زياد محمد مبارك - السودان

هنالك مقولة شائعة في الأوساط الأدبية تمارِس جلد الحراك النقدي وتصف تفاعله مع المنجزات الأدبية بعدم الكفاية، وأنه يتنكَّب عن المواكبة، ويعجز عن المسايرة لأمواج لا تهدأ من العناوين التي تندفق وتطالعنا كل يوم. قد تكون هذه المقولة السيّارة قد ماثلت الدمغة وصارت لصقة ثابتة كلما ذُكر النقد في طول الوطن العربي، كأنه نقد للنقد ذاته. ولكن هل هي مقولة صحيحة تم نقلها بالتكرار إلى ساحة المسلَّمات؟   

 في الحقيقة إن كانت هذه الصفة مطلقة إزاء النقد الأكاديمي الذي يتلمَّس المناهج وينزع نظرياتها، ومن ثَم يطبِّقها على المنجزات الأدبية، من شعر وقصٍّ ورواية، وغير ذلك في بطون الأدب.

فمن الممكن أن تُستساغ عبر هذا المنظور، ومن هذه الزاوية الضيقة. أما إن نشدنا الفضاء المتسع لكل متلقي، قارئ، يطرح وجهة النظر، والرؤية، عمَّا قرأ.. فعبر هذا المنظور فلا يسعنا اعتبار أن هذا الحراك غير مساير لموكب المنجزات الأدبية، وفي الحقيقة – أيضاً – فهو نقد وإن لم يمتاز بالاقتفاء المنهجي، والاقتباس من المراجع الأكاديمية، ولكنه نقد ولا يدخل تحت أي مسمى آخر؛ يعتمد الانطباعية.     

وعلى إثر هذه الإشارة، ثمة إشارة أخرى إلى مدخل يكاد أن يكون ثابتاً في كثير من الرؤى النقدية التي تتناول المنجزات الأدبية، ديباجة يؤكد فيها صاحب الرؤية أنه ليس ناقداً وإنما يمثل طرحه انطباع القارئ. وهل رؤى النقاد الأكاديميين غير انطباعات سُقيت من مناهج تشمل انطباعات أكابر أهل النقد وتحليلاتهم وتنظيراتهم. فالأصل هو القراءة لا التخصص، فكل قارئ لا بد حتماً من خروجه من المنجز برأي.     

بالعودة لجلد الحراك النقدي الأكاديمي التخصصي، المستهدَف فقط لحجم اشتغاله في الساحة الأدبية، بالضرورة سوف يجد من ينظر فيه أنه ضئيل لأنه لا يُمثل مجمل الحراك النقدي، وإنما هو جزء منه فقط يسير مع الاشتغال النقدي المتمثل في كثير من المدونات الأدبية، ومواقع مراجعات الكتب (مثل موقع: goodreads)، وآلاف من كتاب المقالات الأدبية. وهذه كلها لا تعتمد الأطروحات المنهجية البحتة، وإن كان كثير من مضامينها ينم عن دراسة لمواريث المدارس النقدية المختلفة.     

في موقع (goodreads) الذي يكتب فيه الكتاب مراجعات للروايات، دارت عدة مداخلات عن ركاكة رواية ما، هذه الرواية سبق أن ارتقت إلى القائمة القصيرة للجائزة العالمية للرواية العربية (البوكر)، ولم ينس بعض المعلقين لكز لجنة التحكيم القائمة على رفع الروايات إلى الجائزة لاختيارها لهذه الرواية. ما قُدِّم من انطباعات في ثنايا هذه الآراء امتاز بالموضوعية، والنظر الفاحص.

وبالطبع لا تلغي مثل هذه الآراء النقدية دوافع اللجنة في ترقية الرواية، ولا تطعن في تمكُّنها. ولكن تختلف زوايا النظر حيث يصحب الناقد المتخصص معه دراسة تقنيات العمل، ومدى تمكِّن الروائي من أدواته، واستخدامه عناصر السرد وتوظيفها، وغير ذلك من منظوره كمتخصص مؤهل، يملك أدوات متكاملة للفحص والتقويم.     إذا كان النظر إلى الحراك النقدي بطريقة شمولية فسوف نجد أن جلد النقاد المتخصصين لا يضيف شيئاً، هذا بفرض أنه جلد من باب الحث والدفع لأداء دور أكثر زخماً. فما أكثر النقاد خارج أسوار التخصصية. وكما قال الروائي السوداني أسامة الطيب: «إن مهنية النقد هي التشوُّف في المنجَز؛ لا التخصص».

0 تعليقات

اترك تعليقاً

الحقول المطلوبة محددة (*).

مواضيع أخرى ربما تعجبكم