الرواية نت - لندن

يشدّد الروائيّ السوريّ ثائر الزعزوع على أنّ الرواية تظلّ عالماً أرحب من الصورة، وأنّ الخيال الروائيّ يكفل للرواية التجديد الدائم، وأنّ الرواية شكلت وما زالت تشكل مستنداً رئيساً في عالم الصورة.

يؤكّد ثائر الزعزوع في حواره مع الرواية نت على أنّ الرقابة العربية اعتقال للعقل، وأنّها عنصر مخابرات مدرب على القمع، ويلفت إلى أنّه اصبح حراً أخيراً، بعد تجارب مريرة مع الرقيب؛ السياسي والديني والاجتماعي والمخابراتي، في بلده.   

في هذا الحوار يكشف الزعزوع عن بعض آرائه في واقع الرواية العربية، وراهن ترجمة الأدب العربيّ إلى اللغات الأخرى، ويعبّر بجرأة عن جانب من همومه وانشغالاته

-    كيف تقيّم تجربتك مع القراء؟

في الحقيقة يبدو هذا السؤال مربكاً لي، انقطعت عن النشر قرابة ثمانية عشر عاماً، لأسباب يطول شرحها، وهذا جعلني، ربما، أفقد تلك الصلة المباشرة مع القارئ، حين عدت منذ سنتين بعمل روائي جديد "سلطة أصابع"، كانت التجربة تخيفني، بصراحة، خفت أن تكون ردود الأفعال سلبية، و ألا أتمكن من إعادة بناء تلك العلاقة، لكن ردود أفعال متفرقة منحتني نوعاً من الطمأنينة. عموماً عندما أكتب لا أفكر بالقارئ، ليس تكبراً عليه أو لا مبالاة، و إنما حذر من أن يصير ذلك القارئ رقيباً عليّ. لكن، بعد أن يخرج النص للعلن، أسأل عنه، أو ربما أبحث عن ردود أفعال القراء عنه... خلال السنوات التسع الفارطات افتقدت العلاقة المباشرة، صارت العلاقة افتراضية، وهذه حساباتها مختلفة تماماً، ولا أدري إن كان بإمكاني “تقييمها” أصلاً.

-    ما أهم الأعمال الروائية التي أثرت في تجربتك الإبداعية؟ ما الرواية التي تتمنى لو كنت مؤلفها؟ هل من رواية تندم على كتابتها أو تشعر أنك تسرعت في نشرها؟ ولماذا؟

لا توجد عناوين محددة، لكن أستطيع القول إن تشيخوف، غابرييل غارسيا ماركيز، استورياس، عبد الرحمن منيف، إدوارد الخراط، هؤلاء شكلوا ركناً مهماً في مكتبتي. بالإضافة إلى ألف ليلة و ليلة، هذا الكتاب مبدع وعبقري، تستطيع قراءته كل عام إن أحببت.

رواية تمنيت لو أني كتبتها، لا أدري بصراحة لم أفكر بهذا الأمر من قبل، لم ألمس في رواية قرأتها شيئاً مني، وأنا حريص أنا أكون موجوداً فيما أكتبه. لكني مثلاً حسدت سليم مطر كامل على "امرأة القارورة".

صدرت لي ثلاث روايات ومجموعتان شعريتان، جميعها كنت أشعر أني تسرعت في إصدارها، لم أندم، لكني تسرعت، كنت أشعر دائماً وبعد أن يصبح الكتاب بين يديّ مطبوعاً، أنني كان يجب أن أتمهّل قليلاً، أن أعطيه وقتاً أكثر، لكني سوف أواصل فعل الأمر نفسه فيما سأكتبه لاحقاً. أعلم ذلك ومتأكد منه تماماً.

-    كيف ترى مستقبل الرواية في عالم متسارع يمضي نحو ثقافة الصورة؟

الرواية شكلت وما زالت تشكل مستنداً رئيساً في عالم الصورة، روائع السينما العالمية و العربية استندت إلى أعمال روائية، وسوف تظل الرواية أكثر قدرة على “الخيال” من الصورة، فلكي تنجز طيران مجموعة من الرجال في الفضاء وقد نبتت لهم أجنحة، أنت بحاجة إلى كتابة ذلك المشهد بلغة قادرة على الرسم، أما في السينما مثلاً، فأنت بحاجة إلى معدات كثيرة، وأيام تصوير متواصلة كي تنجزه، الرواية أكثر خيالاً من الصورة، ولهذا فهي تستطيع أن تواصل البقاء، لكن ربما على الرواية أن تقبل ذلك التحدي، إن جاز القول، و أن تحاول تطوير نفسها. وهذا يحدث كثيراً.

-    كيف تنظر إلى واقع النقد في العالم العربي؟

أكرر دائماً، أننا نفتقد إلى وجود حركة نقدية في المنطقة العربية، هناك كتابات كثيرة، لكن النقد الموازي فقير جداً، نقرأ انطباعات صحفية، ومقالات عابرة أحياناً. لكن ليس هناك نقد متكامل بالمفهوم الأكاديمي، حتى أن النقد العربي لا يخرج من عباءات المدارس النقدية الغربية إلا في مرات قليلة، وهذه مشكلة لا تتعلق بالأدب فقط، لكنها تتجاوزه إلى جميع مناحي الحياة، النقد السياسي والاجتماعي والاقتصادي، ولعلّ هذا ما أوصلنا إلى حالة من التخبط بعد ما حصل في سوريا. السلطة تكره النقد لأنه يواجهها بسلبياتها، بعض الكتاب يكرهون النقد أيضاً لأنه قد لا يقول ما يحبون سماعه، لذلك تحول الأمر برمته إلى مجاملة، والبحث فقط عما هو إيجابي.

-    إلى أيّ حدّ تعتبر أنّ تجربتك أخذت حقها من النقد؟

لا أدري صراحة، لكني أعتقد أن الكاتب نبيل سليمان قد أعطاني كثيراً، حين خصص فصلاً في كتابه “أسرار التخييل الروائي” للحديث عن روايتي "رحلة زاعم" و "السلطان يوسف"... بالإضافة إلى بعض المقالات المتفرقة في بعض الصحف و المجلات التي تناولت رواياتي الثلاث. ولا أدري إن كان هذا كافياً ليعطي تجربتي حقها.

أشعر أن المرأة الكامنة داخلي ما زالت تريد قول أشياء أخرى.

-    كيف تجد فكرة تسويق الأعمال الروائية، وهل تبلورت سوق عربية للرواية؟

أتابع من خلال معارض الكتب التي تقام في مختلف المدن العربية نشاطاً جيداً للرواية العربية، بعض النقاد صاروا يعتبرونها ديوان العرب، باعتبار أنها تفوقت على الشعر من حيث السوق، أو إقبال الجمهور، وهذا صحيح، حتى دور النشر تفضل نشر رواية على نشر عمل شعري، لأن الجمهور "عايز كده" كما يقال في المصرية الدارجة. الناشر يعرف السوق جيداً. أما مدى جودة ذلك المنتج أو عدم جودته، كي لا نقول رداءته، فهذه تحددها حركة نقدية، وهي غير موجودة للأسف، كما أسلفت.

-    هل تحدّثنا عن خيط البداية الذي شكّل شرارة لأحد أعمالك الروائية؟

في روايتي الأخيرة "سلطة أصابع" والتي جاءت بعد توقف طويل، كانت المرأة وما عانته خلال سنوات طويلة من حرمان لحقوقها وسلطة اجتماعية ودينية، تشغلني كثيراً، حين جاءت الثورة بدأت المرأة تظهر على السطح، أقوى من ذي قبل، صحيح أنها اعتقلت وفقدت الكثير، لكنها بشكل أو بآخر تحررت من المجتمع الأبوي الذكوري الذي كان يخنقها، تلك المرأة ‪/ مها، كانت دليلي خلال كتابة الرواية، أنا لم أكتبها وإنما هي كتبتني، قالت لي قارئة: “لا أدري كيف استطعت أن تدخل إلى أعماق امرأة و تشعر بما تشعر به؟” في الحقيقة، حين عدت لقراءة الرواية بعد صدورها، فوجئت بتفاصيلها. لكني أريد مرة أخرى أن أعيد الكرة، أشعر أن المرأة الكامنة داخلي ما زالت تريد قول أشياء أخرى.

-    إلى أيّ تلعب الجوائز دوراً في تصدير الأعمال الروائية أو التعتيم على روايات أخرى؟

الجوائز قدمت خدمات كبيرة للكثير من الكتاب، لا أريد الخوض في نوعية الأعمال، أو أسباب منح تلك الجوائز، لكنها فعلاً اختصرت وقتاً كبيراً، للوصول إلى الناس، هناك تغطية إعلامية، وأحاديث كثيرة، وحفلات، وهناك مقابل مادي، يؤمن حياة الكاتب لبعض الوقت، أعتقد أن صحفياً سأل الشاعر العراقي محمد مهدي الجواهري إن كان يهتم بالحصول على جائزة نوبل، فقال ضاحكاً: «ما كتبته من شعر أهم بالنسبة لي من كل جوائز الأرض، لكن فلوس نوبل جيدة». لكن بالمقابل تلك الجوائز تدفع كتاباً أو كتباً للأمام على حساب كتب أخرى، يكفي أن يوضع على الغلاف أن هذه الرواية مثلاً فازت بجائزة كذا، حتى يقبل القارئ على شرائها. أقرأ تعليقات في بعض الأحيان لقراء أصيبوا بالخيبة بسبب رداءة رواية حاصلة على جائزة ما. و يتساءلون: كيف حصلت هذه الرواية على الجائزة؟ بصراحة لا يوجد أحد يمتلك إجابة على هذا السؤال. 

الرقابة العربية اعتقال للعقل. الرقابة العربية عنصر مخابرات مدرب على القمع.

-    كيف تجد واقع ترجمة الأدب العربي إلى اللغات الأخرى؟

قبل سنوات كان موضوع الترجمة محصوراً ببعض الأسماء المعروفة، خلال السنوات الفارطات، ولأن عشرات الكتاب العرب توافدوا إلى أوروبا مثلاً، فقد استطاعوا الوصول إلى القارئ الغربي من خلال الترجمة بشكل أسرع، يتم الأمر أحياناً بسبب علاقات شخصية، وهذا أمر جيد أن تصادف في مكتبات فرنسية كتباً لكتاب سوريين شباب. لكن ترجمة الأدب العربي ما زالت تحبو في مجال الترجمة، يعني تقريباً لا تمكن مقارنتها أبداً بما ينقل من اللغة الإسبانية إلى اللغتين الفرنسية أو الإنكليزية. وأعتقد أن هذه مهمة لا ينبغي أن تقع على عاتق أفراد بل يجب أن تقوم بها مؤسسات.

-    يعاني المبدع من سلطة الرقابة خاصة (الاجتماعية والسياسية والدينية) إلى أي درجة تشعر بهيمنتها على أعمالك؟ أو الحد من إيصال رسالتك الإبداعية وهل أنت مع نسف جميع السلطات الرقابية؟

نحن جميعاً ولدنا في حضن الرقيب، تلك حقيقة مؤلمة، الرقيب الاجتماعي، ثم الديني، ثم السياسي، نمارس نحن أنفسنا دور الرقيب أحياناً، لذلك فإن ما أكتبه يحاول أولاً التحرر من تلك السلطات، وعدم الخضوع لسيطرتها عليه. عام ١٩٩٥ طالبني الرقيب في اتحاد الكتاب العرب في سوريا بتغيير عنوان روايتي "السادس" معتبراً أن العنوان يمكن أن يحيل إلى دلالات سياسية، طبعاً الرقيب لم يكلف نفسه عناء شرح وجهة نظره وهو يتحدث، خضعت لشرطه رغم عدم اقتناعي وصار اسم الرواية "رحلة زاعم" بعدها بسنتين تقدمت بمخطوط شعري لوزارة الثقافة السورية، وقد اشترط الرقيب عليّ حذف بعض المقاطع من إحدى القصائد، فامتنعت عن نشر الكتاب، و لم أقبل شروطه، أعتقد أن حادثة تغيير عنوان روايتي الأولى تركت أثراً عميقاً في نفسي، لذلك بدأت أدرب نفسي ألا أخضع لتلك السلطة، وقد يكون هذا أحد أسباب توقفي لسنوات عن النشر، اكتفيت بنشر قصص متفرقة في بعض المجلات، لكني لم أجمعها في كتاب، ليس خوفاً من الرقيب، ولكني بصراحة صرت أشعر بالاشمئزاز من أن عملي قد يمر بين يديه الملوثتين بدماء عشرات الكتب، ليقرر "هو" وفق معياره الضيق. الإفراج عنه أو اعتقاله أو ربما قتله أيضاً... الرقابة العربية اعتقال للعقل. الرقابة العربية عنصر مخابرات مدرب على القمع. روايتي الأخيرة “سلطة أصابع” لم يستطع أي نوع من أنواع الرقابة الحضور في أثناء العمل. ربما صرت حراً أخيراً. 

-    ما هي رسالتك لقرّائك؟

عزيزي القارئ اقرأ الكتاب، ولا تقرأ اسم الكاتب...

الرواية نت - خاصّ

0 تعليقات

اترك تعليقاً

الحقول المطلوبة محددة (*).

مواضيع أخرى ربما تعجبكم