كلما رقت الرواية لغة وأسلوبا ورؤية رقى القارئ بالضرورة... فالرفع من سعر التفاهة صارت له أساليب مختلفة... كالتكثيف الإعلاني والتكرار الإعلامي ووسائل التواصل الاجتماعي والتشكيك السيكولوجي في الذات القارئة وكفاياتها، وجعلها تجلد نفسها بدل جلد النص التافه الذي خضع للتكثيف الإعلاني والاسم للتكرار اللغوي والسمعي والصوروي... إذ تفاهة النص وسط البذخ الإعلامي يحول العطب من النص إلى الذات... والنقص من بنية الخطاب السردي إلى البنية السيكولوجية للقارئ... فيسقط في رهاب الجهل.

وكلما كانت النصوص الروائية مسخا بلا هوية جمالية تتلاشى مع الزمن بفعل الكشف المغاير والإنهاك الإعلامي.. ولا يصمد غير النص المراد له الهامش ليتحول مع الزمن إلى المركز..... فلا تصدقوا من يقول لكم إنه زمن الرواية بناء على الكثرة.. الكثرة ليست مقياسا للجودة... بل إنه زمن صناعة الوهم والتفاهة الذي ألقى بفأس مركبه العفن في مرسى الإبداع... صدقوني بعد سنوات سيعود سوق الرواية لضبط نفسه... فالبضاعة المزيفة تبور وتكسد مع الوقت.. مهما لفوها أحسن تلفيف وأشهروها بكل الوسائل السمعية والبصرية والمكتوبة...وكثرة الناشرين ليس نعمة بل هو نقمة على الجودة ومناعة الأدب ضد التفاهة والسطحية والخواطرية...

كانت البداية فضيحة النشر مقابل الأداء.. ثم تفتقت عبقرية المال عن حيلة إعلان الجوائز التي يحصل فيها الكاتب على النشر على نفقة الدار جزئيا.. البقية مناصفة أو أداء من الكاتب...

الناشر المزيف الريعي لا يتعب...

الكاتب الواهم يتعب مع الزمن...

الزمن عري للتفاهة...

هو كفيل بإضعاف مناعة الحبر...

فالنفس الطويل والقدرة على تنويع الخطاب السردي هما الكفيلان بإنهاء كوميديا المنصات المزيفة والترويج للتفاهة.

كتاب التفاهة يصابون باليأس مع الزمن... لأن الكتابة متعبة... ومتطلبة... وهي نفسها لها ميكانزيمات كالمناعة الذاتية تلفظ العنصر الدخيل عليها مهما تضاعفت كورتيزونات الوهم.

فالجائزة الجادة هي من تتوج الكاتب ماديا ومعنويا وتقويه في سوق القراءة دوليا بل عالميا...هي من تعطي ولا تأخذ... هي من تصنع التميز... وقد تنحرف عن الموضوعية ... أحيانا دون سبق ولا ترصد... فتحييد الذات العارفة وتعطيل كيميائها التأويلية الذاتية صعب التحقق... لأن الذائقة في آخر المطاف ذاتية مهما حددت المعايير والأطر المرجعية لتقييم/ تقويم نص أدبي تخترقه أحيانا نصوص من مخيال وعالم ووجدان القارئ الميتالغوي نفسه..

قد تظلم رواية ... ليس لخلل غير غواية الذات. القارئة.. والمحكم قارئ يتناص مع نص بذاكرته وكل نصوصه الواعية واللاواعية على لغة ألبرتو إيكو فقد ينتصر لنص يشبه طفولته... مدينته... شخصية يعرفها... بل زقاقا احتسى فيه على الرصيف فنجان... قهوة ... التناص في القراءة ... تلك اللمسة الخفية التي يحدثها النص في الذات قد تميل كفة نص على نص... عبارة عن نوستالجية القراءة المتحكمة في التمييز بين النصوص بغريزة اللاوعي الجمعي للقراءة...

0 تعليقات

اترك تعليقاً

الحقول المطلوبة محددة (*).

مواضيع أخرى ربما تعجبكم