الرواية نت - لندن

يبوح الروائي الكردي السوري زاكروس عثمان، بأنّ حكايات جدته عن الجان والعفاريت والكائنات الأسطورية استقرت في ذاكرته ثم اختمرت وخرجت من جديد إلى السطح لتكون عنوان روايته (خرائط لأقاليم الروح)..

وينوّه زاكروس عثمان أنّ النقد الأدبي في العالم العربي لا يخضع للشروط والمعايير المنهجية المتبعة، بل غالبا ما يخضع لأهواء شخصية حيث تسود الروح العصاباتية الشللية بين النقاد بدافع تبادل المنافع المادية أو تحقيق مكاسب محددة..

يصرّح الروائي زاكروس عثمان المقيم في ألمانيا، في حواره مع الرواية نت، ببعض آرائه التي قد تبدو صادمة للقرّاء الذين يدعوهم للتحرر من سطوة وسائل التواصل والعودة إلى جنائن الروايات..

- كيف تقيّم تجربتك مع القراء؟

نتيجة ضعف التفاعل بين القارئ والكاتب ربما يصعب على الأخير التوصل إلى تصور واضح عن تعاطي الجمهور مع أعماله، حيث إن عدد قراء النصوص الأدبية يتراجع في العالم العربي وتحديدا في الوسط الذي أنتمي إليه كوردستان الغربيةـ سوريا، بالنسبة لي قبيل اندلاع الحرب الأهلية في سوريا بوقت وجيز أصدرت أول رواية مطبوعة، ولم يتسنّ لي نشر الكتاب أو توزيعه كونه طبع بشكل سرّيّ دون موافقة الجهات المختصة في الحكومة السورية، باستثناء عدة نسخ منه سلمت باليد إلى عدد من الزملاء المعنيين بشؤون الأدب، إضافة إلى نسخ أخرى وصلت إلى عدد محدود من القراء، وبسبب انفجار الحرب وانشغال الجميع بها أو اكتواء الغالبية بنارها لم أحصل على فرصة للتعريف بالكتاب، ولم أعرف سوى انطباعات عدد محدود ممن طالعوا الرواية. ومن حيث إنها باكورة اعمالي المطبوعة استحسن بعضهم العمل ورأى آخرون أنّها تستحق أن تكون عملاً سينمائياً، فيما اعتبر المتدينون أنها تنال من الذات الإلهية.

- ما أهم الأعمال الروائية التي أثرت في تجربتك الإبداعية؟ ما الرواية التي تتمنى لو كنت مؤلفها؟ هل من رواية تندم على كتابتها أو تشعر أنك تسرعت في نشرها؟ ولماذا؟

لا أظن أنني تأثرت برواية محددة ولا أتذكر أنني تمنيت أن أكون مؤلفا لرواية كتبها غيري، ولكن هناك أسماء أنا معجب بها منها سليم بركات وأدونيس، إنما معيني الأول والأخير هو التراث الكُردي الشفهي من أساطير وميثولوجيا وفانتازيا، حيث إنها ساهمت في رسم معالم روايتي الأولى التي لم أندم على نشرها، لكن فيما بعد وجدت أنّه كان من الأفضل لو أني نشرتها بلغتي الأم الكُردية.

- كيف ترى مستقبل الرواية في عالم متسارع يمضي نحو ثقافة الصورة؟

بالنسبة للمجتمعات المتحضرة طالما الإقبال على القراءة مستمر أظن أن الرواية سوف تحافظ على جمهورها ولو بطرق وأساليب أخرى غير تقليدية تتكيف مع الحياة الرقمية (ديجيتال) التي تسود مختلف جوانب الحياة، حيث تجد في مختلف وسائل المواصلات مسافرون كثر يطالعون كتابا على الطريق، أما في المجتمعات البدائيةـ البدوية حيث كان الإقبال على القراءة قليلاً، ومع تقدم الزمن تقلّ نسبة القراء لتقتصر على المختصين.

صحيح أن العالم في تسارع مستمر ومتزايد لكن تعاطي الناس مع دنيا الديجيتال يختلف من مجتمع لآخر. سابقا تعاطينا مع الكلمة كمستمعين ولم نفكر بمضمونها، واليوم نتفرج على الصورة كمشاهدين دون أن نفكر في صنعها، غدا ربما لن نجد من يقرأ رواية في العالم العربي باستثناء المعنيين. بمعنى آخر الرواية ستستمر في المجتمعات المتقدمة من خلال مدارس أدبية جديدة تستجيب لذوق جمهور بات يعيش عالمين مختلفين لكنهما متواصلان؛ الواقع ومقابله الافتراضي.

ربما تندثر الرواية في العالم العربي حيث لم نجد روائياً عربياً يقدم عملا مميزا يتناول مواضيع مرغوبة لدى الأجيال الجديدة. على سبيل المثال لم نحصل على روائي عربي كتب قصة تتناول الخيال العلمي، أقصد حتى يكون هناك قراء للرواية عليها أن تحتوي مضموناً ينافس الصورة الرقمية لجذب القراء.   

أهاجم السياسيين ورجال الدين، وأكتب عن الجنس بكل تفاصيله، وأفضح مجتمعي الفاسد الجاهل المتخلف، وحده ضميري يتجنب التحريض على العنف والكراهية. 

- كيف تنظر إلى واقع النقد في العالم العربي؟

مثل الكثير من جوانب الحياة لا يخضع النقد الأدبي في العالم العربي للشروط والمعايير المنهجية المتبعة، بل غالبا ما يخضع النقد لأهواء شخصية حيث تسود الروح العصاباتية الشللية بين النقاد بدافع تبادل المنافع المادية أو تحقيق مكاسب محددة، وإذا كان هناك نقاد يلتزمون منهج البحث العلمي، فهناك كثيرون يشتغلون في النقد الأدبي من باب أنه مصدر رزق، وهنا يفقد النقد وظيفته حيث إن الناقد يخضع لاعتبارات ذاتية كثيرة تبعده عن الالتزام بقواعد النقد الأدبي، سواء من جهة نقد المادة التي بين يديه أو اختيار المواد التي يريد نقدها، وكثيرا ما تخضع عملية اختيار مادة روائية بغية نقدها للمحاباة والوساطة أو حتى إغراءات مالية.

- إلى أيّ حدّ تعتبر أنّ تجربتك أخذت حقها من النقد؟

كما ذكرت تجربتي اقتصرت على رواية واحدة مطبوعة، ولم تلقَ الفرصة لتنتشر بين القراء أو تصل إلى أيادي النقاد السوريين والعرب، ربما كان هذا تقصيرا مني حيث لم أرسل نسخاً من الرواية إلى النقاد ليطلعوا عليها كما لم أتبع العادة الجارية حالياً، وهي الطلب من أحد النقاد إجراء دراسة نقدية لروايتي، لاعتقادي الساذج أنّ الناقد يبحث عن رواية حتى ينتقدها، ولكن تبين أنّ الروائي يلهث وراء ناقد حتى يعطف عليه وينتقد روايته. والمحزن أنّ أياً من الكتاب المحليين الكُرد ممن أرسلت لهم نسخاً من الرواية لم يكلفوا أنفسهم حتى بمقالة قصيرة تعرف بالرواية، أما من ادعى منهم حرفة النقد فقد كتبوا مقالات نقدية عن اعمال كتاب من المشرق والمغرب، ولكنهم لم يكلفوا خاطرهم بمجرد الإشارة إلى اسم روايتي التي لا أظنها ـ وفق انطباع من قرأها ـ تقل مستوى عن مستوى الأعمال التي وقفوا عليها.

وهنا أضيف إجابة إلى السؤال السابق وهي أنّ تركيز النقاد على الأسماء التي شقت طريقها وإهمالهم للتجارب الجديدة يسهم في تدهور النقد الأدبي، وكذلك تدهور الأدب في العالم العربي، حيث لا يمكن لأي صنعة أن تدوم ما لم ترفد بأسماء جديدة محملة بابتكارات ترضي ذائقة الأجيال القادمة.

 - كيف تجد فكرة تسويق الأعمال الروائية، وهل تبلورت سوق عربية للرواية؟

بالنسبة للأسواق العربية لا أملك فكرة واضحة عن تسويق الكتب، ولكنها إذا كانت تشبه سوق الكتب في سوريا فيمكن القول إنه لا توجد أية أسواق للأعمال الروائية، باستثناء أسواق موسمية (معارض كتب) استعراضية وليست ثقافية تطرح على هامشها عناوين روايات. أما المكتبات الأهلية فإنها تخصصت منذ نهاية القرن الماضي في تسويق كتب دينية. أما فكرة تأسيس سوق للرواية فإنها تستحق التفكير بها إذ طالما أصبح كل شيء سلعة لها مقابل مادي، فلماذا لا تكون الرواية سلعة تدرّ مالا لصانعها؟

إذا كان كل صاحب حرفة يجد سوقا لبيع نتاجه فلماذا لا يجد الروائي سوقا لبيع نتاجه وكسب قوت يومه، كما أن مثل هذه السوق سوف تساعد على نشر الرواية وزيادة عدد القراء.  

- هل تحدّثنا عن خيط البداية الذي شكّل شرارة لأحد أعمالك الروائية؟

نعم حكايات جدتي عن الجان والعفاريت والكائنات الأسطورية استقرت في ذاكرتي ثم اختمرت وخرجت من جديد إلى السطح لتكون عنوان روايتي (خرائط لأقاليم الروح)، كما أن حياة القرية وسياسة الاضطهاد القومي الذي يعانيه الشعب الكُردي تبقيان جمرات سريالية متقدة دائما في كياني حيث أحاول رسم وجع لا يمكن تصوره.

- إلى أيّ حدّ تلعب الجوائز دوراً في تصدير الأعمال الروائية أو التعتيم على روايات أخرى؟

علينا أن نكون واقعيين ونعترف بأن الجوائز رفعت أسماء مجهولة إلى الصدارة، حتى ولو كانت الجائزة معيار غير دقيق لجودة العمل الروائي، ولكن الجائزة بالنسبة للرواية أو الروائي مثل (ماركة مسجلة) تصنع له سمعة ومكانة ليحتل موقعا بين الكبار، وتصبح له أرصدة وأسهم.

والسؤال هو هل تذهب الجائزة إلى الروائي الذي يستحقها؟ باعتقادي المتواضع وحسب معلوماتي بشأن مثل هذه الجوائز فإن الجهات القائمة على الأمر ليست نزيهة وأمينة، حيث إنها تختار الأسماء تبعا لأسباب خاصة لا علاقة لها بالأدب والرواية، وطالما الامر لا يخلو من محاباة وفساد فإنّ الضحية هو الروائي الأفضل الذي يتم تجاهله حيث يبقى اسما مغمورا أو مجهولا ما يعني بقاء نتاجه الأدبي قيد الأدراج.

- كيف تجد واقع ترجمة الأدب العربي إلى اللغات الأخرى؟

في الواقع لست مهتما بمتابعة هذه المسالة لهذا لا أملك معلومات وافية عن الموضوع.

- يعاني المبدع من سلطة الرقابة خاصة (الاجتماعية والسياسية والدينية) إلى أي درجة تشعر بهيمنتها على أعمالك؟ وهل تحد من إيصال رسالتك الإبداعية وهل أنت مع نسف جميع السلطات الرقابية؟

الرقابة بكل أشكالها ومسمياتها تجسيد للقمع والكبت أي أنها تمسخ العمل الإبداعي وتجعله كيانا غير مكتمل، لهذا أرفض الرقابة كليا ولا أقبل مبررات لفرض أي نوع من الرقابة على نفسي، ومن يراجع نتاجي الأدبي أو السياسي سوف يجد أنني متحرر كليا من الرقابة السلطوية أو الذاتية، حيث إنني لا أتردد في استخدام عبارة أو صورة أو حركة أجدها مناسبة للموضوع الذي أعمل عليه. بعبارة أخرى، حق التعبير لديّ لا يحتوي خطوطاً حمراً، أهاجم السياسيين ورجال الدين، وأكتب عن الجنس بكل تفاصيله، وأفضح مجتمعي الفاسد الجاهل المتخلف، وحده ضميري يتجنب التحريض على العنف والكراهية. 

- ما هي رسالتك لقرّائك؟

طالما كوفيدـ19 جعل منا سجناء في منازلنا، لماذا لا تجربون تسلية مفيدة وذلك بقراءة رواية! اخرجوا من واقعكم المحزن، تحرروا من عالمكم الافتراضي الذي جعلكم أسرى شبكات التواصل الاجتماعي، أطلقوا أرواحكم في نزهة استجمام إلى جنائن الرواية لتنتعش قلوبكم وذواتكم.. أكثروا من قراءة الكتب فالكتاب نجاة.. أتمنى للبشرية التخلص من هذا الوباء في أقصر وقت. 

0 تعليقات

اترك تعليقاً

الحقول المطلوبة محددة (*).

مواضيع أخرى ربما تعجبكم