Some books are to be tasted, others to be swallowed, and some few to be chewed and digested...  

Francis Bacon

بعض الكتب يجب تذوقه و البعض ابتلاعه، و عدد قليل مضغه و هضمه.. 

فرانسيس بيكون.

لن يكون الكتاب تجربتي في كتابة الرواية [1] الوحيد لجراهام جرين [2]؛ المتفرد بموضوعه والثر بمادته؛ من شأنه أن يغنيك عما شاكله من كتبه الغزيرة؛ لكنه ضم بين دفتيه نتفا متآنسة هنا، و إشارات متفرقة هناك في عناد؛ تركها جرين تحتفي بنفسها بفخر؛ مؤتلفة في وحدة الهدف؛ رام منها الكاتب الوقوف على محطات فارقة من تجربتيه الحياتية؛ التي امتدت عمرا (1904-1991)، والإبداعية؛ التي أثثها رحلة طبعتها الرواية بميسم الزخم اللافت، منذ أول عمل كتبه " الرجل الذي بداخلي-1929- ، حتى رواية " د فيشر من جنيف- 1980 - وهي رحلة تهم كل عاشق للرواية قراءة أو كتابة. 
وعنها تمخضت تلك النتف النابعة من حياة زخرت عطاء؛ وقد تخللتها لحظات انفردت بتسجيل ما عنت للمبدع لحظة انصهاره في أتون فته. وما برح يتحداها؛ عاقدا الأمل على نيل قبس من هالة الإبداع التي تراود قلمه في حله وترحاله؛ يجوب بها دروب الخلق بضناه الملحف و كآبته الجامحة قبل أن تستوي ماثلة في رواية أو ما شابه؛ وقد عبرت به تخوم الذات انطلاقا؛ وعرجت على الأزمان الرخوة والأمكنة الرطبة. فقد وطن قراره على الإذعان لها مهما كلفه؛ وهي لا تنفك تستدرجه؛ لعلها توقفه على انبثاق خاطرة شاردة أو التماعة من فكرة متمردة؛ من شأنها أن تقوده رأسا على ما شغله وقتا، وبات اللحظة رهبن ما خطت يداه.
قراءتنا الأولى للكتاب لفتنا في غماره بحماس؛ كنا نغذ فيها الخطى ونحن نعبر الصفحات دون حصر ما لاح لنا. ما انفكت أن تباطأت مع هاجس رافق القراءة الثانية؛ فقد عن لنا أن نجمع شتات ذكريات جراهام جرين في كتابته الرواية، وطاب لنا أن نربطها بخيط ناظم نراقب مجرى طبوغرافيتها المائع من حوض تجمعها الجارف؛ مرورا بقناة جريانها السيالة؛ وانتهاء بمخروط انصبابها الماتع. عبرت به محطات مسارها السالك لتذكرنا بالعود الأبدي؛ منذ كانت فكرة إرهاصا، واختمرت جنينا؛ إلى أن باتت رواية قائمة الذات عيانا.
في البدء كانت الكلمة:
•    وبقيت القصة في خلفية ذهني، تخضع لعمليات الانتقاد الذي يقوم به اللاشعور.(ص132)
•    كقاعدة، أنا لست من الكتاب الذين يدونون الملاحظات من أجل كتابة رواياتهم. ما عدا كتب الرحلات(ص141)
•    وعلى عكس ما يفترض البعض. من أن الأماكن التي زرتها كانت مصادر لرواياتي. فنادرا ما حدث ذلك. فلم ابحث عن مصادر، ولكنها الظروف التي رمتني هناك. وربما غريزة الكاتب هي التي دفعتني لشراء تذاكر السفر لأماكن مختلفة.(ص 6)
•    أوحى إلي بموضوع الرواية- إنه ميدان المعركة - حلم رأيته، ثمرة أسابيع القلق التي عشتها. يحكم علي بالموت بسبب جريمة. وقد وجدت في يومياتي قطعة من الشعر الخشن توضح كيف طرأت فكرة الرواية على ذهني. (ص24)
•    كان يدهشني في تلك الأيام المبكرة، أني أستطيع كتابة رواية في تسعة أشعر، لكن أن أكتب رواية في ستة أسابيع..؟ إن رواية العميل السري" كتبتها في ستة أسابيع سنة 1938 بعد عودتي من المكسيك. زودتني الحرب الأهلية الاسبانية بفرشة الرواية، لكن اتفاقية ميونيخ هي التي جعلتني أسارع في إتمامها.(ص65)
•    صممت أن أكتب رواية تسلية أخرى بأسرع وقت وذلك في أوقات الصباح؛ بينما أكتب بعد الظهر في رواية القوة والمجد براحتي. و لكي أوفر جوا مناسبا للعمل، بعيدا عن جرس التليفون وصياح الأطفال، استأجرت مكانا في ميدان ميكلنبرج.. كل يوم أجلس للكتابة و ليس لدي فكرة عما ستؤول إليه الأحداث.(ص66)
•    كتب "دن" في كتابه " تجربة مع الزمن" عن الأحلام التي تأخذ رموزها من المستقبل كما الماضي. أمن الممكن أن الروائي يفعل الشيء نفسه. حيث أن معظم عمله يأتي من مصدر شبيه بالأحلام؟ إنها فكرة مزعجة، هل كان زولا وهو يكتب عن عمال المناجم الذين حوصروا في منجمهم وماتوا اختناقا بالغاز السام، يستلهم شيئا من ذاكرة المستقبل عن موته الخاص الذي حدث نتيجة لاستنشاقه الغاز السام الصادر من موقده الذي يعمل بالفحم؟ من العدل ألا يعيد الكاتب قراءة رواياته ثانية، فهناك إشارات كثيرة عن مستقبل غير سعيد.(ص69)
•    قرأت في ملاحظاتي العشوائية.. ووجدت أسطرا قليلة مكتوبة بقلم الرصاص باهت تبدأ فكرة القصة: لو كنت كاتبا حقا، فلا بد أن تغريني هذه الشخصية لوضعها في رواية. أتخيل أن هذا ما يشعر به الكاتب من الحضور الطاغي لفرد يرغبون في فهمه. لكني لا أملك الوقت أو المهارة لعمل كهذا الآن. وكل ما أستطيع عمله هو جمع الانطباعات التي يتركها هذا الرجل على كل من عرفه، وأخشى أن أجد صعوبة في خلق الشخصية من مجموعة من الانطباعات كهذه. أثناء مراجعتي للكتب قرأت أن الروائيين قد يمدحون أو يذمون لنجاحهم أو فشلهم في رسم الشخصية. لكن شخصيات كهذه تبدو علاقاتها مع الحياة كالصور التي نراها في هذا البلد أو ذاك مرسومة على الجدران الطينية لبيوت السكان. القطار يعبر عنه بنصف من المستطيلات، وكل مستطيل يقف على دائرتين. و هكذا يبسط المؤلف الشخصية، والتناقض الذي يحمله الإنسان بين جوانبه يزال أو يهذب. والنتيجة فن منظم و مهذب لتصوير حالة عقلية معينة، وهذا الكتاب الذي أنوي كتابته سيكون على خلاف ذلك، فقد تركت الشخصيات بكل تناقضاتها، فهدفه الوحيد هو تقديم شخصية غامضة بكل الصدق الذي نعرفه عن الشخصيات الغامضة" (ص78)
•    في مفكرتي القديمة أحداث وشخصيات متفرقة كان من الممكن أن تضمها روايتي.(ص78)
•    أفترض أن معظم الروائيين، يحملون في أذهانهم أو مفكرتهم، فكرة أولية لقصص لم يتح لهم أن يكتبوها، وأحيانا بعد سنوات كثيرة، يرجعون إليها ويأسفون، فقد كانت فكرتها عظيمة آنذاك لكنها ماتت الآن.(ص83)
•    منذ نشر أول رواية لي، كنت أكتب القصة القصيرة بين الفينة والأخرى. ومنذ البداية أزعجني هذا الشكل الفني وأضجرني قليلا، فقد كنت اعرف كل شيء عن القصة قبل أن أبدأ الكتابة، وأنهي كتابتها أيضا دون أن أفاجأ بشيء جديد. بينما أثناء كتابتي الرواية، رغم فترات الملل التي أمر بها أحيانا، لكن في أية لحظة قد يحدث غير المتوقع. مثلا شخصية ثانوية تظهر فجأة وتسيطر وتملي كلماتها وأفعالها. أو أدخل حادثة تبدو لا علاقة لها بالموضوع في مكان ما في بداية الرواية وبدون سبب أعرفه. ثم بعد كتابة  60ألف كلمة و بإحساس مثير اكتشف لماذا كانت تلك الحادثة هناك. فقد كان السرد طوال الوقت يعمل عمله خارج الوعي. لكن في القصة القصيرة أعرف كل شيء قبل بدء الكتابة أو هكذا أظن. ..(ص 157-158)
•    إن مادة الرواية كانت تتراكم دون إدراك المؤلف، لكن بتعب وألم وخوف ولم يكن الأمر سهلا دائما. أعتقد أن "القوة المجد” هي الرواية الوحيدة التي كتبتها بناء على قضية غير مؤكدة. (ص63)

في توطين المسرى:


•    من تجربتي أعرف أنه بعد عدة أشهر من العمل في رواية يشعر المؤلف عادة أن روايته تسير بالدفع الذاتي، مثل إقلاع الطائرة تسير بسرعة متزايدة على المدرج ثم ترتفع ببطء وتشعر بأن العجلات لم تعد تلمس الأرض. (ص 168)
•    الشخصيات الرئيسية في رواية ما. لا بد بالضرورة أن يكون لها صلة بالمؤلف، فهي تخرج منه كما يخرج الطفل من الرحم، ثم يقطع الحبل السري وتترك الشخصيات لتنمو مستقلة، وكلما عرف المؤلف نفسه أكثر، استطاع أن يبعد نفسه عن شخصياته المبتكرة وأن يتيح لها مساحة أكبر لتنمو خلالها .(ص 12)
•    كنت أفكر بكتابة الرواية بمصطلحات مسرحية. بمعنى أني قبل أن أكتب أجدول المشاهد على الورق( الفصل الأول: يحدث كذا و كذا) و غالبا ما تحتوي هذه المشاهد على شخصيتين منفردتين، في حظيرة للسكة الحديد في رواية "قطار إسطنبول" في بيت منعزل في رواية "بندقية للبيع" كما لو أني أحاول الهرب من سيولة الرواية الواسعة، وأقيم أعظم المشاهد المهمة في منطقة ضيقة حيث يمكنني توجيه كل حركة لشخصياتي. مشهد كهذا يوقف تقدم الرواية بذروة درامية، كاللقطات القريبة في فيلم حيث تبدو كأنها توقف حركة الفيلم. توقفت بعد ذلك عن استخدام ذلك التقسيم على الورق وراقبت طريقتي تلك في رواياتي بعد ذلك، ويمكنني القول إني وصلت الذروة في رواية "القنصل الفخري" حيث معظم أحداث الرواية تدور في كوخ خبأ المختطفون فيه ضحيتهم. (ص22)
•    هناك دائما ميزة فنية واضحة في الرواية المكتوبة بضمير المتكلم، فوجهة النظر قد تحددت وتأكدت ولا مجال للانحراف هنا أو هناك. فأنت تكتب ما تلاحظه الشخصية فقط (هكذا خدعنا بروست بلا خجل).(ص93)
•    لن أحاول التخفي وراء القول السائر بأنه لا يمكن العثور على المؤلف في شخصياته.. أعتقد أن النقاط التي يلتقي فيها المؤلف مع شخصياته تؤدي إلى القوة والدفء في التعبير. كما أعتقد أنه ليس بالضرورة أن تتوازى شخصية المؤلف مع الشخصية. أو تكون النتائج التي نستخلصها من الشخصية تنطبق على المؤلف..(ص 144)
•    من المؤكد أن الأحلام كان لها أهمية كبيرة في كتاباتي، ربما لأني عولجت نفسيا وأنا صبي. فأصل رواياتي "ميدان المعركة" كان حلما، وكذلك "القنصل الفخري" بدأت كحلم، وأحيانا يصل التطابق بين المؤلف وشخصيته الروائية إلى مدى بعيد، حتى أن المؤلف من الممكن أن يحلم حلم الشخصية الروائية لا حلمه. حدث هذا لي أثناء رواية " حالة ميؤوس منها فرموز وذكريات وتداعيات ذلك الحلم كانت بوضوح تخص شخصيتي الروائية كويري، وفي الصباح التالي وضعت ما حدث في الحلم دون تغيير في الرواية حيث سد ثغرة في السرد كانت لعدة أيام غير قادر على عبورها. وأتخيل أن كل المؤلفين قد وجدوا المساعدة نفسها من اللاوعي- فاللاوعي يشترك في كل عملنا، إنه الجوكر الذي نحتفظ به في القبو لمساعدتنا حين تواجهنا عقبة صعبة التجاوز، اقرأ ما كتبته خلال اليوم قبل النوم و اترك الجوكر يقوم بالعمل، وحين استيقظ تكون العقبة قد أزيلت تقريبا و بدا الحل واضحا، مؤكد أنه ورد في حلم لا أذكره. (ص 160) 
•     أعرف جيدا من التجربة أنه يمكنني خلق شخصية ثانوية وعابرة مستوحاة من شخص حقيقي، فالشخص الحقيقي يقف عقبة في طريق الخيال، من الممكن أن آخذ منه لازمة معينة في الكلام، سمة بدنية، لكني لا أستطيع أن اكتب إلا صفات قليلة قبل أن أدرك أني لا اعرف ما يكفي عن الشخصية لاستخدامها حتى لو كان صديقا قديما، لكن من الشخصيات الخيالية فانا متأكد أكثر. (ص 169)
•    من النادر أن أستخدم في رواياتي شخصيات تتطابق مع أشخاص أحياء أعرفهم. وإذا فعلت يكون ذلك في الشخصيات الثانوية وليس الرئيسية.(ص25)
•    في معظم كتبي، ومهما كنت أعرف المشهد الذي أكتبه جيدا. تظل هنا شخصية ترفض بعناد أن تصبح شخصية حية، وتوجد فقط من أجل الرواية. (ص27)
•    الحقيقة المؤسفة هي أن الرواية ليس فيها متسع إلا لعدد محدود من الشخصيات الرئيسية. لو حملتها بشخصية ناجحة أخرى، تصبح كالقارب الذي يحمل أكثر من طاقته فيغرق.(ص27)

في مديح "الجرح و التعديل":


•    إن فكرة كتابة كتاب من الألف إلى الياء كانت دائما تخيفني؛ فالتسلسل الرتيب يزعجني. ودائما أكسر استمرار أو تواصل القصة بذكريات شخصيتي الرئيسية.(ص36)
•    نسيت مؤقتا الدرس الذي تعلمته ناقد سينمائي. وهو أن التتابع المنطقي للأشياء غالبا ما يكون مخالفا لطبيعة الحياة. وقد قال جان كوكتو مرة أن الأخطاء في التتابع المنطقي قي فيلم ما تنتمي إلى اللاوعي الشعري للفيلم.(ص49)
•    دائما من السهل وصف شيء أنت بعيد عنه.(ص72)
•    عنوان الرواية "وزارة الخوف" أخذته من قصيدة لوردزروث (مختارات ارنولد لقصائده كان احد المجلدات التي حملتها معي في انجلترا. ولقد اشترت شركة سينمائية حقوق إنتاج الرواية سينمائيا دون أن يقرؤوها وذلك على حس عنوانها.(ص76)
•    و تخيلت أني في كتابة هذه الرواية -- يقصد روايته "نهاية المسألة" قد تأثرت بآخر كتاب كنت أقرؤه في ذلك الوقت... وكان من عادتي أن أضع علامات تحت الفقرات التي تروقني في الكتب التي أقرؤها..(ص94)
•    .الروائي يعمل وحده، ويكون محظوظا لو وجد مخلوقا يمكن أن يناقش معه قضية تتعلق بالفن الروائي أو ترصد رد فعل جملة صعبة.(ص126)
•    كل المميزات التي تفتقدها رواياتي الأولى بشدة، البساطة في اللغة، الإحساس بالحياة كما تعاش فعلا. (ص 158)
•    لا يجب عليك أبدا حين تكتب رواية أن تصف شيئا حدث لك دون أن تغيره بشكل ما. (ص 167) .
•    لم اقتنع قط بكمال رواية كتبتها.. أرسلت نسخة من الرواية إلى صديقي.. وأثار رده اهتمامي؛ كان نقده صحيحا. (ص 170)
•    المؤلف يهتم كثيرا بالأسلوب؛ وهو أسلوب رديء ومتصنع،.. الرواية غامضة، تلقي بضلال كثيرة دون وضوح. بعيد عن التركيز، صورها غير واضحة، تشبيهات و استعارات مبالغ فيها.. وهناك الكثير جدا من الصفات، وشروح كثيرة للدوافع، لا ثقة في فهم و إدراك القارئ، وصف مطول و حوار مبهم، مع أن الحوار في الرواية كما في المسرح لا بد أن يكون شكلا من الفعل والإسراع في الفعل..(ص 15). يقصد جرين هنا بملاحظاته روايته "إشاعة عند هبوط الليل" عندما يعيد قراءتها.) 

في الحاجة إلى العود على بدء:


•    إن الأثر الذي تتركه رواية جيدة، يعيش المؤلف معها سنوات بنفس كئيبة متوترة يكون مدمرا..(ص- 129-128)
•    في السنوات الست التي تفصل بين انتهائي من رواية "القوة و المجد" وبداية رواية "لب القضية" علا الصدأ أسلوبي من الإهمال و سوء الاستعمال.(ص77)
•    كتابة الرواية لا تصبح أسهل بالمران أو التكرار. اكتشاف الروائي لطريقته الخاصة في الكتابة يمكن أن يكون مثيرا، لكن تأتي لحظة في منتصف العمر حين يشعر أنه لم يعد يسيطر على طريقته. بل أصبح أسير هذه الطريقة. و تحل به فترة طويلة من الملل. ويبدو له انه جرب كل شيء. ويصبح أكثر خوفا عند قراءة نقاده المتعاطفين معه، من قراءته لنقاده القادمين. فالمتعاطفون يفردون أمام عينيه بصبر مرعب النموذج اللامتغير للبساط الذي نسجه، فيما إذا اعتمد بنسبة كبيرة على لاوعيه وعلى مقدرته لنسيان كتبه بمجرد أن تصبح على رفوف المكتبات، فهم يذكرونه بأنه تناول هذا الموضوع منذ عشر سنوات مثلا، أو أن التشبيه الذي جرى على قلمه منذ أسابيع استخدمه تقريبا في فقرة منذ عشرين سنة..(ص93)
•    بالنسبة للروائي فإن واقعه الوحيد و مسؤوليته الوحيدة هي روايته. و كما الرجل الذي يعاني من الجوجو، كان علي أن أعود إلى مكاني الصحيح و الطبيعي حتى أشفى.(ص80)
•    إن رحلاتي ككتاباتي كانت طرقا للهروب..
•    أنا أعتبر الكتابة شكلا من العلاج النفسي. وأتساءل أحيانا كيف يمكن لأولئك الذين لا يبدعون -أدبا أو رسما أو موسيقى - أن يهربوا من الجنون والكآبة. واعر المتأصل والملازم للوضع الإنساني. وقد كتب الشاعر الانجليزي أودن يقول: الإنسان يحتاج إلى الهروب احتياجه إلى الطعام والنوم العميق. (ص 5)
•    كتابة رواية تشبه وضع رسالة في زجاجة وإلقائها في البحر، وقد تقع في أيدي أصدقاء أو أعداء غير متوقعين.(ص 11)
•    في الرواية التي تحتاج سنوات لكتابتها، يكون المؤلف عند انتهائه منها ليس هو الرجل نفسه الذي كان عند بدايتها، ليست شخصياته فقط هي التي تطورت، بل هو أيضا قد تطور معها. وهذا تقريبا الذي يعطي الإحساس بنقص العمل، الرواية لا تعطي مؤلفها الإحساس بالكمال الذي تجده مثلا في قصة تشيخوف القصيرة " السيدة و الكلب" ، والوعي بذلك النقص هو الذي يجعل من مراجعة الرواية عملا لا ينتهي، فالمؤلف يحاول عبثا أن يكيف القصة تبعا لشخصيته التي تغيرتن كما لو أنها شيء بدأه في طفولته و عليه إكماله في شيخوخته، و تمر به لحظات من اليأس حين يبدأ مثلا مراجعته الخامسة للفصل الأول.و يرى أن عليه إدخال الكثير من التصويبات، كيف يمكنه ألا يشعر بين هذا العمل لن ينتهي أبدا؟ وأنه لن يكون الرجل نفسه الذي كتب هذا من شهور و شهور، فلا عجب إذن أنه تحت مثل هذه الظروف يكون الروائي دائما زوجا سيئا أو عاشقا قلقا غير مستقر، هناك شيء ما في شخصيته كالممثل الذي يستمر في القيام بدور عطيل حتى بعد أن يترك المسرح. لكن المؤلف ممثل عاش أدوارا كثيرة متباعدة على مدار فترات طويلة متباعدة أيضا، هو شخص تلبسته شخصياته، (ص 159-158)
•    إن الكاتب ليس بلا حول ولا قوة ما يشعر عادة أن القلم مثله مثل الرصاصة الفضية، من الممن أن يتسبب في إسالة الدماء..(ص 156)
•    خيال الكاتب مثل جسم الإنسان يحارب ضد كل أسباب الموت. (ص 171)
-------------------
[1] مذكرات جراهام جرين - تجربتي في كتابة الرواية. ترجمة . أحمد عمر شاهين.أخبار اليوم.1991..
الكتاب الأصلي : سبل الهروب/ Ways Of Escape
GRAHAM GREEN.Penguin Books 1980
[2]جراهام جرين (1904-1991) أحد أشهر الروائيين المعاصرين، كتب حوالي ثلاثين رواية و مجموعة قصصية و كتب الرحلات و السيناريو.  عبر في رواياته عن مأزق الإنسان المنهار في القرن العشرين. عن الازدواجية في العقل البشري، عن الجاذبية المغرية للشر و الخير معا، و عن تعاسة و قسوة الحياة الاجتماعية لإنسان المدينة. (عن غلاف الكتاب المترجم)

0 تعليقات

اترك تعليقاً

الحقول المطلوبة محددة (*).

مواضيع أخرى ربما تعجبكم