آدم يوسف روائي تشادي، وأكاديمي متخصص في الدراسات الإفريقية العربية، وأستاذ الثقافة والأدب الأفريقي في جامعة افريقيا العالمية في الخرطوم.  

في العام 2004، نشر آدم يوسف أول رواية بعنوان "سندو"، لتكون أول رواية تشادية مكتوبة باللغة العربية،

له مجموعتان قصصيّتان (الأشواك، كالصريم) وروايات ثلاث (سندو، أنجمينا مدينة لكل الناس، أعشاب تنمو في أي مكان)، كما صدر له كتب في الفكر والأدب والسياسة.

يرى آدم يوسف أن السرد العربي الأفريقي في تشاد تطور بشكل ملحوظ، وبدأ يتجاوز الشعر، ويضيف: "بعد نشر رواية سندو بدأ يتشكل وعي جديد عن الكتابة الروائية".

ـ روايتك (سندو) أول رواية مكتوبة باللغة العربية في تشاد؟ ما الذي دفعك إلى الكتابة باللغة العربية؟ 

ـ بدأت العلاقة تلقائية بحكم نشأتي الأولى في المملكة العربية السعودية حيث درست المرحلة الابتدائية، لكن العلاقة بالكتابة بدأت في أنجمينا في المرحلة المتوسط وتمثل لي هبة أو هدية، اللغة هبة وهدية من الانسان إلى أخيه الانسان، وكذلك هدية السماء، وهي مسألة خاصة.  وقد زاد شغفي واقع تشاد على الكتابة باللغة العربية بحكم الشارع والمناخ العام أو البيئة، التي كانت مزيج من الحياة العربية الإفريقية في كثير من القضايا والأفكار.  في بعض الأحيان أشبّه هذه العلاقة (علاقة اللغة والكتابة) بعلاقة الآلة الموسيقية مع الانسان، فكل شخص يختار الآلة التي تجد قبولا في دواخله، فهناك من يهوي البيانو وآخر الجيتار. وكذلك اللغة فهناك من يجد هواه مع الانجليزية وآخر الفرنسية أو العربية وبلا شك هناك عوامل تتداخل وتتشابك وتتطور في هذه الحالة اللغوية (اللغة).

كما أنني عشت وسط المجتمعات العربية، سواء في السودان أو مصر أو المملكة العربية السعودية. وزرت بعض الدول العربية، وفي بعض المجتمعات الافريقية مثل المجتمع التشادي هناك تواجد عربي كبير وعلاقات ممتدة.

ـ كروائي تشادي، يكتب باللغة العربية. ما هي التحديات التي تواجهك؟ 

ـ بالنسبة لي كفرد ليس أمامي تحديات، بحكم تجربتي، أجد اتصالات ودعوات للمشاركات الخارجية وفرص نشر، لكن بلا شك يواجه الراوي التشادي تحديات مثل أي كاتب افريقي يكتب باللغة العربية، صعوبة نشر الأعمال، غياب التواصل بينه وبين المجلات الثقافية والصحف.

 إن كتابات الكاتب الافريقي بعيدة من متناول الإعلام العربي، وصوته لا يصل إلى أي مكان. الافارقة الذين يكتبون بالعربية يواجهون تحديات واشكالات، وواقع الروائي التشادي والافريقي متشابه لكنه أفضل بحكم دول الجوار العربي كالسودان وليبيا، بالإضافة إلى التعليم العربي من خلال الدراسة في مصر والمغرب العربي، وكذلك الجاليات التشادية في الخليج، ودفعني ذلك بتأليف كتاب عن اللغات في افريقيا، وأوردت جزء من هذه التحديات في مبحث خاص، أولها صعوبات النشر، وانقطاع التواصل الثقافي بين الدول الأفريقية والوطن العربي، فالعربية محدودة في افريقيا ومحيطها. والمجتمعات العربية غير موجودة في الإعلام الأفريقي ولا المراكز العلمية ولا حتى المؤسسات الأكاديمية في افريقيا جنوب الصحراء إلا ما ندر ، وتواصلها يكاد يكون ضعيفاً حتى بين المشرق العربي والمغرب ، وفي وسط وشرق وغرب افريقيا محدودة وتعد لغة الدين الاسلامي عند الكثير من المجتمعات الافريقية.

 - في رواياتك "أنجمينا مدينة لكل الناس"، و «سنْدُو" كتبت عن الإنسان الافريقي وما يتعرض له من قهر وتهجير وعنصرية. إلى أي مدى يشغلك الإنسان؟ 

ـ في البدء كان الإنسان الافريقي من صميم اهتماماتي، ومع مرور الوقت بفضل التجربة أدركت أن الإنسان هو الإنسان، ونبض هذا الانسان في اللغة، الافريقي الذي يتكلم العربية لا يجد نفسه وروحه إلا مع إنسان هذه اللغة، والإفريقي المتحدث بالفرنسية يجد نفسه مع الفرنكفوني. أذكر أنني كنت قبل 6 أشهر في الجزائر لحضور مؤتمر دولي، مؤتمر عبد الكريم المغيلي، حضر المؤتمر أكثر من 200 مشارك من إفريقيا وحدها وعدد من خارج القارة، وفي فترة قصيرة خلقت علاقات وطيدة خاصة مع الجزائريين وهذا طبيعي، ولكن أثناء دخولي لقاعة الضيوف وجدت الحارس يقول لي ممنوع دخول الجزائريين وهذه القاعة للضيوف فقط، جاء أحد المشرفين وأخبره بأني من الضيوف، رد له بأنه رآني أمزح مع الجزائريين بشكل لا يوحي بأنهم يتعاملون مع ضيف. الخلاصة: اللغة تكسر الحواجز وتفتح مسارات وأبواب لفهم دواخل الإنسان؛ أسلوبه، وعاداته وتقاليده وقيمه وروحه، وقراءة أفكاره، باللغة تستطيع فهم الانسان والدخول إلى قلبه وروحه بطريقة سهلة ولا يمكن فعل ذلك بأي وسيلة أخرى، والقهر والظلم والعنصرية نجدها اليوم في عمق الدول الافريقية نفسها، وهذه واحدة من أكبر المآسي التي تواجه القارة.

العالم ليس بريئاً، وبعض من الطغاة والعنصرين يصورون اليوم وكأنهم أبطال، يجب أن نتعلم البقاء في الأمكنة التي تقدر الإنسان الذي فينا، فالحقيقة أصبحت غريبة، والإنسان الذي انقطعت به السبل؛ لا يعني أنه بلا أرض ووطن أو أنه أقل منا، إنما عبوره امتحان أراد أن يحرك الانسان الذي بداخلنا، فإن لم يتحرك فقد فشلنا أمام أول اختبارات الطبيعة، الإنسان بلا مشاعر أو أحاسيس لا يسوى شيئاً، وكل موقف عنصري قصة من ورائها رواية مؤلمة تقف خلفها ثقافة مشوهة.

يقول المثل الافريقي الطفل الذي لم تحتضنه قريته سيحرقها ليشعر بدفئها. آمل ألا يتحول الافارقة إلى أدوات لحرق إفريقيا، وفي النهاية لا يدافع عن الإنسان إلا الإنسان، وكل عنصري سجين نفسه، كتبت عن المعلم المقهور والاسكافي، والمواطن البسيط والجندي، والعتالي (الحمال) وغيرهم، لا لشيء إلا لأنني واحداً منهم قدرة الانسان على التفكير، هي نفسها روح ملهمة، يجعل مشروع الكاتب رواية لا تنتهي.

 ـ ما هي أسباب غياب الأدب الافريقي المكتوب بالعربية، تشاد تحديدا عن ذهن القارئ العربي؟

ـ الأدب الافريقي المكتوب باللغة العربية وليد التجربة بدأ يتبلور الآن ويتشكل، بلا شك هناك تحديات، تحديات تواجه المبدعين الذين يكتبون بالعربية في إفريقيا مثل: غياب المطابع ودور النشر، فالمبدع الافريقي الذي يكتب بالعربية محروم من ايصال صوته إلى القارئ العربي ومحروم من جميع اشكال المشاركات مثل المؤتمرات والإعلام المرئي أو المسموع أو المقروء والفعاليات الثقافية إلا ما ندر منها وهذا جعله يعيش في عزلة ووحدة ومنقطع عن العالم، وقد يعود الأمر إلى الوضع العام للأدب العربي فالانقطاع نجده أيضاً بين المشرق والمغرب العربي بخلاف كًتاب الفرنكفونيين والانجلفونيين في أفريقيا.

  فقد تجد كاتب افريقي يكتب بالعربية، لديه أكثر من خمس مؤلفات ولا يستطيع طباعة كتاب واحد في حين أن مواطن آخر من بلده، لأنه يكتب بلغة أوربية تقدم له حوافز في أول عنوان، فالوضع عموما في الكتابة العربية ليس هيناً، فأنت تكتب وتراجع وتبحث عن دور نشر وتدفع للطباعة وأيضا للتوزيع وقد لا تجد حتى مردود الطباعة.

 فالكِتابة باللغة العربية تعدّ ممارسة شاقة للأفارقة الذين يكتبون بها، فصوتهم لا يصل إلى العالمية، ولا أفكارهم تطرح لتناقش أو تحلل. فالكثير من الكُتاب المتميزين في إفريقيا لم يتمكنوا من المواصلة، والنشر على الرغم من جودة أعمالهم نضوجها، فالفرص والإمكانيات محدودة، والبيئة غير مهيئة. وإن كانت الكتابة في بعض الأحيان تعدّ مسألة مصيرية أو شخصية، فكل كاتب له رؤيته وفكره. كما أن الموضوعات التي تناولها الكاتب الأفريقي تقليدية لم تستطع إغراء القارئ العربي وتحفيزه، بمعنى الاسلوب والتقنيات الفنية والمضمون تقليدية، الكتاب الأفارقة الذين يجتهدون ليقدموا لونية جديدة يتفردون بها لم يتم تسليط الضوء على أعمالهم، تجاهلهم الإعلام العربي وأقلام النقاد.

ـ هناك جيل جديد من الروائيين التشاديين يكتبون باللغة العربية. هل نستطيع القول إن هناك رواية تشادية؟

 ـ السرد الروائي لديّ الجيل الجديد حتى الآن لم يخلق بصمة خاصة حتى في المفردات فهو ما زال امتدادا للسرد الروائي القديم، في الشكل والأسلوب والتقنيات وحتى الأفكار والمصطلحات.

 أن نقول هناك رواية تشادية، نعم ولكن مازال الأدب الروائي التشادي يتشكل؛ فإن جمعنا كل الروايات التشادية المطبوعة وغير المنشورة فهي لا تتجاوز (30) رواية، وهذا عمل كاتب روائي واحد في الوطن العربي، في السودان قبل عامين ورد في تقرير للأستاذ عاطف الحاج عن الرواية السودانية، فقد طبعت في سنة واحدة (240) رواية، وفي مصر نجد أن العدد ( 30 ) رواية مجمل أعمال كاتب واحد، فالرواية تشق طريقها وبدأت تشكل مرتكزات لها، والجيل الجديد لم يقدم جديدا حتى الآن ، وإن كان وجودهم في الفضاء الالكتروني مثل الفيس بوك ساهم في تسليط الإعلام في بعض الاحيان . وهذا الظهور على الرغم من ايجابياته إلا أنه حجب أسماء مهمة في داخل تشاد مثل احمد جابر وعبدالقادر ابه وغيرهم. كما أنهم أكثر حماساً واهتماماُ من الجيل السابق.

- من هم قراء الأدب التشادي المكتوب باللغة العربية؟ 

 ـ الجيل الجديد من الشباب في تشاد جيل يهتم بقراءة النصوص، فهم القارئ الأول للنصوص، وحتى هؤلاء الشباب يهتمون بالنص بعد اجازته من الخارج، فإن كُتب حوله مثلا، وما يدور في الفضاء الإلكتروني للأسف بعيد عن واقع الأدب العربي الإفريقي، لأسباب منها: عدم التعمق ومنها التعجل في إطلاق الأحكام من دون دراسة وتخصصية. السرد العربي الأفريقي في تشاد تطور بشكل ملحوظ، وبدأ يتجاوز الشعر، نعم كان الشعر يتفوق في التسعينيات حتى أواسط الألفية، ولكن بعد ظهور رواية "سندو" بدأ يتشكل وعي جديد عن الكتابة السردية، ومن ثم ظهرت رواية "إنجمينا مدينة لكل الناس" التي نشرت في سلسلة حلقات في جريدة انجمينا الجديدة التي احتضنت عدد كبير من كتاب السرد من الشباب وظهرت لهم أعمال فيما بعد. تراجع الشعر العربي في تشاد وإن كان هناك ظهور جيل مبدع من الشباب، إلا أن الرواية بدأت تتقدم وظهرت أعمال بشّرت بمستقبل العمل الروائي، يؤسفنني اننا نقدم صور مبتورة عن السرد التشادي مما جعل القارئ العربي تائها في مسألة تتبع الأعمال السردية في تشاد.

في الجيل الأول ظهرت كتابات لآدم يوسف، والهادي محمد، وموسى شاري، وأحمد جابر، وأدم احمد موسى، وإدريس جمعة، وتخللت هذه الأعمال روايات وقصص ومسرحيات، كتبت حولها رسائل علمية مهمة. وبعد ذلك ظهرت رواية "لعبة القدر" لزكريا يحيى، وتميز بأنه الكاتب الوحيد الذي يكتب وينشر محليا من دون الاهتمام بالنشر الخارجي، وجاءت رواية "أصداء الماضي" لأحمد بين، وصلاح البلالي، ومن بعد ذلك برزت ظاهرة مهمة جدا في السرد التشادي وهو ظهور كاتبات، فالشاعرات قليلات مثل ساكنة زايد ولكن السرد تميز بشكل ملفت بظهور اديبات تتقدمهن المبدعة كوثر سالمي والساردة سمية حماد، وفاطمة هارون، وفاطمة نهار، وسعدية محمد، وعبير يونس يوسف صاحبة رواية "فتاة انجمينا"، نشرت عملها وهي لم تتجاوز العشرين من العمر.

  وفي الجيل الجديد نجد الروائي طاهر النور، وروزي جدي، وعيسى الامين واخر الأعمال للشاب ابراهيم يوسف محمد صاحب رواية "أوراق النيم". وفق تقديري فإن العمل الروائي التشادي تقدم بشكل ملحوظ، اولاً من حيث الدراسات التي تناولته، والرسائل العلمية التي كتبت حولها. عندما كتبت رواية "سندو" لم يكن البعض في تشاد يعرف معنى الرواية واعتبر بعض الكُتاب كتابة قصة ضرب من ضروب اللهو والعبث، لكن الان نجد دراسات من الجيل الجديد حول هذه الأعمال. بالنسبة لواقع السرد نجد أقلام كبيرة في الوطن العربي تناولت هذه الأعمال بالدراسات والتحليل، ولا نجد ذلك في الشعر، نجد طباعة أعمال كثيرة ولا نجد ذلك في الشعر، ونجد طبعات متكررة مثل رواية "سندو" الطبعة الخامسة و"سمفونية الجنوب" الطبعة الثانية و"كالصريم" الطبعة الرابعة و"اصداء الماضي" الطبعة الثانية و"ساطور وسكاكين" الطبعة الثانية، واتواقع الطبعات ستكون تباعا.

السرد الروائي تجاوز خارطة تشاد فمثلا نجدها في المؤتمرات العلمية، والمهرجانات، وعلى صفحات المجلات المحكمة والثقافية وكل ذلك غير متوفر في عالم الشعر. قبل عقود أطلقت حكم أن الشعر التشادي يسود المشهد وكان ذلك في الماضي وذكرت حينها الأسباب والأدلة، ولكن الآن يتجاوز السرد الروائي الشعر بشكل واضح وهذا لا يعني أن الروائي أفضل من الشاعر، إنما حظ الروائي أنه جاء في زمن تجد الرواية مساحة أكبر من الشعر واهتمام أكثر، ولهذا كان أثر الرواية بارز وكذلك استطاعت الرواية أن تنقل الأفكار والقضايا في مشاهد ورؤى جعلت الشباب يقبلون عليها.

ـ ماذا عن الطقوس التي تمارسها عند الكتابة؟

ـ عادةً أكتب على ورق أبيض غير مسطر (A4)، وإن أكملت راجعت النص، بعدها أعيد الكتابة مرة أخرى ومن ثم أقوم بطباعة النص على الكمبيوتر. لا أستطيع الكتابة مباشرة على اللابتوب كما يفعل بعض الأصدقاء، ليس لدي وقت محدد للكتابة. كثيراً ما قضيت وقتي في ممارسة الكتابة في المنزل، إلا في بعض الحالات أدّون الأفكار أو أسجل فقرات وأنا في المكتب أو في مقهى أو في أي مكان خارج المنزل.

ـ كم تضم مكتبتك من عناوين تقريباً؟

ـ لدي مكتبة ضخمة، في الأدب والفكر والثقافة، وأهم قسم فيها هو قسم الدراسات الافريقية، وأستطيع القول قد تكون مكتبة متميزة في الأدب والدراسات الإفريقية، وتواصلت مع برنامج يقيمه الشباب في تشاد برنامج "أقرأ" ووعدتهم بأني سأهديهم في كل عام 100 كتاب. وفي الحقيقة إن تأسيس مكتبة في ظل الإيجارات وعدم الاستقرار مسألة مرهقة على حد تعبير الروائي بورخيس والروائي الافريقي بن اوكري في التنقل والترحال.



0 تعليقات

اترك تعليقاً

الحقول المطلوبة محددة (*).

مواضيع أخرى ربما تعجبكم