سلوى السعداوي*

يعدّ أدب الفانتازيا، وأدب الخيال العلميّ المكتوب والبصريّ الفنيّ من خصائص الموهوبين الاستثنائيين في تشغيل المخيلة والتخييل المضاعف، وتركيب المشاهد والأحداث المتنافرة. هؤلاء لهم قدرة في تجاوز المألوف والمنطقي والطبيعيّ، إلى اللامعقول واللامنطقي وفوق-الطبيعي.

ولئن عدّ أدب الفانتازيا وأفلام الرعب من الإبداعات النادرة المتحررة من الزمنية، فإنّ أدب الخيال العلميّ يبني عوالم تخييلية في زمن بعيد جدا. وقد شهدنا في السنوات الأخيرة تراجعا كبيرا في إنتاج هذه الإبداعات المعقدة المخيفة والممتعة في الآن ذاته، علما وأنّ تزفتان تودوروف قد استشرف، منذ سبعينيات القرن العشرين، نهاية هذا الجنس الأدبيّ في كتابه "مدخل إلى الأدب العجائبيّ" لكنّه لم يذكر أسباب ذلك. وقد يطول تفسير دواعي هذا التراجع، لكن نكتفي مبدئيّا بذكر سببين مهمّين:

 - يتعلّق الأوّل بأزمة التّخييل نفسه، في ظلّ التطوّر التكنولوجيّ الهائل، وفي ضوء الكتابات الإلكترونية الفوضوية المباشرة.

  - يتعلّق السبب الثاني بتركيز النصوص السردية بمختلف أنواعها، والمسلسلات الدرامية والأفلام، على المواضيع الراهنة الواقعيّة والسياسية (الإرهاب والتطرّف والهجرة غير المنظمة والمخدّرات والتسامح الدينيّ...). فظهرت أعمال قصصية وسينمائية تمتح من الواقع بل وتحاكي أحداثه وأعمال الناس "النبيلة أو المرذولة"، وتركّز على الحكاية وحبكة الشخصيات والأحداث الدراميّة.

إنها مشاهد يومية أكثر فظاعة ورهبة من أفلام الرعب والخيال العلميّ. فلم يعد المبدع والمتلقي في حاجة إلى جنة المعري ولا إلى توابع ابن شهيد الأندلسيّ وزوابعه، ولا إلى بيت الأشباح، وأساطير الجنّ والمسخ البشريّ/ الحيوانيّ (الحكايات الشعبية والروايات الكافكاويّة الكابوسية)، ولا إلى بطولات السوبرمان و مغامرات السندباد البحريّ، ولا إلى مصّاصي الدماء والإنسان الآلة..

إنّ تطّور نسق الحياة السريعة، وتردي الأوضاع الاجتماعية دفعا المبدعين والمتلقين إلى العزوف عن هذه الإبداعات الصعبة، التي يتفنن المبدع في إنتاجها ويتكبّد الناقد المختصّ مشاقّ تأويلها، ولكنها تحقق وظيفتين مزدوجتين للإنسان العاديّ: الرهبة والمتعة.

لقد صارت الوضعية البشرية المعاصرة رهيبة مفزعة (الحرائق وتحطيم القبور وفوبيا الأوبئة الفتاكة). فانتقل تردّد الإنسان/ متلقي الأدب العجائبي و الغرائبي وأفلام الرعب والخيال العلميّ من فضاء الأدب والتخييل، إلى الواقع الذي أصبح ينتج "الغرابة المقلقة".

ومن المفارقة، أننا أصبحنا نطلق نعوت "الاستثناء" و"الغريب" و"المدهش" "والمريع"، على مشاهد الحياة اليومية التي تفسّر بقوانين العقل.!

أستاذة السرديات المعاصرة، تونس.

0 تعليقات

اترك تعليقاً

الحقول المطلوبة محددة (*).

مواضيع أخرى ربما تعجبكم