الرواية نت - لندن

يؤكّد الروائي العراقي أزهر جرجيس المقيم في السويد أنّ الرواية ضرورة حياتية لا يمكن الاستغناء عنها، بالنسبة لعشاق الأدب على أقل تقدير.

ويلفت صاحب "النوم في حقل الكرز" أنّ العالم بسيره الحثيث والمتسارع نحو ثقافة الصورة إنما يساهم من حيث لا يشعر بانتشار الرواية واعتلائها الصدارة في لائحة الأجناس الأدبية التقليدية.

في حواره مع الرواية نت يكشف أزهر جرجيس عن جوانب من انشغالاته وآرائه في مسائل وقضايا أدبية وحياتية عديدة..

  • كيف تقيّم تجربتك مع القراء؟

تربطني بالقراءة صلة مباشرة، فأنا وإن كنت أمارس فعل الكتابة إلا أنني قارئ قبل كل شيء، أتابع سوق الكتب بشكل جيد وأنتظر الإصدارات الجديدة ومعارض الكتب من كل عام. أرى بأن للقراء سلطة لا يمكن القفز عليها، لاسيما أولئك الذين لا يختارون قراءاتهم وتقييماتهم وفقًا لإثنية المؤلف ومرجعيته الثقافية وموقفه المعلن من الأحداث. بالطبع، أنا محظوظ لأن تجربتي مع القراء جيدة ومثمرة، وأن رسائلهم وكلماتهم الطيبة لا تنقطع.. هذا الأمر يسعدني ويصنع نهاراتي.

  • ما أهم الأعمال الروائية التي أثرت في تجربتك الإبداعية؟ ما الرواية التي تتمنى لو كنت مؤلفها؟ هل من رواية تندم على كتابتها أو تشعر أنك تسرعت في نشرها؟ ولماذا؟

الأدب اللاتيني بشكل عام، وروايات ماركيز بشكل خاص، لا يمر أسبوع دون أن أعيد قراءة شيء من مؤلفاته. هذا الرجل أثّر في كثيرًا وجعلني أصاب بما أسماه في إحدى ورشه الكتابية بلعنة القص المباركة. أما الرواية التي تمنيت لو كنت مؤلفها فهي "مائة عام من العزلة". رواية تجعلني، كلما أعدت قراءتها، أعيش حيوات لم أألفها من قبل إلى درجة الشك بأني كنت هناك ذات يوم.

أنا دائم النقد لما أكتب، ومشكك وقلق، أحذف كثيرًا ولا أستقر على نص إلا وعدد المسودات قد وصل رقمًا مخيفًا. وحتى بعد النشر ودخول مرحلة ما يسمى بموت المؤلف أقوم أحيانًا بتجريب حذف مقطع أو إحلال جملة محل أخرى ثم أقول في سري: ليتني فعلت ذلك قبل النشر! لكن الأمر لا يصل حد الندم، إذ لا أندم على سطر كتبته.

  • كيف ترى مستقبل الرواية في عالم متسارع يمضي نحو ثقافة الصورة؟

الرواية ضرورة حياتية لا يمكن الاستغناء عنها، بالنسبة لعشاق الأدب على أقل تقدير. والعالم بسيره الحثيث والمتسارع نحو ثقافة الصورة إنما يساهم من حيث لا يشعر بانتشار الرواية واعتلائها الصدارة في لائحة الأجناس الأدبية التقليدية. ثم أن الصورة تعتاش على الرواية، وما السينما واعتمادها المتواصل على استخدام النصوص الروائية، إلا دليل على ذلك. هنا يمكن الادعاء بأن ما بين الرواية والصورة علاقة تخادم، وهو أمر إيجابي برأيي.

  • كيف تنظر إلى واقع النقد في العالم العربي؟

لم يخفت صوت النقد في العالم العربي وما زالت الصحف المتخصصة تنشر القراءات والدراسات النقدية، وهو خبر مفرح برأيي، لكن هذا لا يعني بأن كل ما يُنشر بريء. في كثير من الأحيان يكون النقد لدينا إخوانيًا توجهه العلاقات والصداقات، والعداوات أيضًا. لقد أمسى النقد المجرد، البريء من الدوافع الجانبية، أثمن من العافية في عصر الطاعون، ولولا النزر اليسير الذي يبرق كالشهب هنا وهناك، لقرأنا عليه السلام.

  • إلى أيّ حدّ تعتبر أنّ تجربتك أخذت حقها من النقد؟

لا أعرف الحد الذي يمكن للكاتب فيه ادعاء ذلك، لكني أعتقد بأن مؤلفاتي نالت الكثير من المقالات والقراءات النقدية من قبل أكاديميين وأدباء وقراء، وما زال الكثير ينشر في الصحف والدوريات والصفحات الشخصية على مواقع التواصل الاجتماعي. وهنا أود التعبير عن اعتزازي بهذه القراءات، الأكاديمية منها والصحافية، فطال منحتني الدافع على مواصلة الكتابة. كذلك فإنها تجعلني أستمع إلى صدى صوتي الذي حاولت إيصاله من خلال النص.

  • كيف تجد فكرة تسويق الأعمال الروائية، وهل تبلورت سوق عربية للرواية؟

التسويق الثقافي في العالم العربي يجري بشكل شخصي، والسوق العربية متعثرة في هذه الصدد. نحن أمة لا تحسن التنظيم. هنالك مبادرات لا بأس بها، تحاول صناعة سوق للرواية على وجه الخصوص، لكنها فردية وتفتقر إلى الدعم. أظن بأن الأمر لن يستقيم دون استنساخ التجربة الغربية في خلق وكالات أدبية تتبنى الموضوع من ألفه إلى يائه.

  • هل تحدّثنا عن خيط البداية الذي شكّل شرارة لأحد أعمالك الروائية؟

في شتاء العام ٢٠١٣ جذبني منظر ساعي البريد في الحي الذي أسكنه. كان الساعي مهاجرًا كئيبًا يرتدي ثياب فرو سميكة بشكل مبالغ به، ويضع الرسائل في الصناديق بجزع غريب. سألت عنه فقيل لي بأنه مهاجر عراقي كان قد فقد جميع أفراد عائلته تحت القصف الأمريكي لبغداد عام ٢٠٠٣. ومنذ مجيئه إلى النرويج وهو يعيش بعزلة عن العالم ولا يعرف سوى الطريق المؤدية إلى عمله. لقد ألهمتني حكايته آنذاك وأطلقت شرارة روايتي "النوم في حقل الكرز".

  • إلى أيّ حدّ تلعب الجوائز دوراً في تصدير الأعمال الروائية أو التعتيم على روايات أخرى؟

الجوائز بمثابة أجنحة تطير بالعمل نحو فضاءات بعيدة. فهي تسلط الضوء عليه وتوسع منطقة قراءته. ولكن، لا أظن بأن للجوائز القدرة على التعتيم على أعمال أخرى، دليلي على ذلك شهرة الكثير من الأعمال الروائية غير الحاصلة على جوائز. أظن بأن صوت الجوائز مهما كان عاليًا، يبقى العمل الرصين عصيًا على النسيان. نعم، من شأن الجوائز أن تبرز عملًا ما وتجعل من صوت صاحبه عاليًا، وقد يكون مستحقًا لذلك، إلا أن كثرة القراءات وتوارد الانطباعات الجيدة من قبل القراء والمهتمين بالأدب بشكل عام هي ما تمنح العمل صوته وتطيل في عمره.

  • كيف تجد واقع ترجمة الأدب العربي إلى اللغات الأخرى؟

واقع الترجمة للأدب العربي بائس وفقير، ويعتمد على شبكة من العلاقات التي يمتلكها المؤلف والناشر في الغالب. هنالك الكثير من الأعمال الهزيلة تم نشرها بلغات أخرى، لا لشيء سوى لشبكة العلاقات تلك. كذلك لمزاج المترجم والناشر الأجنبي دور في الموضوع. تبقى المشكلة نفسها؛ الافتقار إلى التنظيم والعمل الجماعي.

  • يعاني المبدع من سلطة الرقابة خاصة (الاجتماعية والسياسية والدينية) إلى أي درجة تشعر بهيمنتها على أعمالك؟ أو الحد من إيصال رسالتك الإبداعية وهل أنت مع نسف جميع السلطات الرقابية؟

قد لا أشعر بعين الرقيب لأني أعيش خارج المنطقة العربية، لكنك عندما تقرأ في الأخبار بأن أديبًا قُتل بعدة إطلاقات نارية أمام باب داره، فقط لأنه نشر ما لا يرضي جهة سياسية، فيتعين عليك الاعتراف بأن هنالك ما هو أبشع من عين الرقيب، أعني سلاح الرقيب. بالطبع أنا مع نسف جميع السلطات الرقابية، الرسمية منها وغير الرسمية، لأنها تخنق العمل الإبداعي وتكبّل المشتغلين في الكتابة من إيصال رسائلهم بخط واضح يُقرأ كما ينبغي.

  • ما هي رسالتك لقرّائك؟

حين تبحث عن المتعة والمعرفة معًا فلن يكون أمامك سوى خيارين لا ثالث لهما: إما أن تقرأ أو تقرأ. اقرؤوا فالقراءة ضرورة كالطعام، لكن احذروا أن تكون قراءاتكم واقعة تحت تأثير حكم مسبق، إيجابيًا كان أو سلبيًا. القراءة الفاحصة حصن القارئ ودليله.

0 تعليقات

اترك تعليقاً

الحقول المطلوبة محددة (*).

مواضيع أخرى ربما تعجبكم