تتغير بعد، فالرقيب الديني يسكنها بعمق ويجعلها تحارب الإبداع الحر، تعاديه، وفي بعض الأحيان تمارس عليه العقاب ليس بالتكفير والقتل بل بحث الناس على عدم قراءة أعماله..

لا أزعم أنني أكتب بحرية مطلقة، ولكن أدفع بمساحة الحرية التي أملكها إلى أقصى الحدود..

  • ما هي رسالتك لقرّائك؟

شكرا لكم على القراءة، على التحفيز، فأنا لا أؤمن بكاتب يكتب لنفسه.. القراء عنصر مهم في اكتمال اللوحة الأدبية.. بل هم سرّ الاستمرارية والتحدي للكاتب.

0 تعليقات

اترك تعليقاً

الحقول المطلوبة محددة (*).

مواضيع أخرى ربما تعجبكم