حاورته: نهى عسكر[1]

عُرف جان دوست بانتقاده لما يسميه "الفاشية الكردية“. كان لي اللقاء التالي معه وذلك في إطار بحثي الحالي لنيل درجة الدكتوراه عن التمزق القومي الداخلي في الروايات الشرق أوسطية الإنكليزية الحديثة.

ولد جان دوست في كوباني عام 1966 ويقيم في ألمانيا منذ عام 2000. تتألف أعماله الأدبية من دواوين شعرية وترجمات عديدة من اللغة الكردية وإليها. لديه منتج سردي لـ ١٢ رواية، بعضها تُرجم إلى التركية والعربية والسورانية والفارسية والإيطالية. حائز على عدّة جوائز في الأدب والترجمة. أُدرجت روايته: مخطوط بطرسبورغ (2020) في القائمة الطويلة لجائزة الشيخ زايد للكتاب.

- أود أن أستهل اللقاء بالسؤال التالي وفي ذهني تحديداً المقال المثير للجدل للباحث فريدريك جيمسون حيث أشار فيه أن مشكلة أدب العالم الثالث أنه محمّل بهموم الأمة: ”قصّة أبطال الحكاية ومصيرها هو دائماً كناية عن حالة الصراع المجتمعي والثقافي لشعوب العالم الثالث.“
أثار مقاله جدلاً أكاديمياً، إذ جُوبه بالنقد لعدة أسباب إحداها التعميمأين ترى رواياتك وتوجهك ككاتب من هذا الرأي؟

- أطروحة الناقد الأمريكي جيمسون عن أدب العالم الثالث لا تخلو من قدر كبير من الحقيقة. وبالرغم من التعميم الذي يفترض بالناقد اطلاعه على كل الأدب المكتوب في العالم الثالث، وهو أدب ضخم بطبيعة الحال، إلا أن الصواب لا يجانب هذا الناقد الماركسي المطلع جيداً على آداب العالم الثالث. أنا ككاتب أنتمي إلى العالم الثالث، والشرق الأوسط منه ثم سوريا ثم كوني كردياً لا أرى نفسي بعيداً عن "تعميمات جيمسون". أنا أشتغل على سؤال الهوية، سؤال الأمة التي تبحث عن موطئ قدم تحت شمس التاريخ وعلى بقعة صلبة من الجغرافيا. أنا كاتب مسكون بآلام شعب يكافح. والأدب الذي أكتبه هو محاولة للمشاركة في كفاح هذا الشعب.

إن طبيعة آداب الشعوب الرازحة تحت نير الاستعمار، أو المستعبدة، أو التي تفتقر إلى كيان سياسي يجمعها، طبيعة نضالية. وهذا تحصيل حاصل لأن الأدب لا ينفصل عن الواقع أبداً. الأدب صدى لأفكار الأمم وأنماط معيشتها ورؤاها. والأدب الكردي منذ بدايات نشوئه اتسم بـ "النضالية" والدفاع عن الذات القومية وتعزيز مكانة الأمة.

- يشتكي جيمسون في مقاله النقدي ذاته من وجود حائل ثقافي بين النص الأصلي والقارئ الغربي مما يستدعي ذاك الأخير إلى عدم فهم النص المشبع بالرموز، وكأنّما هناك قارئ آخر“ معنيٌ بالنصأود أن أسأل أولاًمن هم قرّاؤك أستاذ جان؟ وهل برأيك، إن صح كلامه، هل تقلّل هذه الإشكاليّة من حظوظ ترجمة تلك الأدبيات؟ وهل لديك عتب على دور الترجمة بخصوص نقل رواياتك للغاتٍ أخرى؟

قرائي هم حتى الآن من نفس الفضاء الثقافي الذي أنتمي إليه. وكما أشار جيمسون إلى حائل ثقافي بين نصوصنا كأدباء منتمين إلى العالم الثالث وبين القراء الغربيين، فإنه ليست هناك حوائل بيني وبين قرائي الدائرين معي في الفلك الثقافي والحضاري ذاته. بخصوص الترجمة نعم، الحظوظ تبقى قليلة والترجمات جهود فردية تتدخل فيها المافيات الثقافية والوكالات الأدبية التي تفضل هذا الكاتب على ذاك لأسباب متعددة. ما تلاحظونه أن رواياتي تحظى بقبول حسن في اللغات الشرقية، لأنها مفهومة للقارئ الشرقي الذي لا يحتاج إلى أية تأويلات تضيء له النص.

- وبالحديث عن البيئة والواقع في الشرق،كما تعلم، مايسمّى بالربيع العربي شكّل تغييراً جذرياً ليس فقط في الأوضاع السياسية والاقتصادية والاجتماعية وغيرها بل أيضاً في تخيّلاتنا وسردياتنا الأدبيةكيف ترصد تغيّرات الأدب السوري عموماً والكردي خصوصاً ماقبل ومابعد الحراك الشعبي؟ على مستوى الثيمة واللغة والشكل والبنية والشخصيّات؟

الأدب السوري غرق في مستنقع الحرب. هذا اضطرار وليس اختياراً. معظم الروائيين السوريين إن لم يكن كلهم انخرطوا في الكتابة عن الثورة السورية منذ عامها الأول تقريباً. لقد خلخلت الحرب عوالم الأدب السوري وزحزحته بعيداً عن اهتماماته الإبداعية التي كان منخرطاً فيها قبل آذار 2011. نبرة الرثاء صارت عالية ومسموعة بوضوح في كل رواية. وبغض النظر عن طرائق السرد والتقنيات التي استعملها الروائيون السوريون فإن الرواية السورية أصبحت رواية حرب في الغالب تماماً كروايات الأوربيين إبان الحرب العالمية الثانية. بلا شك ستفرز الحرب روايات كثيرة والزمن كفيل بغربلتها ليبقى الجيد ويذهب الرديء إلى عوالم النسيان.

أنا اتخذت زاوية نظر خاصة بي. راقبت الحرب في كل أنحاء سوريا لكنني اهتممت بانعكاساتها في المنطقة الكردية من عفرين حيث كتبت رواية "ممر آمن" عن الغزو التركي لتلك المنطقة، مروراً بكوباني، حيث روايتي الأضخم "كوباني: الفاجعة والربع" حيث رصدت سيرة مدينة آلت إلى الخراب التام وإلى عامودا "دم على المئذنة" حيث سفك الكرديُّ دمَ الكردي في مشهد تكرر كثيراً.

- تقول في دمٌ على المئذنة“: "كل مرآةٍ فخٌّ للنسيان، يسيل عليها وجودك صوراً مادام ثمّة ضوء في الأنحاءفإذا غاب الضوء نسيتك المرآة فلا تحتفظ منك بشيء"، ولديك قصيدة قصيرة بعنوان مرايا الأربعين"، ما قصتك مع المرايا؟ وهل تخشى من وجع الذاكرة والنسيان؟

- نحن لا نعرف أنفسنا ولا نتعرف إلى عيوبنا ومزايانا إلا بوجود مرايا. ولا أقصد المرايا المادية المصنوعة من زجاج وزئبق فضي فقط، بل المرايا المعنوية الكاشفة أيضاً. الأدب مرآة، السينما والمسرح وغيرهما من الفنون البصرية مرايا، الروايات مرايا تعكس ما لا يمكن أن يراه الآخرون وهم داخل المرآة. علينا أن نجعل بيننا وبين المرآة مسافة محددة لنرى أنفسنا. والإنسان مولع بأن يكتشف نفسه. أسطورة نرسيس لا تدل على عشق الذات بقدر ما تشير إلى سعي الإنسان ليعرف نفسه. أما عن وجع الذاكرة فقد أضناني كثيراً، دمرني من الداخل. حالياً أتخفف من عبء الذاكرة الثقيل. بعد رواية كوباني شعرت بأنني دفنت ذاكرتي مع تلك المدينة التي ولدت وعشت فيها سنوات كثيرة. الآن لا يربطني بالمدينة الموجودة حالياً أي شيء. إنها ليست مدينتي، الأنقاض المتداعية تثيرني وتحفز خيالي أكثر من العمارات الكثيرة التي بنيت بعد الحرب. لا تستهويني العودة إليها. لقد انتهى كل شيء. كوباني، خاصتي، انتهت في الرواية.

- هل كان قرارك الكتابة بالعربية، وهو ما تجسد في أول رواياتك بالعربية دمٌ على المئذنة، توثيقاً لخروجك عن السرب؟ 

أكتب بالعربية منذ أكثر من ثلاثين عاماً. صدر كتابي الأول بالعربية بالتزامن مع أول كتاب لي بالكردية في نفس العام 1991. لكنني وبقرار شخصي نأيت بنفسي عن كتابة النصوص الإبداعية، شعر قصة رواية، باللغة العربية. كان ذلك نتيجة الحرص على اللغة القومية المهمشة والتي كتبت بها كل نتاجاتي الأدبية. حتى رواياتي التي كتبتها بالعربية أولاً، دم على المئذنة، عشيق المترجم، ممر آمن وغيرها، نقلتها كلها لاحقاً بنفسي إلى الكردية. أحب اللغة العربية. وكلمة أحب لا تكفي لشرح علاقتي الروحية بهذه اللغة الساحرة. لا أشعر أنها لغة غريبة، هي ليست بأي حال من الأحوال لغةً أجنبية بالنسبة لي. هي لغتي، تعلمتها تماماً مثلما تعلمها نجيب محفوظ في المدرسة، مثلما تعلمها جبران خليل جبران من الكتب، ومثلما تعلمها أي كاتب عربي آخر.

- تشرح علاقتك باللغتين الكردية والعربية في المقدمة بطريقة رائعة شفافة تشعر تارةً بالخيانة للغتك الأم، تعتذر تارةً ثم تفنّد سبب قُربكَ من العربية وحبّك لها رغم هيمنتها المخابراتية الخانقةهل قرارك بالكتابة بالعربيّة هو صك مصالحة مع الذات ومع العربية؟

- صك مصالحة مع الذات نعم. أما مع العربية فلم تكن لي معها خصومة ولم ينشب بيننا خلاف أبداً فكيف أتصالح مع لغة ولدت معي وسمعت كلماتها الأولى ممثلة بالأذان العربي في أذني ساعة خرجت من بطن أمي؟

- تقول العربية الضرّة القوية للغتي“ وهو ما يذكرني بتعبير كارلا ميليت في كتابها الأخير بعنوانحياة اللّغات العظيمةالعربية واللاتينية في العصور الوسطىوعن رغبة تعلم اللاعرب للعربية ومثالها سيباويه، تقول: "اللغة العالمية التي يشتهي المرء ويسعى إلى كسبها هي لغة العشيقة وليست لغة الأم“. في ذهني سؤالينمِن اللّغة الأنثىالأم والعشيقة والضرة إلى الأنثى في رواياتك؟ حدّثني عنها
ثمّ، هل ترنو علاقتك باللغة لدرجة العشق؟ هل تغيّرنا اللغة، تغيّر هوياتنا، أو نحن من نغيّر فيها عند تلاقي الّلغات في سردياتنا؟

- نبدأ من الشق الثاني لسؤالك. علاقتنا مع اللغات، هي علاقة تفاعلية وليست مجرد عشق وهيام. هي علاقة كيميائية معادلتها الأساس: فكر ينتج لغة ولغة تنتج فكراً. وعبر هذه المعادلة الجبارة تتطور اللغات وتتبدل الأفكار. وهكذا فاللغة تغيرنا لأنها تنتج أفكاراً حداثية، تغير مجتمعاتنا وتحدد أطراً سليمة أو غير سليمة لأنماط تفكيرها. ليس هناك فلسفة مثلاً بدون لغة متطورة غنية بالمصطلحات الفلسفية. وهكذا مع بقية العلوم.
أعود إلى بداية سؤالك فأقول: اللغة أنثى. وهي أمٌّ ولادة تلد المعاني والأفكار. بدونها لن تنجب أرحام خيالاتنا أية فكرة أو جملة. أنوثة اللغة سر قوتها وديمومتها. وهي بهذا المعنى لا يمكن إلا أن تكون بالغة الحنان والرأفة مع كثير من الجبروت تحيلنا إلى إلهات العصور الإنسانية الأولى. لكن هناك أنظمة استبدادية شوفينية تستخدم هذه الأنثى في غير مسارها الطبيعي، تستخدمها لاستعباد لغة أخرى وطردها وإزاحتها إلى الهامش أو حتى ما وراء الهامش. وهذا بالضبط ما حصل مع اللغة الكردية في أية بقعة عاش فيها الكُرد وخاصة في تركيا بعد تأسيس الجمهورية. لقد أصبحت اللغة التركية كابوساً لا يعطي المجال للغة الكردية أن يتنفس، أصبحت اللغة التركية تجلياً بشعاً من تجليات محاولات تذويب الهوية الكردية واستبدالها بهوية الحاكم.

- حوارنا يفضي إلى سؤالي التاليإلى أي مدى تتبنى وجهة نظر الكاتب اللبناني أمين معلوف في مؤلفه الشهير (الهويات القاتلة)، حيث يخلصُ إلى أهمية الهويّات المتعدّدة، وهو ما كتب عنه أيضاً الباحث أمارتيا سين في (الهوية والعنفوَهمُ المصير). كيف تستشرف مصير الكردي بنظرتك العقلانية والواقعية المتمثّلة في أعمالك الروائية؟

- الهوية الكردية، وبالرغم من قرون من العيش على الهامش، بدأت تزيح رماد ذلك التهميش وغباره. الهوية الكردية بقيت على قيد الحياة بسبب بعض خصائص الشخصية الكردية والبنية النفسية للشعب الكردي وأهمها العناد والروح القتالية والكرامة بالإضافة إلى الظروف الجيوسياسية. كانت الجغرافيا السياسة وبالاً على الكرد من جهة ولكنها من جهة أخرى حمت الكرد وذلك بسبب الحاجة إلى الوجود الكردي للأطراف المتصارعة وخاصة الإمبراطوريتين الفارسية والعثمانية.
المستقبل أو مصير الكردي يحدده طريقة تعامل النخب الثقافية والسياسية الكردية مع الأحداث التي يمر بها الشعب الكردي. لقد انزوت النخبة الثقافية الكردية في صومعة "الحياد السلبي" والنأي بنفسها عن الانخراط في نقد وتشريح الحالة السياسية وتركت السياسيين يتلاعبون بمصير الأمة الكردية كما يحلو لمصالحهم. أما النخبة السياسية فقد ظلت تكرر خطأ النخب السياسية الكردية الذي ارتكبته في القرون السالفة منذ معركة جالديران الفاصلة والقبول بلعب دور البيادق مقابل مكاسب شخصية. 


- لمّحتَ في بداية أعمالك وهنا أقصد دمٌ على مئذنة“ ٢٠١٥ إلى النزاع الكردي وتطرف بعض الفصائل أو الأحزاب، وهو ما أطلقت عليه لاحقاً "الفاشية الكردية" وتبلور نقدك أكثر في السنوات الأخيرة لما يرنو لمستوى النقد الذاتيحدّثنا أوّلاً ماذا تقصد بهذا التعبير، وهل نحن بحاجة اليوم عرباً و كورداً، تحديداً في جغرافيتنا هذه إلى النقد الذاتي؟ وهل يمكننا أن نُطلق عليكَ، وهنا أقتبس من الماغوط عنوانه العريض، أنك تغرّد خارج السرب؟

- لا أحب الأسراب. أطير وحيداً. أنا النورس جوناثان وبمجرد أن أدخل في صفوف أي سرب أفقد خصوصيتي كمبدع. انتقدت الفاشية الكردية في كل رواياتي المتعلقة بالحرب وخاصة، كما أشرت، في رواية دم على المئذنة. الفاشية الكردية حقيقة لا يمكن إنكارها تتجلى في سيطرة فصيل كردي متطرف على مقدرات الشعب الكردي في سوريا وممارسة الإرهاب المنظم بحق المواطنين من خطف وسجن وتعذيب وقتل وتغييب وتجنيد القاصرين في الحرب إلى آخر هذه التجاوزات. انتمائي القومي لا يعميني عن رؤية هذه الحقيقة. لست قومياً فولكلورياً لأردد مع الشاعر العربي "إن غَوتْ غويت". بل أردد مع المتنبي "وما أنا منهمُ بالعيش فيهم". نحن بحاجة إلى النقد نعم. ليس فقط إلى النقد، بل إلى مناهضة الفاشيات المحلية المستنسخة عن الفاشية الأم. لا ينبغي السكوت على الفاشية الناشئة، يجب ضربها في المهد، لكيلا تكبر وتتضخم ثم تبتلع الجميع.

- اسمح لي أن أعيدك للماغوط بسبب راهنيّة السؤال الذي طرحه في مسرحيته خارج السرب الصادرة عام (١٩٩٩): هل سينفذ مخزون الحقد لدى المتخاصمين أو مخزون الغباء لدى السلطة“ (بتصرف)؟

- السلطة ليست غبية. أية سلطة في أية بقعة من هذا العالم تملك على الأقل كمية من الذكاء تمكنها من البقاء متحكمة في مصائر الملايين من الناس.

-  وماذا عن مخزون الحقد؟

- لن ينتهي مخزون الحقد لسبب واحد وهو أن البشرية تغذي هذا المخزون بتوليد اختلافات متجددة على الدوام. الأعراق والملل والمذاهب والأديان المختلفة سببت حروباً ووارث بشرية هائلة وعمقت الأحقاد بين الناس. كل دولتين جارتين بينهما خلافات لا تحلانها إلى بالحروب والتجييش العدائي وتغذية مخزون الحقد. بدون ذلك لا يمكن الاستمرار في الحياة البشرية. وهناك معضلة العقل أيضاً. العقل البشري وبمقدار ما يمكنه أن يمثل الخير والمثل العليا فإنه يمثل الشر المطلق. العقل الذي يخترع لقاحاً للفيروس لأجل سعادة البشرية هو نفسه الذي ينتج القنبلة الهيدروجينية لإفنائها

- وصلتُ إلى سؤالي الأخير، هل دفعت أو تخشى أن تدفع ثمن التحليق عالياٌ؟

- تكفيني المتعة التي أجدها في الطيران بعيداً عن السرب واستسلامه لقدره. يكفيني شعوري بالحرية الذي يمتلك كياني كله ويمنحني نشوة قصوى. ولذلك لا أخشى دفع أي ثمن. لأن الحرية الفردية تستحق التضحية بـ "الجماهيرية" ورضا هذا الفريق أو ذاك. المثقف السربي، إن جاز لي أن أطلق هذا الوصف على مثقف السلطة أو مثقف القطيع، مقيد لا يستطيع الطيران بعيداً عن سربه ويشعر في قرارة نفسه بالدونية ولذلك يتهم كل طائر خرج من السرب بالخيانة. المثقف السربي لا يملك شجاعة النورس جوناثان ولا كذلك شجاعة النملة الصغيرة خبات بطلة روايتي القصيرة "سيرة خبات" ولا يتصور نفسه خارج الأسراب. السرب مملكته وخارج السرب عدم مطلق بالنسبة له. أما المثقف الحقيقي فهو سرب بمفرده. نعم كل مثقف سربٌ بحد ذاته.

- أرى أنّك تطرح فكرة هامّة هنا وهي جدليّة السرب‘ بين المُنقاد والمتنور، فجوناثان هو خارجٌ عن السرب، وهو بمفهومِك كما أوضحت، السّرب أيضاً، المتمرّد برؤية خاصةهل يمكن أن نتفق على عنوان هذا اللقاءجان دوست، المثقف السّرب والخارج عن السّرب؟

- ليكن كذلك. وهنا أشير إلى أنني جعلت مقولة رائعة ينسبونها أحياناً إلى سبينوزا عتبة لروايتي مارتين السعيد والتي أعيد طبعها ونشرها في تونس تحت اسم: الألماني السعيد. تقول العبارة: الغربان تطير في أسراب والصقر يطير لوحده.

وأنا، وإن كنت لا أدعي أنني صقر، لكنني لا أقبل حتماً أن أصبح غراباً في أي سرب.


ــــــــــــــ


[1] نهى عسكر طالبة دكتوراة في قسم اللغات والثقافات الانكليزية الحديثة في جامعة غوته، ألمانيا. حصلت على درجة الماجستير في الآداب والثقافات ووسائل الإعلام الناطقة بالإنكليزية من جامعة جوته عام 2019. وهي أيضاً كاتبة للعديد من النصوص والقصص القصيرة حول المنفى واللاجئين والهجرة ،نشر العديد منها في الصحف الألمانية المحلية. يتناول بحثها الصراعات الداخلية القومية في السرديات الشرق أوسطية المعاصرة. للاطلاع على بحثها الأكاديمي: https://www.uni-frankfurt.de/99279361/Nuha_Askar والتواصل: nuhaskar@gmail.com


تنويه: النص المرفق هو النص الأصلي للمقابلة، تمت ترجمته إلى الإنكليزية من قبل كاتبة المقال. تعود حقوق نشر النسخة الإنكليزية إلى المجلة الأكاديمية Review of Middle East Studies الصادرة عن مطبوعات جامعة كامبردج وهو حالياً قيد التحرير.

0 تعليقات

اترك تعليقاً

الحقول المطلوبة محددة (*).

مواضيع أخرى ربما تعجبكم