يقول عزرا باوند: يفكر الكاتب بروح موضوعته من خلال صناعة جسد لفكرة صغيره ثم يمدها باستطالة ليست محسوبة الحجم لتصبح في النهاية قصة أو قصيدة أو أي نتاج كتابي أخر . تقول فرانسواز ساغان : أكتب لأحرر نفسي من خطر التلاشي في أمكنة هي لا تصلح حتى لتطوير شكل الخط الذي تعلمته في المدرسة . مثل هكذا مشاعر اتجاه الكتابة ُنقاد إلى توسيع ذاكرة الذهن لحظة الشروع بالأداء الكتابي لهاجس أو موضوعة ما فنرى دور المؤثر في بناء النص . وهو أمام يكون تأثيرا لمكان أو زمان أو عاطفة مصنوعة من شاخص ما في حياتك "امرأة تجارة رابحة النجاة من حرب وردة في حديقة سياحة بمدن متمناة". أفعال كثر تصنع الكتابة ولكن مستويات هذه الصناعة تقف عند حدود نسب ما ولكنها في الأخر هي نتاج للذاكرة الإنسانية حتى لو كان الأمر يتعلق بتحرير كتاب رسمي لدائرة الطابو . يقول أينشتاين صاحب النظرية المدهشة النسبية : أن تفاحة نيوتن قضت على الفراغ الذهني لذاكرة البشر وأوجدت طفرت وراثية صنعت من خلالها فيزياء عظيمة . من هذه الفيزياء العظيمة جاء الصفر الذي يعني الرغبة في الذهاب إلى اللامتناهي حيث بإماكننا تخيل ما شئنا مستفيدين من لحظة الارتطام التفاحة جراء الجذب الحاصل بينهما وبين الأرض الذي تتسكع عليها أفكارنا وهي ترغب بأحداث مكانا لا ينهزم تحت وطأة نظرية الإزاحة فالثبات هو ما ننشد كلما أردنا أن نشيد لذاكرتنا نصل نوصل به أحلامنا بالأرض التي استراحة على وسادتها تفاحة نيوتن الساقطة من شجرة الحكيمة . تحكمنا الكتابة برغبة لجعل الفكرة بناءً داخل مصنع التخيل أنها من نتاج الرغبة ليكون لنا عاكسا يبرر التصرف والحس والشعور الذي فينا وهي في مكانه الفيزيائي طاقة كامنة يؤدي انتشارها إلى صناعة وعي ومتغير جديد في حياتنا وعدا ذلك لو بقت هذه الطاقة مكبوتة لمتنا منذ اليوم الأول الذي أحسسنا فيه الرغبة لقول هاجس يغور في أعماقنا مثل حوت جريحة في مياه ضحلة . نكتب لكي نعيش . نكتب لكي نحلم . نكتب لكي نخلد . وأخيرا أنا أكتب إذن أنا موجود . في السفر القديم العالم خلق بكلمة . الرواية هي واحة من رؤى الشكل والقيمة لرفع شأن ما نريده أن يكون لنا خصوصية .كان الكاتب في سومر يعطى مكانة تليق بموهبته وكان يمشي إلى جوار الكهنة في المراسيم والطقوس والمواسم الاحتفالية .

<ins class="adsbygoogle" style="display:inline-block;width:320px;height:100px" data-ad-client="ca-pub-8970124777397670" data-ad-slot="7675478845">

وكان الملك الآشوري أشور بنيبال يوزن اللوح المكتوب بالذهب ولمدونه يعطي ضعف وزن ذلك اللوح حين يشعر الملك بقيمة هذا الكاتب ليضم مؤلفه إلى مكتبته العظيمة . إنه اعتراف أزلي بقيمة الكتابة كأداة للتعبير عن الحياة بكل وقائعها السرية والعلنية والطبيعية والسحرية وحتى هواجس ميتافيزيقيا التوحيد كانت الكتب هي شاهدتها والكاتب كان العلي القدير الذي تأتي مدوناته بتلاوة على لسان رسله والملائكة والقديسين. هذا القرين الأبدي بين الخلق والكلمة يجعل من الكتابة هاجساً للحضور الدائم في حياتنا وربما هي أقرب نقطة مؤثرة لذلك المطلق الذي ننشده ولكن أحدا لم يحصل عليه الآن . فمنذ غفوة جلجامش قرب زهرة الخلود وسرقة هذا الزهر من قبل الحية والأنسان يقيم من الكتابة مشاريع واختراعات وتصورات للوصول إلى ذلك الحس الهائم بين المجرات الذي وحده يستطيع أن يوفر لنا أزلا منتشيا يجعلنا نشعر بأبد السعادة فلا نشيخ ولا نمرض ولا نموت . غير أن البعض إزاء هكذا نظرة يبدو غير مبال بالقيمة الأبدية التي يمكن أن يوفرها وعينا الكتابي لصناعة الخلود الروائي المفترض كما يقول وليم جيمس : (( أنها، بالنسبة له، مسألة ثانوية؛ وبأن المسائل الكبيرة للفلسفة هي الزمان، وحقيقة العالم الخارجي، والإدراك. فالخلود يحتل موقعاً ثانوياً، ذلك الموقع الذي هو أضعف صلة بالفلسفة مما هو مع الشعر، وبالطبع مع اللاهوت، وإن لم يكن كذلك مع كل لاهوت)) . هذا التفكير المميز أيضا خاضع للإدراك الكتابي وللحاجة للشعور بنمو التكامل في غير الرغبة للحصول على مثل هذا الخلود لأن الكاتبة لحظة الاكتمال تصنع مجدها الموازي تماما للرغبة الجلجامشية بل أنها في لحظة تفكيرها وسموها تذهب إلى ما نعتقده اليوم جنونا وانتحارا كما ورد في الحكاية التي دونها بورخيس في مقاله عن الخلود عن الفيلسوف اليوناني ديموقرطس : ((الذي قيل أنه اقتلع عينيه في حديقة من أجل أن يفكر دون أن يشغله مرأى العالم الخارجي. بالطبع ليست هذه الحكاية حقيقية، ولكنها جميلة. فها هو شخص يرى أن العالم المرئي عالم الألوان السبعة التي فقدت عائق أمام التفكير المحض. فيقتلع عينيه لكي يواصل التفكير في سكينة)) ينبغي أن نقف طويلا عن مشهد فيلسوف يقتلع عينيه كي يفكر دون شاغل أخر . أنها ما فوق سفسطائية العقل بل تتعدى قول الطاوي لا وتسه : أن الأمر مقترن بالقوة السحرية التي قد تجعلنا مع ترتيل كتاب ما معني بالشأن الخاص نطير في الهواء كاللقالق . حين أقتلع ديموقرطس عينيه حلق بعيدا وربما استطاع بعد ذلك أن ينتج تراثا كتابيا جيدا حتى لو بثقافة السفسطة التي انتشرت وسادت في عصره . هذا يعني أن روح التأمل هي روح الكتابة وعودة إلى مطلق الرغبة في جعل الصفر شئنا في تفكير الروح تقول أن روح الصفر هي روح الكتابة وفي الاقتصاد يقولون : إذا أردت أن تخلع أبواب قصر البورصة حرك الصفر قليلا .

<ins class="adsbygoogle" style="display:inline-block;width:728px;height:90px" data-ad-client="ca-pub-8970124777397670" data-ad-slot="3826242480">

إننا نكتب لكي نكون هكذا علمنا هاجس الرغبة لتدوين خاطرة أو قصيدة أو حتى معادلة رياضية فهي تكاد أن تكوين السبيل الوحيد لاكتشاف أو معرفة معنى بل هي تطور كل حالات التأمل التي تشملنا ونحن نقاد إلى حالة من مودة الكشف لظاهرة كونية أو اجتماعية ما . يقول ريلكه : أكتب لشعور برغبة يصنعها الألم . كذلك يفعل نيتشه . ميشيل ديغي يقول : السعادة هاجس أول لكل كتابة . بورخيس ابن بوينس إيرس يحدد الأمر جيدا : الحكايات ،قصصا كانت أم روايات ، هو الصفر الأبدي الذي يمتلك القيمة الكبرى في مزاد الكلام. بين التفكرين تتنوع رؤى التأليف وتذهب إلى تجنيس لينتهي من الأحاسيس . سعادة وحزن واختراع ومواثيق بيع وشراء ومجادلة ونص قانوني . كل شيء يقع تحت ظروف التعامل والتحول يحتاج إلى تدوين لهذا يقول العلماء أن الحرف اخذ بالحياة الأرضية ألف سنة ضوئية إلى الأمام . كانت الكتب السماوية تقود المرئي إلى الرائي وتضعه امام الاعين والسماع على شكل حكاية تروى على لسان الغيب الملائكي او الإلهي . الأصفار تتلاشى مع صوت الله . هناك واحد ينبغي أن نبدأ معه وان نعطيه الذهن والجسد ولذة السماع ومن ثم نخشع لهيبته الكتابية لأنه يقول شيئا عظيما . مواعظ ، حكم ، تذكير ، رسم يقع في تصور الخلق الحقيقي ويهدم كل نظريات الملحدين الذين كانوا يعتقدون بأزلية الكون وأنه غير محرك بالقدرة الإلهية غير أن نظرية أينشتاين دحرت كل هذه التصورات وأقامت عهدا علميا جديدا للتفكير حتى على مستوى التنظيرات الفلسفية الكتابية متعدية ذلك خصائصها الفيزيائية والرياضية إضافة إلى نظرية الانفجار العظيم التي أوجدت مع النسبية قناعة العالم في المنشئ الروحي والمادي للكون ليقول لنا العالم الإنجليزي ليبسون ( الانفجار العظيم . شيء محرج للملحدين. لأن العالم اثبت فكرة دافعت عنها الكتب الدينية . الفكرة أن للكون بداية ، ) يمكن لهذه الفكرة تخيل نشوئها بنص روائي .يعتمد على التأريخ والعلم والخيال الافتراضي. وهكذا تلتقي الكتابة الروائية مع البدء ، ويتلاشى اثر الصفر بمطلقه المفترض ليحل بدلا عنه نمط جديد من هاجس الذهاب إلى ما نريد ـ منجزنا الروائي الذي نود أن نحققه بمستوى وعي ما نملك من الإدراك وقد تحصنا بفكرة ما نؤمن به أي كان الاتجاه . المهم أن الكتابة تلد شيئا يري العالم قدرة العقل على بناء ما يفترضه استمرارا لوجوده والآخر وبهذا النمط من التفكير ينتج الشعراء والكتاب والعلماء والفلاسفة والمشرعين ورؤاهم وعلى تلك الأسس التي يجمعها رابط التشكل الحر تستمر الحياة بوتيرة تتصاعد صوب الكشف والنمو والأزل إلى اليوم الذي يقرر فيه العودة إلى مكان الصفر حيث تبدأ واقعة ما تحدثت عنه كل كتب السماء .

ــــــــــــــــــــ

  • كاتب وروائي عراقي مقيم في ألمانيا.

الرواية نت - خاصّ

<ins class="adsbygoogle" style="display:inline-block;width:300px;height:600px" data-ad-client="ca-pub-8970124777397670" data-ad-slot="1305511616">

<ins class="adsbygoogle" style="display:inline-block;width:336px;height:280px" data-ad-client="ca-pub-8970124777397670" data-ad-slot="4898106416">

0 تعليقات

اترك تعليقاً

الحقول المطلوبة محددة (*).

مواضيع أخرى ربما تعجبكم