المدخل :
تستمد الرواية مفهومها، وتعريفها الاصطلاحي من طولها، وسردها التفصيلي المسهب للأحداث، ومن تنوع الشخصيات، وامتداد الأزمنة فيها، وتعدد الأمكنة .

الموضوع:
  من خلال قراءاتي لكثير من الروايات، أو بعض ما تسمى  روايات، ألاحظ  أن بعض الكتاب ( لاسيما الشباب منهم) لا يفرقون  بين مفاهيم وتقنيات القصة، والرواية؛ ففي ظنهم الجزمي أن الرواية هي مجرد قصة طويلة، وكلما طالت كلما استحقت أن تكتسب معنى ومفهوم الرواية بظنهم .. وهذا اعتقاد خاطئ منهم، بحاجة إلى تصحيح وتصويب.

▦ الرواية ليس معناها إطالة الحكاء بأسلوب ،وتقنيات القصة القصيرة، أو الطويلة العادية.
الرواية لابد أن تتسم بخصوصيات تميزها عن القصة القصيرة، والقصة الطويلة وفي مقدمة ذلك :
لابد أن تصنف الرواية إلى موضوع، وإطار يحددهما، ويخطط لهما الكاتب سلفًا، لتسير الرواية وفقهما ،ابتداءً وانتهاءً .

ولنأخذ الإطار التاريخي - كمثال، في هذه المقالة؛ باعتباره السائد في الروايات العربية المعاصرة، والحديثة؛ حيث يختار، أو يقتطع الكاتب لروايته وأبطالها وشخوصها مكانًا، وزمانًا محددين بفترة تاريخية معينة من التاريخ المعاصر، أو القديم، وفي هذه الفترة من الزمان، والمكان يقوم الروائي بإنجاز عمله الروائي. وليس من الضروري أن يكون الموضوع تاريخيًا محضًا ، فقد يكون عاطفيًا محضًا أيضًا ( كما في بعض  روايات أحلام مستغانمي، (مثلا) أو دينياً، وقبلياً، واجتماعيًا ( كما في بعض روايات محمد الغربي عمران، أو محمد عبد الولي - في اليمن  )، أو حتى خيالياً جامعًا بين التاريخي، والواقعي، كما في بعض روايات الروسي تولستوي، والفرنسي "بلزاك"، وقد يكون الموضوع فنتازياً، وتدور أحداثه في فضاءات وهمية ،وتعتمد على الأشياء الخارقة للطبيعة، مثل رواية "دراكولا" -مثلاً - (تعني ابن التنين) ،والتي يسيطر عليها طابع العصور الوسطى،وألفت في العصر الفكتوري .هذه الرواية تعتمد على إطار تاريخي يعود لشخصية "دراكولا" الحقيقي وهو اسم عائلة حاكمة، وأحد حكامها هو "فلاد الثالث ،والملقب "بـ(دراكولا).

▦ وفي اليمن - مثلاً-  لا نعدم وجود مثل هذه النوعية من الروايات الفنتازية الحديثة جدا، التي تدور في فضاءات الرعب،كما في روايات رستم عبدالله : "أرض المومياء" ومدينة "الموتى"، وكل منهما اتخذت لها إطارًا تاريخياً زمنياً ومكانيًا، ف(أرض المومياء) كمثال، تقع أحداثها بين مدينتي مأرب، والمحويت، ويجعل الكاتب من العام 2015 بداية لأحداثها، وهو عام اندلاع الحرب في اليمن .

▦ والخلاصة في هذه النقطة هو أن يختار الروائي الإطار التاريخي الزمكاني المناسبين؛ لرصد أحداث روايته، مع مراعاة ربط تلك اﻷحداث بالواقع المعاصر وعكسها عليه..هذا شرط رئيسي للرواية الحديثة، والمعاصرة.
هذا من الناحية الموضوعية، والتأطير، كمثال مختار .

أما من الناحية التقنية للعمل الروائي فلابد فيه من تقسيم الرواية إلى فصول ، أو وقفات سردية، ويبني روايته على عدد كبير من الشخصيات ، تتضمن عددا من الشخصيات الرئيسية، والثانوية، المرتبطة بالشخصية الرئيسية لسرد أحداثها؛ عكس القصة،  التي تنبني على شخصية رئيسية محورية واحدة ، وتكون شخصيات الرواية كلها مرتبطة ارتباطًا رئيسياً بالشخصية المحورية. ولا يمكن للرواية أن تكتفي بشخصية رئيسية واحدة؛ ﻷن الشخصية الواحدة لا تخدم أغراض الرواية وتوجهاتها ،ولا تغطي الرسالة التي يود الكاتب إيصالها للمتلقي .

■  ومن حيث الزمان والمكان، فالرواية لابد أن تغطي حقبة زمنية طويلة تمتد ﻷشهر وسنوات، وليس مثل القصة التي قد تقتصر على موقف، أو لحظة أو يوم واحد ،وتأتي فيها اﻷشهر والسنوات عرضية كمثل قولنا : "مر شهر...." أو قولنا : "وبعد عام..." ..أما الرواية فلا عرضية فيها، كما القصة، ولا بد أن يأخذ الزمن فيها امتداده؛ مشتجرا مع اﻷحداث والوقائع ، يتشارك فيه المكان الذي يمتد أيضا ليشمل تنقلات مختلفة : مدن ، وأرياف، وشوارع ، وضواحي، وأحياء، وأزقة ، وحارات  ووو....عكس القصة التي قد لا تتجاوز المكان الواحد..

وعن الحبكة في الرواية فلابد أن يكون فيها حبكة رئيسية، مثلها مثل القصة، لكن الاختلاف هنا هو أن الرواية لابد فيها من حبكات فرعية عدة تبعًا للفصول، أو الفواصل والانعطافات السردية، ونوعية الوقائع واﻷحداث التي تتخلل السرد.
ومثل ذلك يقال عن الذروة ( نقطة التوتر الصراعي) التي لا تقتصر على ذروة حدثية واحدة، وإنما تتنوع وتتعدد، تبعا للوقائع، ونقاط الصراع ، وهذا لا يتوفر في القصة التي تعتمد على ذروة رئيسية واحدة تبعا للحبكة الرئيسية المركزية .
ومما يتم التنبيه إليه هو الآتي :
••أفضل الروايات هي ماكانت بضمير (العالِم) وهو السارد الراوي؛ ليستطيع الروائي أن يدير اﻷحداث كما يشاء ويتحكم بها كما يريد .
•• أن يكون كل فصل منقطعًا عما سبقه وكأنه قصة منفصلة عما سبقه، ثم تتحد الفصول في نقطة ( التلاقي ) وهي نقطة اتضاح اﻷحداث، لتأتي الذروة والانفراج .
•• ألا يكون الحوار هدفًا للسرد بحيث يتخذه السارد كغاية لكشف التفاصيل الروائية وبالتالي تتحول الرواية إلى فصول من الشخصيات المتكلمة : (قال، وقالت، وقلت، وقيل، وأجاب ،ورد، وردت، وتساءل ، وصرخ ، وتمتم ، وغمغم ، وهمس قائلا ، قائلة...إلخ ) .
•• مع التنبيه إلى أهمية أن يكون الحوار بالتتالي، وليس بالتساوق السطري ، فلا يكون القول وإجابته متتاليًا في سطر واحد، كما نرى في بعض الروايات، مثل :
قالت له: إنني أشعر بالضيق ممن حولي، فأجابها: وأنا كذلك ....الخ.
•• ناهيك عن أن الحوار هو وسيلة ﻹيجاد روابط بين الشخوص الرئيسية والشخوص الثانوية؛ نفاذًا إلى دواخل تلك الشخصيات وعالمها النفسي لخلق إحداثيات نصية محددة.
وليس الغرض من الحوار أن نجعله غاية للوصول إلى حبْك الوقائع العامة، وتسيير الأحداث وفق نتائج حوار الشخوص؛ حتى لا يأخذ الحوار مهمة السارد، ويحجمه ويقلل من كفاءة المسرود وجمال الانعطافات الوقفية للمسرودات .

-------
أديب وناقد من اليمن

0 تعليقات

اترك تعليقاً

الحقول المطلوبة محددة (*).

مواضيع أخرى ربما تعجبكم