الرواية نت - لندن

يعبّر الروائيّ الليبيّ محمّد الأصفر عن أنّه لا يعرف الندم في الكتابة، وأنّه دائماً ما يراجع تجربته الكتابية وينتقدها من أجل تطويرها، ويشدّد أنّ أمله بأنّ الرواية ستبقى تمدّ الصورة، والحياة، بالغذاء، وأنّ كلّ الصور العظيمة أطلقتها الكلمة..

في سلسلة حوارات الرواية نت، نتوقّف مع الروائيّ الليبي محمّد الأصفر الذي يتحدّث لنا عن بعض انشغالاته، وهمومه الكتابية والحياتية، ويعود بنا إلى مرحلة البدايات، ويصرّح عن آرائه في عالم الرواية اليوم، عن الجوائز والتسويق والقضايا الروائية، وما تخلفه من تأثيرات.. وغير ذلك من جوانب كتابية وحياتية..

- كيف تقيّم تجربتك مع القراء؟

جيدة نوعا ما، مازلت وفيا للقراءة، أقرأ أضعاف ما أكتب، وقد أتوقف في منتصف عمل أكتبه لأقرأ حول جزئية صغيرة كتابا كاملا، ثم استأنف العمل من جديد، الكتابة هي بنت القراءة، والقراءة أم كبيرة لا ينضب لبنها، وسنظل نرضعها مهما أمتد بنا الزمن، ولن تفطمنا القراءة أبدا لأنها تحبنا، تحب من يقوم بها، من يجعلها طقسا يوميا وعادة دائمة، وحتى وإن كف البصر من يحب القراءة سيواصل هذا الفعل عبر التأمل، وسيجد القراءات السابقة إلى جانبه، تساعده بعمق وحب أيضا.

- ما أهم الأعمال الروائية التي أثرت في تجربتك الإبداعية؟ ما الرواية التي تتمنى لو كنت مؤلفها؟ هل من رواية تندم على كتابتها أو تشعر أنك تسرعت في نشرها؟ ولماذا؟

قرأت كتبا من مختلف دول العالم، وكل الكتب التي قرأتها أكيد بشكل أو بآخر قد أثرت في، دائما أقرأ القرآن الكريم، وأقرأ الإصدارات الجديدة لمعظم الكتاب العرب دون تحديد، كاتب جديد أو مخضرم على السواء، كل الكتب التي أقراها اعتبرها جيدة حتى وإن لم يعجبني بعضها، دائما أقول العيب فيّ وليس في الكاتب، ربما ما في رأسي من معارف غير كاف للتعاطي مع هذا الكتاب إيجابيا.

لا أتمنى أن أكون مؤلفا لأي عمل للآخرين مهما كان هذا العمل راقيا إبداعيا، أحب أن أكون أنا بخيري وشرّي، لم أسعَ لتقليد أحد، ولو فعلت لكانت بعض أعمالي تروق للجميع وللذائقة الجمعية، مبارك كبيرة لكل الكتاب العظام وكتبهم القيمة المحكمة جدا، وسأظل دائما كما أنا حتى لو صرت طوال العمر أدور في حلقة مفرغة دون تقدم يذكر.

في الكتابة لا أعرف الندم، وأي كتاب أصدره لا أقرأه من جديد، أنساه، حتى وإن سرق البعض منه عدة صفحات لا أنتبه لذلك، القارئ يعرف كتبي أكثر مني، والشيء الذي يولد لا ينبغي مراجعته من جديد وإعادة تدويره، اعتبر ذلك عملية تدليس على القارئ الذي قرأ عملك سابقا وفي طبعة جديدة يجده مختلفا، وكأنك قد أخضعته لعملية تجميل من نفخ وشفط وشد وغيرها، ما كتبته سابقا وحاليا حتى وإن كان سيئاً لدى البعض فلست بنادم عن كتابته، لقد كتبته في لحظة إشراق وإلهام واشتغال علي احترامها لأنها جزء من العمل، لن أدمر زمنا ماضيا لأجل زمن جديد.. علي أن أتقدم قدما وإن نظرت إلى الوراء فلكي أقدم التحية والتقدير والاحترام لا أكثر.

تمر وقعمول أحدث روايات محمّد الأصفر

- كيف ترى مستقبل الرواية في عالم متسارع يمضي نحو ثقافة الصورة؟

ستظل الرواية تمد الصورة بالغذاء، كل الصورة تعتمد على الكلمة وتترجمها إلى شكل ثابت أو متحرك، صورة بدون رواية لن تتألق، كل الصور العظيمة أطلقتها الكلمة، الكلمة في الأصل صورة لا يقترب منها إلا فنان فوتوغرافي أو سينمائي ليحولها إلى حياة تمنح العين متعة كبيرة، حتى وإن كانت هذه العين أمية لا تعرف الكتابة والقراءة، الصورة تترجم لها الكلمة بصريا وسمعيا ولكل الحواس الأخرى الممكنة. إن انتهت الرواية ستنتهي الصورة حتما.

- كيف تنظر إلى واقع النقد في العالم العربي؟

معظمه نقد مجاملات، يكتبون عن الأصدقاء، يجعلون الأصدقاء يفوزون بالجوائز، يلمعون هذا أو هذه، يسكبون القار على ذاك أو تلك، نقد مثل صحبة العجول لحسني وألحسك، دائما أقرأ ما يكتب من نقد الصحافة العربية الثقافية، لكن لا أقرأه كنقد إنما كأخبار أو شيء يمشي الوقت لا أكثر. إلى أيّ حدّ تعتبر أنّك تجربتك أخذت حقها من النقد؟  حد بسيط جدا، نحن ككتاب ليبيين مظلومين نقديا، لا نعرف كيف نجعل النقاد يكتبون عنا، النشر لدى دور نشر يركض النقاد خلف كتبها ليس متاحا لنا، رغم إبداعنا الجيد وغير المختلف عما يكتبه كتاب بقية الدول، وسيظل الوضع كما هو، حتى تستقر الأمور في بلادنا وتنتظم الحركة الثقافية ويكون لدينا دور نشر محترفة ومعارض كتاب ومهرجانات وندوات لأن النقد ما هو إلا مؤسسة علاقات عامة لها منطقها الخاص ويجب التعامل معها بهذه الطريقة، في النهاية كما قلت في السطور السابقة، لا أهتم بالنقاد وكل تركيزي على كتاباتي وحياتي الخاصة.

- كيف تجد فكرة تسويق الأعمال الروائية، وهل تبلورت سوق عربية للرواية؟

تسويق الأعمال الروائية مازال ضعيفا، والكاتب العربي لا يعول على كتابه كي يكسب منه ماديا، هو يتعب كثيرا حتى ينشره وبشروط مجحفة من معظم الناشرين، حركة التسويق ستكون ضعيفة، لأن فعل القراءة لدى المواطن العربي ضعيف جدا، علينا أولا أن نجعل الناس تقرأ حتى يمكنها أن تقتني الكتب، علينا أن نجعل القراءة كما في أوروبا وأمريكا واليابان ثقافة وعادة وشيء مثل الطعام وزجاجة الماء يجب أن يكون معك حتى وإن كنت في الحافلة أو القطار، وهذا الأمر يحتاج إلى غرسه في الإنسان منذ أن يدخل إلى روضة الأطفال ويستمر معه حتى يتخرج من الجامعة وأن يكون في كل بيت مكتبة وساعات للقراءة وهذا الأمر يحتاج إلى مائة سنة أخرى حتى يتم بنجاح، وحتى الآن لم تتبلور أي سوق روائية عربية، بل أن كتب الأبراج والطبخ والخرافات أكثر مبيعا في معارض الكتاب، لا يمكننا أن نجد سوق للرواية حتى نغير عقلية وثقافة الناس، نجعلهم يبحثون عن القيمة في القراءة وليس الفراغ.

العنف يشعل الشرارة وبعدها أبدأ في توزيع الحرائق هنا وهناك حتى أحترق معها أنا نفسي تماما.

- هل تحدّثنا عن خيط البداية الذي شكّل شرارة لأحد أعمالك الروائية؟

معظم أعمالي تبدأ بحركة هدم، رواية وصية خيال تحت الطبع دار المتوسط تبدأ بحادثة هدم نادي الأهلي الرياضي من قبل النظام الدكتاتوري لأن جماهيره خرجت إلى الشارع محتجة على الظلم، روايتي علبة السعادة صدرت عن دار أبييدي تبدأ بحادثة حرق الآلات الموسيقية الغربية وكتب اللغة الأجنبية في ميدان الشهداء بطرابلس، وبعد أن تبدأ بحدث عنيف تدخل الموسيقى والغناء الشعبي والحياة اليومية وتاريخ ليبيا القديم والمعاصر وهكذا، العنف يشعل الشرارة وبعدها أبدأ في توزيع الحرائق هنا وهناك حتى أحترق معها أنا نفسي تماما.

- إلى أيّ حدّ تلعب الجوائز دوراً في تصدير الأعمال الروائية أو التعتيم على روايات أخرى؟

حسب متابعتي لهذه الجوائز أرى أن هناك ظلما كبيرا لحق بروايات كثيرة لم تفز، القارئ العربي كما نعرف ليس مثقفا، ينجذب إلى الضوء، ربما بسبب غلاف يشترى الرواية أو يجد عليها ملصقا بأنها فازت بإحدى الجوائز، هناك كتاب عرب لم يفوزوا بأي جوائز وكتبهم تحقق مبيعات جيدة، بل منهم من غادر حتى هذه الحياة، في اعتقادي أن الجائزة ليست حما على أن الروايات التي لم تترشح سيئة يظل الأمر في النهاية عبارة عن ذائقة لجنة تحكيم أو ما يأتيها من توجيهات ملزمة من أصحاب القرار الحقيقين أي أمناء الجائزة، وهؤلاء الخمسة عندما تأخذهم فردا فردا وتقيم أعمالهم التي خولتهم كي يكونوا محكمين تجدها هي الأخرى تركض وتبحث عن جوائز بل أعمال عادية جدا، من رأي أن تظل الجوائز قائمة لتنشيط الحركة الثقافية ولتقديم مقابل مادي للفائز وقيمة معنوية قد يكون في حاجة ملحة لها لا أكثر، غير ذلك فالجائزة ليست حكما مطلقا بأن هذا الكتاب جيد، حتى جائزة نوبل نفسها فاز بها كتاب لا يستحقونها من وجهة نظر الأغلبية وحرم منها كتاب يستحقونها بجدارة بل يضيفون لها قيمة كبيرة لو أنهم فازوا بها وقبلوها.

الأصفر لقرّائه: هناك رسالة ستجدونها في كتبي

- .كيف تجد واقع ترجمة الأدب العربي إلى اللغات الأخرى؟

ما كتبته عن النقد ينطبق عن الترجمة علاقات عامة، صداقات لحس عجول، والوصول إلى أوروبا أو ترجمة كتاب لك لا يعني أنك وصلت إلى القمة، في أوروبا قراء يضعون الكتب السيئة في مكبات النفايات مهما كان كاتبها متورّماً في بلده إلى درجة الانفجار.

- يعاني المبدع من سلطة الرقابة خاصة (الاجتماعية والسياسية والدينية) إلى أي درجة تشعر بهيمنتها على أعمالك؟

في ليبيا كانت معظم أعمالي ممنوعة ولا يسمحون بمشاركتها في معرض الكتاب وكلها طبعتها خارج ليبيا في مصر وسوريا، وفي ألمانيا الأمور تمام أكتب أي شيء لكن بعد ذلك تطلب منى دار النشر تعديل بعض الكلمات والتخفيف من حدتها ومن أجل أن يصدر الكتاب أوافق على ذلك، وبالنسبة لسلطة الرقابة مازالت قائمة علي أن أراعي عدة مسائل بشرط أن لا يضر ذلك العمل الفني، وهذه الرقابة ستظل مع الكاتب بشكل أو بآخر مهما ادعى أنه قد تخلص منها، لا أحد يمكنه أن يكتب من خارج وعيه.

- هل تحدّ الرقابة من إيصال رسالتك الإبداعية وهل أنت مع نسف جميع السلطات الرقابية؟

هناك كتاب يريدون نسف كل شيء لمجرد النسف، أنا لا أنسف أترك كل شيء كما هو ولي طريقتي الخاصة في قول ما أريد، بعض الزئبق يكفي لتمرير جمل من سم الخياط، لكن عندما لا أجد زئبق فليس أمامي إلا النسف دون أن أفكر في العواقب، قد يظن البعض أني مجنون أو متهور لكن لا شيء في من ذلك، كل ما في الأمر أن كلمة أو جملة فرضت نفسها وأبت أن تنشطب أو تمحى وعلي بالطبع أن لا أغضب أو أزعل أي كلمة ولدت من داخلي.

- ما هي رسالتك لقرّائك؟

إن هناك رسالة سيجدونها في كتبي.

الرواية نت - خاصّ

0 تعليقات

اترك تعليقاً

الحقول المطلوبة محددة (*).

مواضيع أخرى ربما تعجبكم