الرواية نت - لندن

تعلن الروائية الفلسطينية وداد طه أنّه لا جديد يقدّمه النّقد العربيّ للروائيين، ولا للّغة أو للفكر أو للثٌقافة بشكل عامّ، وتلفت إلى أنّها لم تسمع خلال السنوات التي بدأت فيها مسيرتي في عالم الكتابة عن ناقد جاء بنظريّة جديدة سواء في الأدب أو الاجتماع أو الفكر.

تؤكّد صاحبة "حرير مريم" في حوراها مع الرواية نت أن الكتابة تجعلك نفسك، تعيد إليك المفقود فيك، تلملم شتاتك، وفي الوقت نفسه تعيد خلق الواقع كما تشتهيه.. وتضيف بأنّه: عندها أنت حرّ.

تصرّح وداد طه بجوانب من آرائها الجريئة في عدد من القضايا الأدبية والنقدية والحياتية في حوارها مع الرواية نت، وتوصي القرّاء بالقراءة لأنّها حياة أخرى..

- كيف تقيّمين تجربتك مع القراء؟

لا أعتقد أنّي أعرف تمامًا رأي القرّاء فيما أقدّم. هناك الكثير من العوامل تمنع عنّي الرؤية الواضحة، لكن ما يصلني عبر وسائل التّواصل الاجتماعيّ من تفاعل مع ما أنشره من قصص قصيرة، وبحث البعض عنّي بعد قراءة أيّ منجز ينبئ عن أنّ ردود الفعل إيجابيّة، وإن كان المسار بطيئًا نحوهم. أمّا من يقرأ لي من النّقّاد أو الكتّاب فأجد لدى المحبّين منهم تصويبات أو نقدًا يجعل العمل التّالي أكثر جودة، لا أحبّ الاستماع إلى المجاملات، والمبالغات في الإطراء تشعرني أنّ من يفعل ذلك لم يقرأ، القراءة الجيّدة غالبًا ما ينتج عنها فعل فكريّ أو شعوريّ، فيعبّر القارئ عن فكرة أو انطباع أو رأي تكوّن لدى قراءته العمل، وحين لا يحصل ذلك أشعر أنّ من قرأ لم يمرّ ببابي. 

–  ما أهم الأعمال الروائية التي أثرت في تجربتك الإبداعية؟ ما الرواية التي تتمنّين لو كنت مؤلفتها؟ هل من رواية تندمين على كتابتها أو تشعرين أنك تسرّعت في نشرها؟ ولماذا؟

أثّرت فيّ أعمال غسّان كنفاني. قرأت كثيرًا وبعمق لحنّا مينا. أحببت محمد الماغوط. أنا كلاسيكيّة في قراءاتي لذا فلن تجد فيمن أثّر فيّ أسماء غربية إذ إنّي تعرّفت إليها في وقت متأخّر، ولم أكثر أو ألاحق الأسماء اللامعة. فمثلًا أنا إلى الآن لم أقرأ لكامو... يمكن أن أستثني روايات أغاثا كريستي التي كانت موجودة في مكتبة أخي الأكبر. أحببت نجيب محفوظ وكنت أقرأ رواياته من دون أن أعرف مكانته الأدبيّة العالميّة. أعتقد أنّي تمنّيت لو أنّي ألّفت رجال في الشّمس، أو أولاد حارتنا. أحبّ سعيد تقي الدّين كذلك وجبران قرأته في وقت مبكّر جدًّا من حياتي. لست أندم على أيّ من الرّوايات الثلاثة التي قدّمتها، ولكنّي أشعر أنّي يومًا ما سأكتبها كلّها في رواية واحدة.

شهدت الرّواية العربيّة تحديدًا، التي خلفت الشّعر، عصرًا ذهبيًّا في السّنوات التي سبقت، إذ إنّها دومًا ارتبطت بالواقع السّياسيّ

–  كيف ترين مستقبل الرواية في عالم متسارع يمضي نحو ثقافة الصورة؟

برأيي لم يعد بالإمكان حصر الخوف على مستقبل الرّواية أو أي عمل فكري أو حتّى علمي بمنصّات التّواصل وتسارع نمط العيش في العالم، فالعالم اليوم يشهد تحوّلات جذريّة على أكثر من صعيد، تحوّلات قد تكون مفيدة للرّواية، فالمكوث لساعات طويلة في البيوت قد يجعل النّاس تبحث عمّا هو مختلف عن الإنترنت، فتعود إلى الكتاب الورقيّ، وقد تجعلهم على العكس يهجرون كلّ شيء نحو البحث عن الذّات والأمان...لقد شهدت الرّواية العربيّة تحديدًا، التي خلفت الشّعر، عصرًا ذهبيًّا في السّنوات التي سبقت، إذ إنّها دومًا ارتبطت بالواقع السّياسيّ، وحين كان الواقع السّياسيّ العربيّ مرتبطًا بروح القوميّة والقضايا الوطنيّة والوجوديّة المأزومة، عرفت الرّواية جيل المؤسّسين، ثمّ عادت وتراجعت أمام تعاظم الإنترنت، وهذا طبيعيّ، سؤالي الذي أطرحه اليوم على نفسي كقارئ وكاتب هو: متى ستعرف الرّواية العربيّة كتابة من نوع محتلف، غير مرتبطة بالمآسي والحروب والعواصف السّياسيّة والاجتماعيّة.. متى سنكتب عن الفرح؟

–  كيف تنظرين إلى واقع النقد في العالم العربي؟

لا جديد برأيي يقدّمه النّقد العربيّ للروائيين، ولا للّغة أو للفكر أو للثٌقافة بشكل عامّ. هم إمّا يقرأون للكبار، قراءات على ضوء الموجود والمستهلك من الأفكار، وإمّا لا يكتفون بقراءات سريعة لبعض الأعمال التي يسلّط الضّوء عليها حين تنال جائزة أو تكريمًا. لم أسمع خلال السنوات التي بدأت فيها مسيرتي في عالم الكتابة عن ناقد جاء بنظريّة جديدة سواء في الأدب أو الاجتماع أو الفكر. لعلّي مقصّرة أنا أيضًا... قد يكون الوضع أكثر إشراقًا في المغرب العربيّ، فهناك كتاب في النّقد للكاتب عبد الدايم السلّامي أعتقد أنّه قدّم جديدًا.

 - إلى أيّ حدّ تعتبرين أنّ تجربتك أخذت حقها من النقد؟

كتبت بعض المقالات عمّا قدّمت من أعمال. لأساتذة مشهود لهم، لكن لم أشعر أنّ ما أكتب لفت النّظر كثيرًا، لعلّ ذلك راجع إلى تقاعس دور النّشر، أو تراجع القراءة، أو محسوبيّات عالم النّقد الذي أنا بعيدة منه ولا أعرف دهاليز علاقاته، أو لأنّ الرّواية تظلّ وصاحبها في العتمة إلى أن تنال جائزة أو ينال صاحبها جائزة فتعرف أعماله ويلتفت له النّقّاد.

 كيف تجدين فكرة تسويق الأعمال الروائية، وهل تبلورت سوق عربية للرواية؟

أخشى أنّ دور النّشر اليوم أصبحت تخشى النّشر، قلّما نشرت أعمال من دون مقابل ماديّ، هذا لناحية، ولناحية التّوزيع والنّشر أعتقد أنّ الأمر مرهون بضمير القيّمين على دور النّشر، فأنا لا أتابع بصراحة. لست أعرف إن كان وجود سوق عربيّة للنّشر قد يساعدنا ككتّاب في توسيع رقعة وجود كتبنا، ولكن برأيي لو أنّ هناك تعاونًا عربيًّا عامًّا لتعارف الكتّاب والقرّاء أكثر، ولتعارفنا ككتّاب إلى بعضنا بشكل أكثر. هناك جيل تزامن توقيت ولوجي عالم الكتابة مع بدء كتّابه ولوجه، لكنّنا لم نسمع عن أعمال بعضنا مطلقًا...فهل تقوم دور النّشر بدور حقيقي في إيصال كتّابها إلى الجمهور؟ أرجو أن نضع يدنا على الخلل كي نحاول تصويبه. في الغرب النّاشر يدفع لك ويحميك ويكون واسطتك إلى القرّاء ويدافع عن أعمالك ويراهن على كسبها الجوائز...

بطبعي أميل إلى الانتقاء بحدسي، لم أقرأ أيًّا من الرّوايات التي منحت جوائز في السّنوات الماضية..

- هل تحدّثيننا عن خيط البداية الذي شكّل شرارة لأحد أعمالك الروائية؟

كانت ذكرى جدّتي لا تفارقني، بعد موتها بسنوات شعرت بحاجة إلى أن أكلّمها، كنت أشتاق إلى وجهها الذي جلس خلف شبّاك غرفة الجلوس ينظر في الفراغ بعد موت خالي...حين توفيت جدّتي عرفت كم كانت امرأة عظيمة، أردت أن أسطّر من خلال شيء من واقعها، وهو موت أبنائها واحدًا تلو الآخر، شيئًا من واقع الفلسطينيّ ومن مأساته التي عرفت الكثير من الوجع والقهر والدّموع والتّشتت والتي شارك العالم بسكوته عنها في إثمها.

 إلى أيّ حدّ تلعب الجوائز دوراً في تصدير الأعمال الروائية أو التعتيم على روايات أخرى؟

أجبتك في سؤال سابق أنّ الجوائز تسلّط الضّوء على اسم صاحبها، هي برأيي لا تصنع عملًا جيّدًا لكنّها قد تساعد الكاتب الجيّد على أن يكون في المكان الذي يريد أن يكون فيه...لا أدري فالمسألة نسبيّة. بطبعي أميل إلى الانتقاء بحدسي، لم أقرأ أيًّا من الرّوايات التي منحت جوائز في السّنوات الماضية، حاولت مع موت صغير ولم أفلح في إكمال الرّواية، ولا أقول ذلك عن هذا العمل بالذّات فأنا لم أستطع أن أكمل الكثير من الأعمال المهمّة، إنّها مسألة ذوق وإحساس وطاقة متبادلة بينك وبين العمل.

 كيف تجدين واقع ترجمة الأدب العربي إلى اللغات الأخرى؟

في ورشة من ورش معرض مدينة وجدة للكتاب، استمعت إلى محاضرين ثّلاثة من اللغات الإيطاليّة والإنجليزيّة والفرنسيّة إلى اللغة العربيّة، وما فهمته واستنتجته من الكلام على واقع التّرجمة أنّها ضعيفة ولا تؤدّي الدّور الفكريّ المنشود منها. بسعي شخصيّ او بجهود ناشر فذّ، قد يحظى الكاتب بترجمة لكتابه فينفتح على العالم، ولكن كلفة التّرجمة، التي لا يستطيع الكثير من الكتّاب في العالم العربيّ، تحمّلها تحول بين الكاتب وقرّاء من جنسيّات مختلفة، التّرجمات مرتبطة كذلك بالجوائز.

 يعاني المبدع من سلطة الرقابة خاصة (الاجتماعية والسياسية والدينية) إلى أي درجة تشعرين بهيمنتها على أعمالك؟ وهلّ تحدّ من إيصال رسالتك الإبداعية؟ وهل أنت مع نسف جميع السلطات الرقابية؟

الكتابة تجعلك نفسك، تعيد إليك المفقود فيك، تلملم شتاتك، وفي الوقت نفسه تعيد خلق الواقع كما تشتهيه...عندها أنت حرّ. عن أيّ قيود نتكلّم، الجنس؟ السّياسة؟ الدّين؟ هناك تجارب واعية لمبدعات تكلّمن عن هذه المواضيع بجرأة، أقول جراة لأنّي لا أعرف بمعنى الحريّة الذي قدّمته في أوّل كلامي، إن كانت تلك التّجارب حرّة أو أنّها تدّعي الحريّة أو تنشدها.. فيما أقدّم لا أخشى شيئًا ولا أحدًا، أنتقد من السّياسة ما أجده لا يتماشى مع مشروع فلسطيني وطني حرّ وواعٍ، وانتقدت من الإنسانيّة خذلانها للحبّ، وانتقدت منّي خوفي. قدّمت بطلًا نوعيًا، في قصّة خذني إلى البيت، يحكي عن تلك التحّولات التي لا عودة منها في النّفس البشريّة، حين يصير مثليًّا...برأيي ما يتعلّق بالإنسانيّ لا ينافيه الدّين بالمعنى القيميّ للكلمة، لذا فلا أخشى من سلطة الدّين، لعلّه أحد روافد الحريّة المنشودة إذا ما فهمنا عميقًا وجوده في حياتنا.

- ما هي رسالتك لقرّائك؟

الحبّ، حبّ الحياة والله والنّاس والأنا. الانتماء إلى الإنسانيّ هو ما سيبقى، التّماهي مع الطّبيعة الأمّ والتّلاشي في الجمال سرّ الخلود، لسنا سوى عابرين على طريق الحياة، اقرأو أيّ شيء باسم الحبّ وللحبّ. الكتاب الجيّد لا ينبغي أن يقول لك كلّ شيء، لكنّه سيجعلك تفكر في شيء ذي قيمة حتمًا...اقرؤوا لتحيوا بحريّة من نوع آخر.

الرواية نت - خاصّ

0 تعليقات

اترك تعليقاً

الحقول المطلوبة محددة (*).

مواضيع أخرى ربما تعجبكم