تتكوّن رواية "صورة مفقودة" للروائية الفلسطينية أسمى العطاونة الصادرة حديثاً عن دار الساقي، من جزءيْن، الجزء الأوّل “ارحل” تتحدّثُ فيه الكاتبة عن تجربتها في المنفى، وعن طريق الهرب من غزّة إلى أوروبا وهي في العشرين من عمرها، والخيبة التي استُقبلت بها في بلد "الأحلام والحريات" بمجرّد وصولها إلى مبنى البريفكتور حيث يُستقبل المهاجرون الأجانب.

نرافق الكاتبة تفاصيل هذه الرحلة. نلاحظ طريقة السّرد السّريعة ولهجة التقرير الإخباري وكأنّها تروي بطريقة إخباريّة ما يجري في ذهنها من أحداث، وهذا ما أرادت الكاتبة الوشي به كونها فلسطينيّة، اعتادت أن يتحدّث عنها العالم بهذه الطريقة الإخبارية بعد تجريدها من إنسانيّتها ومن حقها في التّعبير عن ذاتها كإنسانة.

تمرّ الكاتبة من غزّة إلى مصر، ثمّ إلى إسبانيا وتنتهي بها الطريق إلى تولوز في فرنسا.

الجزء الأوّل ليس فيه الكثير من التفاصيل عن الأمكنة والشّخصيّات وكأنها تريد وصف المنفى كمكان إقامة من دون أيّ أحاسيس، مكان بارد ومظلم، تكون فيه مجرّد عابرة في انتظار العودة إلى المكان الذي هربَت منه.

في الجزء الثاني "عد" تبدأ الكاتبة بجملة تختصر تجربة حياتها، عند سؤالي لها عن تفاصيل لحظة ولادتي تجييبني أمي دائما: -آآآآخ , إيش بدك أحكيلك?! بس نولدتي غرقنا المطر وطفحت المجاري في الحارة!!

تتحدّث بشكل تفصيلي عن طفولتها، عن الحياة في المخيّم “حارة السود” حيْثُ ولدت، عن حكايا جدّيْها اللاجئيْن من بئر السبع وقرية بيت جرجا في فلسطين المحتلة، وعن رفاق طفولتها وحبّها الأول.

طريقة السّرد في الجزء الثاني متروية أكثر، فيها لغة حميمية وخاصة بلهجتها الفلسطينية المحلية. نعيش مع الكاتبة تفاصيل الحياة كلّها في “حارة السود” وعلاقات الجيران ببعضهم، وشعور الفوقية بين والديْها "البدوي والفلاحة" وبين اللاجئين والمدنيين في غزّة وبين السود واللاجئين في الحارة. يعيش الجميعُ تحت ضغط الاحتلال الصهيونيّ.

تتحدّث الكاتبة أيضًا عن هجرة والديْها إلى الإمارت كما فعل العديدُ من الفلسطينيين في أوائل الثمانينيات، وتروي لنا تفاصيل معاناة والديْها في صحراء الغربة بعيدًا عن غزّة .

بين الجزء الأوّل والثاني نلاحظ الرّابط الوحيد وهو البحث المتواصل لدى الكاتبة عن العدل والحرية، ومحاولة العثور على مساحة خاصّة بها تشعر فيها بإنسانيتها بعيدًا عن كلّ المؤثرات النفسية، والدينية، والتقليدية والجغرافية الناجمة عن كونها فلسطينيّة ولدت في غزّة من أبٍ بدويّ وأمّ فلاحة.

تقسيم الرّواية إلى جزءيْن "ارحل" و"عد" يدلُّ على مصير الفلسطيني المحتّم الذي لا مفرّ منه ولو حاول الهرب والتنصُّل منهُ، مصير الصّراع الدائم لعدم الإستقرار وانعدام الراحة "النفسية أو الجسدية"، ما دامت بلاده قيد الإستعمار.

يُعبّرُ العنوان "صورة مفقودة" عن بحث الكاتبة عن الرّاحة النفسية والجسدية، وعن سعيها الدّائم إلى الحرية، كما يُعبّرُ عن هربها من ألبوم العائلة "عائلتها" وبالأخصّ والدها البدويّ الذي يمثّل العادات والتقاليد والظلم الخانق.

الرواية نت

0 تعليقات

اترك تعليقاً

الحقول المطلوبة محددة (*).

مواضيع أخرى ربما تعجبكم