كيف عرّفتني روايتي "نجم الدين صانع العطور" على نفسي..
تمر بنا أحياناً لحظات نشعر بها أن الزمن قد توقف أو أنها تحدث بالحركة البطيئة، استيعابها يأخذ وقتاً أطول كثيراً من زمن حدوثها..
لحظة تمرّ في لمح البصر لا يعود بعدها شيء كما كان، بينما يواصل العالم من حولك دورانه بوتيرته المعهودة دون أن يشعر بك أحد.
لا أحبّ أن أقول للأسف، ولكن لحسن الحظ، مررت بإحدى هذه اللحظات أثناء كتابة روايتي نجم الدين صانع العطور.
رواية نجم الدين صانع العطور رواية خيال تاريخي، لذلك استغرق جمعُ المعلومات التاريخية لتلك الحقبة الزمنية جهداً كبيراً مني، وما يقارب العامين من الوقت، وتزامن ذلك مع وقوفي على أعتاب حياة جديدة، ومرحلة فاصلة في حياتي، شملت تأسيس منزل جديد، ولذلك كنت أحمل كل مقتنياتي الثمينة ومن ضمنها جهاز الأيباد الذي كنت أستعمله في الكتابة معي في تنقلاتي دائماً.
وفي إحدى الليالي وفي طريق عودتي الى منزلي اعترض طريقي شخص لينتزع مني حقيبتي التي حملت كلّ جهدي في الرواية من مفكرات وقصاقيص أوراق وجهاز الأيباد في لحظة شلّتني صدمتها لأقف غير قادرة على استيعاب ما حدث..
لم يكن فقداني لكل ما له ثمن في تلك الحقيبة مؤلماً أكثر من فقداني لكلّ ما يخصّ روايتي.. كلّ ما جمعته من معلومات وكلّ ما كتبته طوال عامين ولم أحفظه بأي شكل من الأشكال.
لحظة تجمد بها الزمن لأفيق بعدها وأبدأ بالذوبان..
كيف سأعيد كتابة ما فقدته وقد تعديت في الرواية المنتصف؟ كيف سأستعيد كل المعلومات التاريخية التي جمعتها على مرّ عامين وكم سيستغرقني ذلك؟
في لحظة انهياري تلك كان من المنطقي أن أستسلم أن أمزّق تلك الصفحة وأنسى الأمر ولكن..
في عقلي لك يكن الاستسلام خياراً ولم يكن نسيان تلك الرواية الغالية التي تعبت عليها كثيراً خياراً أيضاً. ومن دون تفكير بدأت في الكتابة مجدداً من نقطة الصفر، لم أكن أذكر الكثير مما كتبته سابقاً، فأعدت كتابة كلّ شيء من البداية، وبحثت وجمعت المعلومات مرة أخرى وانتهيت من كتابتها خلال أشهر.
عندما أذكر تلك اللحظة الصادمة أشعر بالغصة لأسباب كثيرة، ولكني أشعر بالكثير من الامتنان لأني اكتشفت وقتها كم أنا متماسكة وقوية، أو ربما لأني اكتسبت الكثير من القدرة على التماسك والقوة بسببها.
وكانت النتيجة أن صدرت رواية نجم الدين كما كنت أتمنى واتخيل، ولاقت التوفيق الذي يستحقّه كل ذلك التعب والإصرار، وكانت العتبة الأولى لحياة جديدة عرفت فيها عن نفسي جوانب لم أكن أعرفها من قبل.
0 تعليقات