تحتفي الأوساط الأدبية والثقافية والإعلامية السورية والعربية منذ أيام، بصدور رواية «عين الشرق هايبرثيميسيا 21» للإعلامي والشاعر والروائي إبراهيم الجبين، الذي رافق ثورة أبناء شعبه منذ اليوم الأول لاندلاعها في آذار/ مارس 2011 ضد نظام الأسد. وفي هذه الرواية، وهي الثانية لضيفنا بعد «يوميات يهودي من دمشق» ، والتي جاءت في 360 صفحة من القطع المتوسط، كانت أيضًا دمشق هي البطل الرئيسي في العمل. دمشق التي سمّاها الرومان (عين الشرق)، والتي تختزل المشرق كلّه، وفيها تدور كل القصص السرية، من اليومي البسيط، إلى المخططات الكبرى التي عادة ما تغيّر وجه المنطقة وفقًا للجبين، المقيم حاليًا في مدينة "دورتموند" الألمانية. والذي التقته صحيفة "جيرون" للحديث معه حول روايته هذه. فكان هذا الحوار..

- بعد تسع سنوات من صدور روايتك الأولى «يوميات يهودي من دمشق» تعود إلى مدينتك دمشق عبر روايتك «عين الشرق هايبرثيميسيا 21»، ما الذي يعنيه لك المكان (دمشق - مسرح الأحداث) وقد بدا وكأنه أحد أبطال العمل؟

  • بدقة كانت أكثر من عشر سنوات على كتابة "يوميات يهودي من دمشق"، وتسع على صدورها، لكن خلال تلك السنوات حدث الكثير من الأمور، وانقلبت الدنيا، وعاشت سوريا وشعبها ومثقفوها وبسطاؤها مسارات مريعة. الكتابة كما أفهمها ليست فعلًا سهلًا، ولا يجب أن تكون، كما هو النشر. خلال السنوات التي فصلت بين الروايتين، عشت شخصيًا تجارب عديدة، بعضها رهيب، وبعضها الآخر مدهش، لكن ذلك كله حدث في الزمان، وما يزال المكان ثابتًا، على الأقل عندي، عنيت مكان الحدث الروائي (دمشق). هو بالفعل أحد أبطال العمل إن لم يكن بطله الأبرز، وبتصوري المدينة الأقدم في تاريخنا وحضارتنا وما تلاها من حضارات، هي كائن مستقل صاحب إرادة حقيقية، كائن اشتغل على تمدين العالم، وعلى الدفع به نحو الخلق والإبداع، لذلك قلت من قبل إن دمشق ليست مدينة سورية وحسب، بل هي مدينة عالمية للبشرية كلها، وهي جديرة ليست بعملين روائيين، بل بأن نواصل اكتشافها والتعلّم من شيفراتها كل يوم.

- في الصفحة التاسعة من الرواية تذكر أنه لا يوجد في العالم إلا (20) حالة مصابة بمرض "هايبرثيميسيا" -(و"الهايبرثيميسيا" في لغة العلم مرض نادر، المصاب به يعاني حالة فرط الاستذكار أو متلازمة فرط الاستذكار أو الذاكرة السيرية - الذاتية بالغة القوة) -، ويحمل العنوان الرقم (21)، هل شعرت نفسك وأنت تكتب نصك أنك المصاب الـ(21) بهذا المرض النادر؟

  • أغواني هذا المرض الجديد، وسألت عنه أصدقاء مختصين في علم النفس، بعضهم قال هو حالة خيالية، وربما استعملها الأدباء في أماكن كثيرة من العالم، وبعضهم أكد كونها حالة علمية طبية نادرة، وشديدة الندرة، حتى أنها تبدو وكأنها ليست مرضًا، بل ضربة عنيفة على الوعي البشري. ليست المشكلة في ألا ينسى المريض كل لحظة في حياته، بقناعتي، بل في أنه يتذكر كل تلك اللحظات مجتمعة في هذه اللحظة. وهنا الحالة التي أراها لائقة بالسوريين. ليس فقط بي ككاتب. الذين لا يريدون مغادرة سوريا رغم اضطرارهم للخروج منها تحت التهديد بالاعتقال والقتل والإرهاب والتدمير والقصف.

- بأي قصد كان استهلال الرواية بالآية الأولى من "سفر إشعيا – الإصحاح السابع عشر" من التوراة والتي تقول: "وَحْيٌ مِنْ جِهَةِ دِمَشْقَ: هُوَذَا دِمَشْقُ تُزَالُ مِنْ بَيْنِ الْمُدُنِ وَتَكُونُ رُجْمَةَ رَدْمٍ"؟

  • دمار دمشق، لم يكن مجرد غرض مرّ اليوم أو البارحة، بل هو شهوة عابرة للأزمنة والعصور والديانات والطوائف والأعراق. ولذلك تجد في التوراة عبارة مثل هذه. على شكل نبوءة لإشعيا. عما يريد المستقبل للمدينة، والحقيقة أن المقصود هو تمدّن دمشق، لا حجارتها وشوراعها، التمدن الذي حرصت جميع السلطات الاستبدادية على أن تحرم منه المجتمعات التي عاشت في دمشق ومن حولها، متأثرة بالإشعاع الحضاري لها. وإن كنت تشير في سؤالك إلى رؤية غيبية حول ما يحدث لسوريا، فلن أرفض هذا، انظر إلى المتقاتلين على البلاد، في سباق السيطرة على دمشق؛ الجميع مؤمنون بعقائد ما ورائية تتحدث عن الهيمنة على الشام وبلاد الشام. هذا ليس رأيي، هذه يقينيات المتحاربين اليوم، سواء الطائفي الشيعي، بفروعه الملتحية وغير الملتحية، الذي يمهّد لظهور المهدي، أو الطائفي السني الذي يريد أن يستدرج العالم الصليبي إلى حرب آخر الزمان على أرض الشام، كما يرد في أدبيات القاعدة، أو الآخرين الذين يصرون على دولة ديمقراطية لكنها "دينية يهودية" في فلسطين. وغيرهم وغيرهم.

القارئ شريكي في كتابة الرواية ..

- يظهر في روايتك نزوع واضح إلى السيرة وترجمة الحياة الشخصية: (الفرد، أو المدينة،..)، هنا أسألك: عن الحدِّ الفاصل بين تجربتك الشخصية ونصك الروائي؛ أو بمعنى آخر إلى أي حد اتكأت على جانب السيرة الذاتية هنا لتؤرخ لجانب من ذاكرتك الشخصية؟ وهل تعتبر «عين الشرق» (رواية سيرة ذاتية)؟

  • أحب أن أستوقفك عند وصف "السيرة". انظر إلى أعمال يوسف شاهين وسليم بركات ومحمد ملص وجوزيبي تورنيتوري وهنري ميلر وغيرهم وغيرهم، هذه الأعمال ليست سيرة برأيي، هي منح للحدث صبغة واقعية بواسطة استعمال الأحداث الذاتية التي جرت وتجري مع الكاتب أولًا. لكن هناك ما هو أهم من السيرة الشخصية، هو ما يدور من حول الشخص، وما يحيط به من شخوص وأشباح وأماكن وأزمنة، هذا المشهد لا يمكن كما أعتقد، الاستمرار بالحديث عنه من خلال السرد المقولب، فهو بالنهاية نوع من أنواع السلطة، وأنا لم أشأ ممارسة تلك السلطة على القارئ. أعني سلطة الحكواتي. بل أردت أن يشارك وعي القارئ في حصته ونصيبه من التأليف باستحضار ذاكرته هو أيضًا ليكتمل النص على الوجه الذي أريده من مؤلفين اثنين، أو مؤلفين بلا نهاية، كلما قرأ أحد الرواية من جديد.

- في مسارات ثلاثة (الماضي والحاضر والمستقبل)، نعيش في «عين الشرق» مع شخصيات هي حاضرة بيننا اليوم وأخرى ارتحلت، ومع من استقدمتهم من عمق التاريخ.. ومع ملل ونحل وطوائف وأعراق ومذاهب فكرية ولادينيون.. ومع شوارع وأمكنة كثيرة في دمشق.. كل هذا تقدمه في لحظة ملتهبة من تاريخ سوريا المعاصر وأنت تؤكد أنّ "ما يحدث في دمشق عادة يغير المشرق كله". فكيف تقرأ كروائي الحدث السوري الراهن بعد قرابة الست سنوات من اشتعاله؟

  • أقرأه كما سيقرأ القارئ روايتي «عين الشرق»، وكما يمكنه أن يقرأ المدينة الآن. هل تتصور أن التغيير لن يحدث بعد كل الدمار وسيول الدماء والتحولات التي جرت؟ هذا وهم موجود فقط عند السلطة المستبدة وداعميها الصغار والكبار. سواء من النخب التي مهّدت للإبادة عبر تشويه المجتمع والاستقواء عليه وفبركة حرب معه لم يكن لها وجود. بدلًا من محاربة النظام المجرم الذي فتك بالناس كلهم وشوه حتى الشجر والعشب والأنهار والعمارة. يتمسك هؤلاء ببقاء هذه السلطة، لأنها ستعني استمرارهم. وهنا تتقاطع مشاريع أطراف عديدة، من داخل سوريا إلى أنظمة حكم بجوارها. تريد للصراعات أن تستمر، كما في حالة الصراع العربي الإسرائيلي، الذي يريدونه في تل أبيب أن يكون بلا نهاية على سبيل المثال. لأن السلام مكلف لإسرائيل ولغيرها من المعتاشين على فكر المواجهة دون مواجهة، وعلى المقاومة المزيفة والمبادئ الكاذبة، وكذلك صراعات المجتمعات وخطوط الزلازل الطائفية والعرقية والتوترات المحيطة بنا من كل صوب. وقد كان نجاح الربيع العربي، والثورة السورية على رأسه وفي مقدمته، كفيلًا بالبدء بالتخلص من كل تلك الحمولة الثقيلة من الصراعات.

عن أدونيس و"النخب السورية" والتمهيد للابادة ..

- لفتني هذا الاستحضار لكل هذه الشخوص هنا، شيخ الإسلام ابن تيمية، والأمير عبد القادر الجزائري، والرئيس الراحل أديب الشيشكلي، وحافظ الأسد (إله البساطة، إله الأرض، إله العلويين)، وصديق عمره صلاح جديد الذي يخشى ملاقاة مصير مشابه لمصيره، ونور الدين الأتاسي، وعصام العطار، واليهودي إخاد الذي هاجر من دمشق وعاد إليها، والجاسوس الإسرائيلي إيليا كوهين، والياهو ساسون مؤسس صحيفة "الحياة"، والزعيم الكردي عبدالله أوجلان، وأبو القعقاع السوري الذي أسس تنظيم داعش، ولؤي كيالي، وصبحي الحديدي، ويوسف عبدلكي ومظفر النواب، وأدونيس، وعشيقة الوزير وغيرها من النخب التي تواطأت ضد الشعب.. وضحايا وقتلة ورجال حكم وضباط ومثقفين وفنانين ونساء جميلات، أي رابط دعاك لجمع كل هذه الشخصيات في مكان واحد عبر أزمنة مختلفة من التاريخ؟ وأي دلالات يحملها ذلك الاستحضار من الماضي والحاضر الراهن؟

  • أدونيس واحد من بين كثيرين يمكن أن نسميهم "النخب السورية"، وهو مثقف كبير، وكان حديثي عنه، كما أعتقد، منصفًا، يروي مشاهد من طفولته، وهو يطالب بالحصول على العلم بقصيدة يمدح بها الرئيس شكري القوتلي. عادة ما يتهرب أدونيس من تذكّر تلك القصيدة، لكني هنا أوردتها كاملة. ومعها مراحل من خدمته الإلزامية العسكرية في العاصمة دمشق. لا يمكنك أن تتناول المشهد المعرفي السوري دون أن تنتبه إلى دور شخص مثل أدونيس، فهو صاحب تأثير، قد يكون مضللًا كما ثبت لاحقًا. آخرون أيضًا لم يكونوا أقل تأثيرًا سواء في البعد الثقافي أو السياسي أو الأمني أو المجتمعي، ولست أنا من جمعهم، الرابط هو دمشق. وهي التي تصب فيها كل تلك الثقافات، ليس كأي عاصمة أخرى. لكن كما تفعل دمشق عادة، لتعيد تأهيلهم من جديد، لكن هناك من قاوم هذا، ورفض التمدّن، وأصر على ليّ عنق المدينة، وقهرها، وحين لم يقدر على هذا لعنها ورجمها وشتمها كما في شعر أدونيس وغيره. كان هذا يحدث طيلة الأزمنة الماضية واليوم. وسيستمر لكن هؤلاء ستلفظهم المدينة مع الوقت، وسينساهم القادمون في الغد. كان للنخب الدور الأكبر في التمهيد للابادة، ويمكنك أن تراجع كثيرًا من النصوص المكتوبة قبل العام 2011، التي توصف المجتمع السوري، ستجد أنها قامت بأبلسته، وتحويله إلى كابوس، ومن النادر أن تجد بيئة جيدة في عمل فني أو روائي أو شعري سوري، كان الكاتب أو الباحث أو الفنان مطاردًا من المجتمع، كما يحب أن يقول، بدلًا من أن يفتح فمه بالقول إنه مطارد من لحظة ولادته إلى مماته من قبل النظام المافيوي الذي هيمن على النخب والمجتمع في الوقت ذاته. بل استثمر تلك المنتجات الإبداعية للظهور أمام العالم على أنه يحارب البيئة الحاضنة للإرهاب. والدليل أخذوه من النخب التي اشتغلت وانضوت تحت عباءة النظام وأجهزته طويلًا، دون أن تراجع نفسها في يوم من الأيام. لا أقول إن المجتمعات السورية كانت ملائكية، لكنها لم تكن كما يريد النظام تصويرها. نحن نعرف مجتمعنا، وندرك حقيقة وجود ذلك المذهب المتعالي الذي لا يؤمن بحق البسطاء بالحرية، بحجة قصورهم المعرفي، لكن هؤلاء ضحايا للتجهيل المتعمد الذي مارسته السلطات، وصبرهم على ذلك كان طويلًا جدًا، ومقاومتهم له كانت نبيلة، وإلا ما معنى التغني بالتعددية والعيش المشترك طيلة آلاف السنين في سوريا؟ هل استيقظ الناس فجأة ليتحولوا إلى أعداء للكنيسة والمجلس والطوائف والمقامات؟ كانت أمامهم طيلة الوقت؟ لماذا لم يفتكوا بها؟ أم أن الجواب سيفضي في النهاية إلى القول إن الاستبداد هو الحل الوحيد لضبط تلك الوحوش البربرية وإلا انفلتت على الأقليات والطوائف والتهمتهم؟ لذك تجد في «عين الشرق» حوارًا طويلًا بين شخصيتين عن المفكر السوري ياسين الحافظ ونظريته حول الأقليات والمشروع الديمقراطي وتصادم الخيارين طالما بقيت الهويات الضيقة قائمة.

- كثيرًا ما توقفت في الرواية عند ومع "ابن تيمية" وجعلت منه أحد أبطال العمل، ما الذي يعنيه لك استقدام هذا الفقيه العالم من عمق التاريخ في وقت نشهد فيه تمدد الفكر التكفيري الظلامي في سوريا؟

  • اسمح لي ألا أوافقك على اختزال ابن تيمية بالفقيه، فهو أهم بكثير من هذا، ولو كان مجرد فقيه، لما كنّا في مشكلة الآن مع من يدعون أنه مرجع لهم من التكفيريين، ولا من يكفرون السنة ويعتبرون أن مرجعهم هو ابن تيمية. كان لابن تيمية الذي ألصقت به تهم التكفير بحق المذاهب والطوائف الإسلامية زورًا، دور كبير في التأسيس للفكر المادي الغربي كما برهن على ذلك، ليس الباحثين المسلمين، بل الباحثين الأوروبيين أنفسهم، ابن تيمية الذي «يَرى الأشياء المادية هي أصل الوجود، وأنّ الأفكار تابعة لها»، كما ذكر كثيرون منهم الألمانية آنكه فون كوجلجن، وكما أثبت غيرها من أن مارتن لوثر كان قد تأثر بفكر ابن تيمية، ويكفي أن تعلم أن ابن تيمية حبس نصف عمره في القاهرة ثم في سجن القلعة في دمشق الذي مات فيه، ليس لأنه كان متشددًا بل لأن علماء ومشايخ السلاطين اشتكوا عليه لأنه كان إصلاحيًا حداثيًا يجتهد من عنده. هذا بحث طويل عمومًا، وقد كتبت فيه من قبل، لكن الهدف الأساس هو البحث في تلك المرجعية المزورة التي يحتمي خلفها التكفيريون والسلفيون والمتعصبون من الطوائف وكذلك ممن يظنون أنفسهم لا دينيين دون أن يطلعوا ويقرأوا. ما أريد قوله إنك لا يمكن أن تقول عن نفسك إنك متحضّر، حين لا تجد سوى الإبادة وسيلة لمعالجة التكفيريين. وأجد أنه من المستغرب أن يقبل مثقفو العالم باصطياد المتطرفين كالجرذان، دون محاكمات وقضاء عادل أنتجته البشرية. بتصوري؛ يجب تفكيك فكرهم بانتزاع مرجعياتهم، وحين أقول تكفيريين أعني سائر التكفيريين السنة وغير السنة المؤمنين وغير المؤمنين.

بين الحقيقية وخيال السارد ..

- تذكر في الرواية أن حافظ الأسد الذي وصفته بـ"الدكتاتور العجوز"، (لم يمت، كما أعلنت أسرته، لكنه وبعد أن خرف ولم يعد قادرًا على التركيز، تم توريث الحكم لابنه وهو حي، وتم وضعه في غرفة معزولة تحت عناية طبية مشددة، فهو بين الغيبوبة والصحو، بين الذاكرة والغضب، بين الرغبة بالانتحار والرغبة بالعودة إلى لذة الحكم والقدرة على القتل)، هل هذه معطيات حقيقية أم من خيال السارد؟

  • لا أستطيع الإجابة عن هذا السؤال. وأترك الرواية وتفاصيلها ولعبة الخيال والواقع فيها، لتجيب عما يخطر للقارئ من تساؤلات. لكن أريد أن أسألك أنت: هل تعتقد أن حافظ الأسد وكل ما يمثله في ذهن مؤيديه ومعارضيه قد مات حقًا؟

- هل تعتبر روايتك هذه والتي سبقتها «يوميات يهودي من دمشق»، روايتتن تاريخيتين؟ وهل أنت مع الرأي القائل إن "الرواية تحكي ما لم يقله التاريخ"؟ وبرأيك ماهي الحدود الفاصلة بين الكتابة الروائيّة والتوثيق أو التأريخ؟

  • مصطلح الرواية التاريخية يطلق على قصص تحدث في التاريخ، في الماضي، لكن هذين العملين؛ "يوميات يهودي من دمشق" و"عين الشرق" يحدثان في زمننا هذا، يدخل التاريخ بوصفه شخصية من الشخصيات، أو فاعلًا من الفاعلين، عاملًا من عوامل التأثير، وليس بيئة للحكاية بكليتها. الرواية نعم تقول ما لا يقوله التاريخ، لأنها ليست مكتوبة بحبر السلطة، ولا كما يقال بأقلام المنتصرين، هي كتابة على هامش التاريخ الرسمي، لكنها في الوقت ذاته تأريخ مستقل كامل المواصفات. الخيال بعد أن يمر عليه الزمن، يصبح جزءًا من حدث في الماضي. فمن يستطيع اليوم إنكار ما حدث في رواية 1984 لجورج أورويل، التي كتبت في العام 1948؟ حدثت. على الأقل في عقل وأوراق الكاتب وفي المحيط المرافق له ولدى قرائه، حدثت إلى درجة أنها طبّقت في أماكن عديدة من العالم لاحقًا. وهنا لا يمكنك أن تفصل الخيال عن الوثيقة ما دام اتفاق الشرف قائمًا، أنك لا تلفق الواقع، وهذا ما يدعمه ما حول التفاصيل من مكونات راسخة تعززها وترسيها. النمط الذي كتبت بها الروايتان، ينطوي على بناء هندسي خاص، كما لكاتب عمارته الخاصة، هذا التكوين يتطلب استعمال الوثيقة والتاريخ والمستقبليات أيضًا.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ عن موقع جيرون

0 تعليقات

اترك تعليقاً

الحقول المطلوبة محددة (*).

مواضيع أخرى ربما تعجبكم