تشهد المغرب في الآونة الأخيرة حراكا مهما في الكتابة السردية، فبعد الكاتب العالمي محمد شكري، نجح الكتاب المغاربة في أن يخلقوا مشهدا سرديا مميزا مازال في طور التشكل، ولعل من أبرز دلالات ذلك أن قوائم الجوائز الروائية كالبوكر مثلا، لا تكاد تخلو من الروائيين المغاربة في كل دورة من دوراتها. "العرب" التقت الكاتب المغربي عبدالنور مزين الذي ترشحت روايته الأخيرة "رسائل زمن العاصفة" إلى القائمة الطويلة لجائزة البوكر، وكان لنا معه هذا الحوار.

استطاع الشاعر والكاتب المغربي عبدالنور مزين بعمله الروائي الأول “رسائل زمن العاصفة” من أن يشد إليه الانتباه، ويقنع لجنة البوكر للرواية العربية بترشيح باكورة أعماله السردية إلى القائمة الطويلة لهذه الجائزة المهمة. ورغم اختصاصه العلمي وقدومه من اختصاص الطب، عرف عبدالنور مزين في الساحة الثقافية المغربية كشاعر متميز يكتب باللغتين العربية والفرنسية، وينشر قصائده في كبريات الصحف والدوريات وتوج كل ذلك بديوان شعري وسمه بـ “وصايا البحر”، كما نشر سنة 2010 مجموعة قصصية بعنوان “قبلة اللوتس” وجدت صدى طيبا لدى القارئ المغربي.

وقد انتقل بين عدة مدن من شفشاون إلى الحسيمة مرورا بالرباط ووصولا إلى مدينة الراحل محمد شكري، طنجة أين استقر به المقام وأين كتب "رسائل زمن العاصفة".

رسائل من العاصفة

تمتح رواية “رسائل زمن العاصفة” من ذاكرة جيل عانى المطاردة وتستحضر فترة صعبة في تاريخ المغرب الحديث أو ما يعرف بـ”سنوات الرصاص”، وتستعيد أحداثها المشوقة جوانب من سنوات المطاردة لطلبة المغرب في ثمانينات القرن الماضي من خلال قصة حب رئيسية حزينة وقصص حب أخرى متفرعة.

عن استقباله لخبر ترشيح روايته “رسائل زمن العاصفة” ووصولها إلى القائمة الطويلة لجائزة البوكر للرواية العربية يقول عبدالنور مزين “منحني خبر ترشيح رسائل زمن العاصفة ووصولها إلى القائمة الطويلة للبوكر 2016 سعادة وفرحة غامرتين، لأن مرور الرواية إلى القائمة الطويلة ليس بالشيء الهين إذا ما نظرنا بعين الاعتبار إلى الشروط التي تفرضها الجائزة من الناحية التقنية والفنية، وبالتالي كأي روائي شعرت بفخر واعتزاز كون روايتي حظيت بهذا التشريف الذي يشرف الأدب في بلدي أيضا، وكذلك لما يتيحه ذلك من فرص كبيرة ومتنوعة للتعريف بالرواية على مستوى المغرب والعالم العربي والدولي كي تصل في نهاية المطاف إلى أوسع جمهور من القراء، إضافة إلى تعزيز الثقة في مشروع الكتابة الروائية لدي والتي تعتبر محفزا إضافيا للاستمرار في عملية الكتابة الروائية والأدبية بشكل عام”.

عن الإضافة التي يمكن أن تقدمها مثل هذه الجوائز إلى الكاتب والقارئ على حد السواء، يعتبر ضيفنا أن الجوائز الأدبية بشكل عام، عندما تتوفر فيها الشروط التي يجب أن تتوفر في أي مسابقة من ناحية الموضوعية والحيادية والجدية، تعتبر من بين الأدوات الجدية والهامة في تطوير وتنمية المجالات والحقول الثقافية.

ويرى أن هذه الجوائز تمكن الكاتب من عرض وتقييم منتوجه الروائي من طرف مختصين في الميدان الروائي ذوي خبرة مميزة، وبالتالي الاستفادة من رأيهم من أجل تطوير مشروع الكتابة لدى الروائي. هذا بالإضافة إلى الانتشار الواسع الذي يعقب عادة ترشيح العمل للجائزة أو الفوز بها.

تمتح رواية “رسائل زمن العاصفة” من ذاكرة جيل عانى التهميش والقمع، ويعتبر ضيفنا تلك المرحلة من تاريخ المغرب المعاصر من أشد مراحل المغرب تعقيدا وغنى أيضا بالنظر إلى الأسئلة الكبرى التي تسائل المشروع المجتمعي.

يقول “كان لزاما للتطرق إلى تلك الفترة ومحاولة صياغة تلك الأسئلة أدبيا، من توسل أشكال فنية وتقنيات سردية من شأنها أن تسعف الكاتب في الغوص عميقا في سؤال الذاكرة. فكانت شعرية اللغة سمة من سمات السرد الروائي في رسائل زمن العاصفة بالإضافة إلى تعدد الرواة وتشظي صور الحكي في زمن لولبي حول المعاناة الأم والسؤال الجوهر في الرواية. وقد كان اعتماد تقنية الرسائل وسيلة أخرى أضفت على الحكي صفة الاكتشافات لتلك الأشياء الحميمية كالحب والعذاب والألم والأحلام وحرقة الأسئلة والحرمان من تلك الأشياء الأكثر التصاقا بالحياة الإنسانية كالعشق والحرية أو الإحساس بالغربة في ربوع الوطن. وكان لا بد من قصة أو حكاية بحجم المعاناة وبحجم الحلم أيضا، فكانت قصة الحب والشغف التي ربطت غادة الغرناط بالبطل السارد وكانت رحلة الانكسار بحجم ذلك الحب الأسطوري أيضا، تماما كقصة التيه والضياع التي وسمت حياة جيل كامل من الذين عاشوا وعايشوا تلك المرحلة وما تلاها من إحباط وانكسار على مشارف الحلم الذي يظل هاربا كلما اقتربنا منه تماما كالسراب”.

الكتاب وقارئه

تكشف الرواية الكثير من التناقض في المبادئ واضمحلال في القيم، ويكتشف القارئ ذلك خاصة من خلال بنية الحكاية وطبيعة السرد وغرائبية التخييل، فالرواية تنبني على منظومة من الأدوات الرمزية، يصعب الوصول إلى عمقها دون تفكيكها. كما يحضر بقوة في هذا النص معجم الضياع والغربة النفسية وتشظي الذات.

عن نظرته إلى مستقبل هذا الشباب ومستقبل المنطقة العربية عموما بعدما شهدته من ثوراث وانتفاضات يقول عبدالنور مزين “إن الثورات العربية اندلعت كتعبير شعبي عن الانحباس الحقيقي لإمكانية الحلم بامتداداته الاجتماعية والاقتصادية لشرائح عريضة من الجماهير العربية، لكنها لم تكن تستند على رافعة فكرية على مقاس الحلم، نتيجة لذلك الانكسار القائم في الذاكرة. لذلك فلا غرابة أن يجد الشباب العربي نفسه في دوامة التدمير الذاتي التراجيدي للأوطان في غياب تلك الرافعة الفكرية التي تشكل مقوما مهما من مقومات بناء حلم المجتمعات بالحرية”.

وتعليقا على قول صدّوق نور الدين الذي يقول “إنّ الرواية في المغرب خلقت القارئ المنتمي إلى النخبة ولم تستطع إيجاد القارئ العام. وأظنّ أن تجربة محمد شكري أو محمد زفزاف لا يمكن أن تتكرّر”، يقول مزين “إن إمكانية تكرار أمثال محمد شكري ومحمد زفزاف واردة جدا إذا ما تحققت لدى الكاتب مقومات الكتابة الناجحة، لأن البيئة التي أنجبتهما يمكن أن تنجب غيرهما. المحدد الوحيد في ذلك يكمن في تملك الإمكانيات الفنية والتقنية للكتابة السردية الجيدة فقط، لأن للقارئ العام ذوقا وحسا جماليان يجب أن يجدهما في النص الذي بين يديه من حكاية جميلة ولغة جميلة وعمق فكري جميل أيضا لتحفيزه والتفاعل معه”.

يتابع “عندما نكتب الرواية فنحن في حاجة إلى مسرح أحداث نريده أن يصل إلى القارئ بأكبر قدر من الدقة كي يستطيع تمثله والإحساس به، وإن لم يكن ممكنا وجوده في الواقع فالكاتب يختلقه ويرسمه ويجعله واقعا ممكنا في عملية التواصل مع القارئ. بهذا المعنى تكون للأمكنة المألوفة والحاملة لمحفزات ذات طبيعة ثقافية أو تاريخية أو ذات حمولة نفسية أو روحية وجمالية، سطوة وغواية لا تقاوم عند الكاتب. فالأفضل للكاتب أن يكتب من خلال فضاءات يعرفها أحسن معرفة وإن تعذر ذلك فالتخييل يستطيع أن يملأ كل الفراغات المتبقية”.

عبدالمجيد دقنيش عن صحيفة العرب

0 تعليقات

اترك تعليقاً

الحقول المطلوبة محددة (*).

مواضيع أخرى ربما تعجبكم