طارق بكاري المرشحة روايته ضمن القائمة القصيرة لجائزة البوكر:

رواية «نوميديا» للروائي المغربي طارق بكاري من الروايات الست التي وصلت الى القائمة القصيرة للجائزة العالمية للرواية العالمية «البوكر»، واللافت أنها الرواية الأولى التي يكتبها بكاري، والتي كما يقول ترسي ملامح مشروعه الأدبي وأهم «تيماته». عن هذه الرواية والجوائظ الأدبية كان لنا معه هذا الحوار:

روايتك التي وصلت الى القائمة القصيرة لجائزة البوكر، ماذا تمثل لك بشكل خاص ضمن مشروعك الروائي؟ ـــ أولاً رواية نوميديا تعني لي شخصيّا الكثير، ولها تواشجات عميقة مع ذاكرتي الشخصية، حينَ كتبتُ هذه الرواية كنتُ أدينُ للمكان فيها برواية وكانت «نوميديا» عرفانا للمكان وللهوية. هذه الرواية تمثلُ لي حواراً كانَ لا بد منه مع الذات والذاكرة والفكر، وبالتالي جاءت نيوميديا عصارة جملة من الأسئلة القلقة التي يتعانقُ فيها الخيال والتجربة الواقعية، عناقاً يصعبُ فضُّه.. أما ما تحتلُّه «نوميديا» ضمن مشروعي الروائي فهي على العموم روايتي الأولى وحاولتُ من خلالها أن أُرسيَ الملامح الأولى لمشروعي الأدبي ولأهم تيماته. و«نوميديا» بعد «تألقها اللافت» في جائزة البوكر أعتقد أنها تضعُ لمشروعي الروائي موط.ئَ قدم في الساحة الأدبية العربية وتنقل للقارئ ملامحه العامة، وهي ملامح تراوح بين أسئلة الهوية واستنطاق الذاكرة ومحاكمة الواقع وتجسيد الصراع الوجودي الذي يكابده الإنسان؛ إذ تتنازعه تناقضات الحياة والموت. قبل أن تترشح الرواية لجائزة البوكر، كيف استقبلها القراء والنقاد؟ ـــ طبعاً، هناكَ فرق مهم بينَ استقبال النقاد وعموم القراء للرواية قبل وصولها الى اللائحة القصيرة وبعده، وأعتقد أن الأمر طبيعي، للجائزة صيت ولها شعبية وسمعة طيبة بين أوساط القراء وأمر طبيعي أن تتداول الأيادي الرواية بعد ترشيحها أكثر مما فعلت بعد ترشيحها، وعلى العموم فقد استقبلَ القراء ممن انتهت إليهم الرواية قبل أن تترشح للبوكر بحفاوة بالغة، كانت تتركُ أثرا عذبا في كل من يقرؤونها، أما النقاد، ودائما ممن انتهت إلى أياديهم الرواية قبل الترشيح، فقد أثنوا عليها، لكن بعد الترشح وبعد وصول الرواية إلى القائمة القصيرة لجائزة البوكر فأعتقد أنّ ما تغيّر ليسَ تلقي القارئ أو الناقد للرواية بقدر ما تغير الجمهور الذي وصلت إليه الرواية وصار أرحب. وهنا على وجه التحديد تكمنُ أهمية هذه الجائزة، إنها تستمد قوّنها أساساً من ثقة القراء فيها وفي العناوين التي تقترن باسمها. الاستقبال كانَ على العموم طيّباً قبل الوصول إلى اللائحة القصيرة، كتبت عنها أكثر من مقالة وأثنى عليها القرّاء.. لكنّ قيمة الجائزة تكمن في أنها أوصلت الرواية إلى جمهور أكثر رحابة وهذا هو الأهم. حدّثنا عن هذه الرواية وظروف كتابتها ومضمونها والمختلف فيها. ـــ استغرقت كتابة «نوميديا» زهاء ثلاث سنوات، وكتبت في مناطق مختلفة من ربوع المملكة المغربية بين حل وترحال. الحقيقة أنها كتبت في ظروف أقل ما يقال عنها إنها صعبة على جميع المستويات. رواية «نوميديا» تضع نصبَ عينيها أكثر من تيمة وأكثر من سؤالٍ صعب. لعلّ أهم هذه الأسئلة سؤال الهوية وسؤال الاستشراق. الرواية لبطلٍ يجدُ نفسَهُ لقيطا في قرية أمازيغية مهملة ستسارع إلى لفظه بعيدا عنها. يعيشُ تمزقا في الهوية ويعود الى القرية مثقفا بعد ردح من الزمن، يعيدُ ليسائل المكان ويحاكمَ شتاتَ الهوية ويسفّهَ الصراع الهوياتي؛ إذ ينتصر للإنسان، لجوهر الإنسان بعيداً عن كل الحسابات التافهة التي تفرق أكثر مما توحّد، لكنه لن يعود وحيداً لينزفَ حياتهُ في تلك القرية، معهُ ستأتي جوليا التي ستموهه بأكثر من كذبة وتتحالف معَ طبيبه النفسي من أجل أن تكفّنَ حياته بينَ دفتي رواية، هي القادمة من الشمال تحمل في ذهنها صورة منمطة عن الشرق، طبعاً ستنهارُ أمام أقدام البطل كل تلك المرويات والأحكام المسبقة.. البطل الذي سيتقي بـ«نوميديا» ـــ هذا الطيف الباذخ الحسن والأقرب للخيال ـــ عواصف الذاكرة/ خيانات الماضي، وحروبَ جوليا/ خيانات الحاضر، قبل أن يجدَ منتهاه في قرية البدايات. كأنّ تلك القرية المجنونة لم تستردّهُ إلا لتمعنَ في خرابه قبل أن تستوديَهُ إلى هلاكه الأخيرة. البعض ينتقد الجوائز الأدبية ومنها جائزة البوكر ويرى أنها خلقت حالة من هوس كتابة الرواية من أجل الجوائز. فما تعليقك؟ ـــ أعتقد أنّ ظاهرة الجوائز صحيّة في الوسط العربي لأسباب عدةّ، لعلّ أهمها كونها تعويضاً عن الضعف الشديد في سوق الكتاب، لا أحد ينكر أنّ الجوائز الجادة وعلى رأسها الجائزة العالمية للرواية العربية قد أنعشت سوق الرواية بنصوص جميلة، كانَ الالتفاتُ إلى جمالياتها، سأخذ ردحاً من الوقت، أهمية كل جائزة تكمن أساساً في مدى ثقة. القارئ في اختياراتها وإيمانه في مصداقيتها، ولعلَّ الأمر تحقّق بنسبةٍ كبيرة مع جائزة البوكر. طبعاً الوسط الثقافي يعيشُ حالة هوسٍ بالكتابة من أجل الجوائز، وهذا مؤسف بحق، لكن الخلل ليسَ في الجائزة، وجود جوائز أدبية ظاهرة ثقافية صحيّة والتنافس كذلك شيء ضروري ومهم لأي كاتب ـــ لا سيما إذا كانَ في بداية مشواره ـــ أما بخصوص الهوس فلا أعتقدُ أنهُ جديد، هناك دائما مبدعون حقيقيون وآخرون مزيّفون يميلونَ حيثُ مال الطلب. هي تجارب محكومة بالفشل على أي حال. الأهم أنَّ البقاء للكتابة الحقيقية والمجد دائماً ما يكون حليفَ النص القوي.

عن صحيفة القبس

0 تعليقات

اترك تعليقاً

الحقول المطلوبة محددة (*).

مواضيع أخرى ربما تعجبكم