يحتشد الفضاء السردي بشخصيات تتخذ أدواراً متعددة مؤدية لوظفيتها وتكون جزءاً من تحليل وبينة النصوص السردية وتمثيلاً مباشرة ينطق عن الراوي بالإفصاح عن هوية الشخصيات الروائية. ويُعّدُ المنحى اللغوي في بنية الخطاب السردي حالة استمرار متصلة لإعطاء السرد الروائي طاقته في تشكيل عناصره التي تتشكل وتتمظهر باللغة وأوضح تجسيِّد لها الشخصية الروائية. فتصور الهوية في حالتها السكونية وجوداً وسرداً يتعذر دون لغة كوسيط تتكثف فيه الدلالات الثقافية والمدلولات اللغوية لتضع هوية الشخصية الروائية ببعدها اللغوي والنفسي. إنها ثنائية المطابقة بين الهوية واللغة على نحو ما أستقر في مباحث علم اللغة في قسمها الصوتي Phonology والدلالي في علم العلامات اللغوية Linguistic Semiotics إلى علم السرد Narratology وعلم النفس Psychology ودراسات الفكر النقدي Critical Studies . وإذا كانت الهوية في حيزها المستقل تلزمها أشكال معرفية وادراكية حسية متعددة للتعبير عن وجودها، وإذا كانت هوية الشخصية الروائية وفقاً لمحددات هذه الأشكال على التكيف والحضور على بنية النص الروائي. واللغة كمنظومة تركيبية في وظائفها الادائية تعمل ضمن سياقات اجتماعية وأبعاداً ثفاقياً تقوم على إدراك العلامات المتواضع عليها والمستخدمة بواسطة عناصرها ودلالاتها الثقافية بغية التواصل بين عناصر (هويات) تستوعب تكفيك مرموزاتها المستبطنة التي تنتقل إلى الخطاب الروائي بتجربة تستنفر قواها لتدعيم وإظهار الهوية في السرد الروائي. ولا تفقد الهوية وظيفتها في النص الروائي للشخصية الروائية، إذ ينبغي تواصل الهوية الروائية مع هويات تندرج في النص الروائي؛ في هذا يقول الباحث اللغوي بروفيسور جوزف جون ف كتابة الهوية واللغة: تشير الهوية الذّاتية في النص السردي إلى هوية الراوي، كهوية متأصلة نصياً في بؤرة الخطاب الروائي، وتتضح حين تعبر عن ذاتها. ويتم تعبيرها الإدراكي باستخدام ضمير المتكلم (الأنا) ممثلة في النص ومعبرة في الوقت عينه عن ضمائر غائبة (الشخصيات الروائية). وفي غالب الأمر، إن تتفرد الهوية الذاتية بالرأي والحكم على الأشياء. في الغالب ما تبادر الشخصية بالظهور في مداخل النص الروائي بالوجود المنطقي، وإن لم تدل – بالضرورة – على ثنائية الفكر والوعي، كمتلازمة لتعريف الشخصية في واقعها الطبيعي وحاجتها إلى الوجود كخلفية تاريخية لتطور الشخصية في واقع الحياة، أو في النصوص، ولا يعني بحال تقديم شخصية روائية غير مدركة أو مسطحة بالمفهوم النقدي لنموذج Character الشخصية الروائية، ولكن هناك دائما حالة شخصيةPersonae متكاملة وهوية ذاتية Identity تتخذ من فضاء السرد واجهة للتجلي ذات معاني مترادفة للشخصية أو علامات لفظية تدُلّ على طور الشخصية في الذاكرة وظهور متعدد الأوجه كفرد في التاريخ أو شخصية ذات ملامح لامعيارية. فالشخصية الروائية هي ما يمنح النصّ بنيته، ويوسع من دائرة حضوره كنص ناطق بالأصالة عن إبداع الكاتب. وإذا أدركنا أن الراوي في الرواية عادة ما يكون راوياً عليماً Omniscient في بنية النص الروائي يمثل شخصية تترسخ في فضاء السرد، ومؤسسة بعلامات استدلالية صريحة. ويتابع الراوي مساره في حركة السرد دون أن تختلط هويته الذاتية بشخصية الروائي. ويستند تحليل الشخصية وقراءتها بما تبديه من حراك داخل النص الروائي. فوجهة نظر الراوي تمثل رؤيته وتفسيره للنصوص التي تعبر عن أو تشير إلى وقائع بالإحالة إلى عبارات مؤولة في النص الروائي. على سبيل المثال الجمل التي يتقدمها ضمير المتكلم (أعتقد، برأيي وأظن) يفهم منها في سياق النص الروائي عملية إبداء رأي حول مسألة ما. ويرى الباحث محمد نجيب العمامي في كتابه الهوية الذاتية في الخطاب السردي: ليست للشخصية في السرد بضمير الغائب، قناة خاصة بها تمكنها من تبليغ المعلومة السردية. فكل المعلومات تنتهي إلى قارئ عن طريق الراوي سواء أكان المبئِّر (Focalisateur) أو كانت الشخصية. وهذا الاشتراك في القناة يحتّم البحث عن أسس تدرس وفقها وجهة النظر ويمكن، بفضلها، نسبتها إلى الذات المبئِّرة( Sujet docalisateur) بأقصى ما يمكن من درجات اليقين. إذن فالهوية الشخصية الروائية هي شخصية موجودة بهويتها ضمن الزمن السردي وفضائه، دون أن تفارق وحداتها الزمانية كغيرها من الشخصيات (الروائية) والأحداث المرتبطة بمدارات الزمن السردي في تصاعده الفاعل في بنية النص الروائي. ومن ثَّم، فإن تكوين الشخصية في السرد الروائي يمثل تجربة حياة مستعادة الشكل في بنية الخطاب الروائي بعامة وإسقاطاً للجوانب الذاتية للسارد، إذا كانت بصوت الراوي وموقعه من السرد، أو عبر المستويات السردية الأخرى التي يكون فيها الخطاب السردي متناسباً مع وقع الزمن السردي وسيرورة الأحداث الروائية، وتفسير حاجتها إلى الانتقال والتغلغل في الشخصيات السردية الأخرى. وبما أن الهوية الذاتية للراوي توحي بحركة مطلقة في السرد ولا يحدّها مستوى السرد ومداه أحيانا. إلا أن إدراكها الكلي يظل نسبيا أيضا، وذلك للنسبية المعرفية التي تتسم بها في الواقع الموضوعي المحسوس. إذ إن تجربة الراوي ابتداءاً، تجربة حياتية مقتصرة على ذاتيتها وتتناوب الشخصية هويتها الذاتية السردية على صلتها بمستويات السرد بينها وبين الشخصيات الفاعلة في فضاء السرد الروائي، خاصة ما يعرف الراوي المندرج Homodiegetic Narrator الذي تضعه نظرية السرد ضمن الشخصيات الرئيسة في إنتاج الخطاب السردي الروائي. يكون الراوي في الرواية مرافقاً لشخصية للشخصيات الروائية الأخرىي متقاسماً ومتمثلاً للأحداث الروائية بصوت جهير، ولا يكاد مقطع يخلو من وجوده الفاعل في فضاء السرد. الشخصيات الروائية والهوية: لايعدو أن تكون النص الروائي، نص تنطبق عليه شروط اللغة السردية كإجراء أولى يعرف بجنسها مصنفة داخل الخطاب السردي. وفي جانب آخر تخضع اللغة المكتوبة بها ولغة شخصياتها التي أزاحت عن هويتها إلى جملة من المحددات إن لم تكن الاشكاليات التي تلازم الكتابة الروائية. ومع أن السرد الروائي خطاباً إبداعياً يتسم بطابع إنساني مشترك عميم يتجاوز الاختلاف اللغوي متآخماً لآفاق إنسانية رحبة وهو ما يبرر خلود الأعمال السردية الكبرى في الذاكرة الانسانية. ولكن كما أشرنا، فإن للرواية كنص مفتوح لديها خصوصية لغوية وثقافية وجغرافية أسهمت في خلق هويتها بسمتها الثقافية وإن اختلف المحمول اللغوي المفصح عن تلك الهوية. فالنص الروائي لا يبدي رغائب الشخصيات الروائية بغير تعبير الحالة الإنسانية كما تصورها الخيال السردي أكثر من المفردات اللغوية. لاتتقيد الكتابة الروائية محصورة في إطار الهوية اللغوية وداخل خصائصها الأثنية أو ملامحها البيولوجية فحسب طالما أن المحتوي السردي المتماسك في سرده اللغوي لتتمكن من إعادة توزيع المؤشرات الثقافية وصور التعبير الأخرى على الشخصيات الروائية،وذلك بعكس العوامل المؤثرة على تشكل الهوية السدرية. وعلى خلفية أزمة الهوية المشكلة للنص الروائي الذي يعالج مسألة الهجرة – على سبيل المثال- لديها تأثيراتها السياسية والقانونية على هوية المهاجر الذي تتبدل هويته طبقاً للمكان لحظة تواجده عبر هجرته، فتعدد الصفات التي تطلق على هوية المهاجر وبالتالي تصنف كينونته تحِّول باستمرار هويته، فهو المهاجر غير الشرعي، المشرد، واللاجيء، وطالب اللجوء السياسي، والنازح. فقد يكون الراوي مندمجماً بتجربته الذاتية ضمن شخصيات الرواية وأبطالها المهمشين تظهر عليها علامة تبين هشاشة انتماءها وموقفها من العالم وتخضع لتعريف هويات أخرى. في رواية الكاتب الأرتيري أبوبكر كهال ( تيتانيكات أفريقية) التي تعد من أهم الأعمال الروائية التي عالجت قضية الهجرة والهوية نجد أنَّ المدخل الذي تأسست عليه محاولات الرواي للإجابة عما يطرحه من أسئلة قد تبدو معقدة في - المعالجة والإحالة – تستند على تجربة الروائي الشخصيّة كروائي منتجاً للأدب من واقع أعماله والعالم السردي الذي تتبناه شخوصه الروائية ولا يكتفي بالمدخلات التعريفية في تناول الظواهر الاجتماعية لهوية الشخصية الروائية من حيث السياق الاجتماعي والسياسي والتاريخي. ومن هنا تحال المؤثرات الثقافية من ظاهرة وصفية في التعريف الاجتماعي لا يتوقف خطابها عند حدود الرصد السردي، بل كمعالجة مفترضة في سياق آخر لا تخفف منهجية فنية الأدوات الفنية المستخدمة في التحليل من حدتها ومحاولة فهمها. والهجرة من حيث التوصيف الاصطلاحي، هو أنه لا تحدث إلا في مقابل وجود خلّل في بلد المهاجر، مركز أو ما عرف في الأدبيات السياسية مؤخرا بجدلية دول الشمال المتقدم والجنوب المتخلف (دول جنوب الصحراء). تبدو الهجرة في الرواية ظاهرة اجتماعية انسحبت على المكونات التي يتكون منها المجتمع الأفريقي والإنساني بعامّة، ومن ثم الدولة، المؤسسة المدنية التي تفرض وتطبق وتحتكر حق تفسير حرية الإنسان في اختيار موطنه. فق ركزّ الروائي على هوية الآخر (المهاجر) دون تأطير جهوي أو إثني أو سياسي وأشاد – برأيه- فضاءً روائياً حيث سؤال المعنى والوجود. وبهذا يكون النص الروائي تعويضاً عن المحيط الفيزيقي للإنسان من جغرافيا وأواصر عائلية ومؤسسات رسمية تصعيداً لمأساة الهجرة إلى فضاء تعبيري تتجلى فيه مأساة الهجرة غير الشرعية وظرفها الإنساني.
إذن يحوِّل السرد الشخصية الروائية الى مصدر إلهام في بناء الروائي للرواية في مسارات متداخلة بقصد إعادة التعريف من حيث المقاربة الموضوعية كمصطلحات علم الاجتماع وقدرة اللغة في إعادة التعريف بالفئة المستهدفة بالدراسة أو الكتابة. فالشخصية الروائية وما تمثله حالة من المنازعة وموقف له متغيرات تدفع به إلى أقصى درجات المواجهة تفاعلا بين شخصية المهاجر وقوة الإزاحة الاجتماعية التي لا تني في إبقائه حيث هو. فالشاهد أن النصوص أو المعالجات التي تتناول الهجرة غير الشرعية تحاول من خلال آليات البحث التوصل إلى التحليل من خلال مركبات الظاهرة نفسها كالدراسات وعمليات المسح الاجتماعي وما يندرج تحت إطار – باللغة الاكاديمية الدارجة – البحث العلمي. ولكن كيف للأدب أن يتناول ظاهرة تخصُّ الفرد أو الإنسان ومأزقه الوجودي كما تبدى على النص الروائي.
تشكل الهوية الذاتية في الرواية هوية شخصياتها الروائية على النص السردي دون أن تنزع عن روابطها القارة في خطابها الثقافي وتركيبها التأريخي والجغرافي. وتظل هوية الشخصيات الروائية تحمل علاماتها التي تشير إلى مركباتها العضوية كالجنسيات والأسماء والناريخ واللغة والذاكرة وغيرها من الصفات التي تعرّف بهويتها.

ــــــــــــــــــ

  • كاتب ومترجم من السودان.

الرواية نت

0 تعليقات

اترك تعليقاً

الحقول المطلوبة محددة (*).

مواضيع أخرى ربما تعجبكم