دقّات منتصف الليل نشرت آلي سميث «خريف»، باكورة رباعية الفصول، بعد أشهر من تصويت البريطانيين بالخروج من الاتحاد الأوروبي، وأتبعتها أخيراً بالجزء الثاني «شتاء» (دار هاميش هاملتن). تتناول الرواية شقيقتين اختارتا حياتين متناقضتين تتواجهان في فترة الميلاد، وتقول إحداهما للأخرى «أكرهك» وهي تتكئ على كتفها. تبدأ الرواية بصوفيا السبعينية في بيتها المهمل الكبير في كورنوول، غرب إنكلترا، حيث تتجنّب الأكل خشية التسمّم، وترى رأساً يبدو كأنه لسيمون دو بوفوار الطفلة بريشة رمبرانت. حين يصل ابنها آرثر للاحتفال بالعيد معها لا يجد ما يأكله سوى كيس من الجوز ووعاء من الكرز المحلّى. يتصّل بخالته آيريس التي تأتي لتؤنّب شقيقتها «البخيلة» وتملأ المطبخ طعاماً. كان العيد الذي حرّضت كليشيهاته على المحبة ولمّ الشمل مناسبة مغرية للشجار وكشف الحقيقة المستورة. لم تقاوم المرأتان، اللتان اشتركتا في تربية آرثر، إعادة النظر في الماضي الذي يحضر في أكثر من عشر حُقب.

هجرت شارلوت آرثر، الذي يُصغّر اسمه الى «آرت»، قبيل رحلته إلى كورنوول، فشعر بالحرج، وطلب من طالبة كرواتية- كندية التقاها في محطة الباص أن تتظاهر بأنها صديقته مقابل ألف جنيه إسترليني. تعزّز لاكس رمزية الأسماء في الرواية، وتلقي الضوء على الحقائق المخفية بلا جدوى. صوفيا تفتقر إلى الحكمة، وآيريس التي يُختصر اسمها ليعني الغضب لا تزال غاضبة. آرثر يقول في أول الكتاب إن الحب مات وكذلك الفروسية في إشارة إلى ملك كاميلوت الأسطوري. يدّعي كتابة مدونة «آرت في الطبيعة» لكنه لا يمشي على قدميه أو يراقب الطيور، بل يعتمد على الإنترنت ويعرف أنه يفتقر إلى الفن الذي يحمله في اسمه. تتفاقم التناقضات في عمله لدى الشركة التي حرست الأســـوار ضد المهاجرين في «خريف»، وحوّلت اهتمــــامها في «شتاء» إلى الفن. يفضح الفنانين الذين ينحلون غيرهم بحجّة حماية حقوق الطبع في عمل يراه آخرون تجسساً وخيانة.

<ins class="adsbygoogle" style="display:inline-block;width:728px;height:90px" data-ad-client="ca-pub-8970124777397670" data-ad-slot="3826242480">

كانت صوفيا «الذكية» سيدة أعمال ناجحة وتقاعدت في بيت يضمّ خمس عشرة غرفة نوم في البلدة السياحية. عشقت دانييل، بطل «خريف» الذي جمع لوحات بولين بوتي، وأحّبت منحوتات باربرا هِبوورث الملساء، البدائية والأبدية. ينسجم الرأس الذي تراه مع قصة نيولينا، قديسة كورنوول، التي قُطع رأسها فالتقطته ومشت به، وحين توقفت لتصلّي نبتت شجرة تين من عصاها. يتغيّر الرأس ليصبح عجوزاً أو أخضر، وتفضّل صوفيا القلقة، الوحيدة لو كانت في قصة أخرى، أدبية رفيعة، يهبط الثلج فيها برأفة ولا رؤوس فيها. آيريس «الثائرة» حملت المجتمع باكراً في الذات. تركت الدراسة، وتعاطت المخدرات، وتظاهرت ضد النظام في كل مناسبة. عادت لتوّها من اليونان حيث ساعدت المهاجرين، وحمّلت شقيقتها مسؤولية بعض أحزانها. تعترف بهزيمة كل القضايا التي كرّست نفسها لها خمسين عاماً. السلاح النووي، الرشح الكيماوي ودمار البيئة. تهجس سميث مجدّداً بمأساة المهاجرين المرفوضين، النسوية، حقوق المثليين والجماليات. صديق لآرت يجد تعريفاً جديداً حين يعرف بأمر الرأس الذي تراه صوفيا. «الفن هو أن ترى أشياء» يقول، فتعلّق آيريس: «هذا وصف عظيم للفن. أين سنكون من دون قدرتنا على رؤية أبعد مما يُفترض أننا نشاهده؟»

في «عَرَضي» تقدّم سميث شخصية آمبر التي تظهر بشعرها المتوهّج كملاك، وتصبح محور الأسرة، مع أن لا أحد يعرفها. لاكس غريبة أخرى تدخل بيتاً منقسماً لتفضح أكاذيبه وتشفي جراحه. تجد لاكس الشِعر حتى في معمل التوضيب حيث تعمل، وتجلس إلى مائدة المطبخ لتتحدّث عن شكسبير الذي كان سبب قدومها إلى إنكلترا. تختار «سيمبيلين»، أغرب مسرحياته، التي تناولت انقسام مملكة وشهوة السلطة واستخدام السمّ لبلوغها. تبدو الشخصيات كأنها تعيش في العالم نفسه، تقول لاكس، ولكن منفصلة إحداها عن الأخرى. تفكر أن هذا الكاتب من إنكلترا تمكّن من ختم العداء والجنون بالتوازن والتعويض عن الخسائر، وأنها ستقصد بلاده لهذا السبب. مع دقّات الساعة الإثنتي عشرة لمنتصف الليل، تسترجع صوفيا، بين النوم واليقظة، حيواتها السابقة ما يذكّر بـ «ترتيلة الميلاد» لتشارلز ديكنز التي تبدأ بالبغض والجشع وتنتهي بالمصالحة والعطاء.

<ins class="adsbygoogle" style="display:inline-block;width:320px;height:100px" data-ad-client="ca-pub-8970124777397670" data-ad-slot="7675478845">

«داعش» والمأساة الإغريقية تنقل كاملة شمسي في روايتها السابعة مأساة «أنتيغوني» إلى حاضر بريطانيا، وتفاقم الصراع بين الولاء للأسرة والخضوع للقانون بالتطــرّف العقائدي. في مسرحية سوفوكليس يرث الشقيقان إتيوكليس وبولينيسيس العرش بعــد وفاة والدهما أوديبوس، ويعلن الثاني الحرب على الأول ويقتله لاستئثاره بالمُلك. حيـــن يُقتل بولينيسيس أيضاً يمنع عمّهما، الملك الجديد، دفنه عقاباً على خيانته، ويحكم على شقيقتهما أنتيغوني بالإعدام لمخالفتها أمره. يعفو عنها حين يُقال له إنه أثار غضب الآلهة، لكنّ أنتيغوني تنتحر قبل معرفتها بالعفو.

يوحي عنوان رواية شمسي «نار البيت» دفئاً وعودة لطيفة إلى الرحم، لكنه يتعلّق بالحرائق والخلاف. وردت الرواية الصادرة عن دار بلومزبري في اللائحة الأولية لجائزة «مان بوكر»، وتبدأ باستنطاق طويل في مطار هيثرو. إسما باشا في طريقها إلى الولايات المتحدة لمتابعة دراستها العليا في جامعة كبرى، لكن الرحلة تفوتها حين يسألها الموظف عن رأيها في الشيعة، المثلية، الملكة، الديموقراطية، برنامج لإعداد الحلوى، غزو العراق، الانتحاريين ومواقع المواعدة الإلكترونية. كان والدها عادل مجاهداً حارب مع الشيشان وطالبان، وزار أسرته في لندن متخفّياً لينجب ثلاثة أولاد. توفّيت الزوجة شابة، وقُتل عادل في ظروف مشبوهة أثناء ترحيله إلى غوانتانامو. رعت إسما التوأمين أنيكا وبرويز، وفيما درست الفتاة الحقوق، هجس الفتى بمقتل والده وورث حماسته للجهاد.

قصد برويز الرقّة لينضم إلى «داعش» فعمل «مهندس صوت» يختار الموسيقى المصاحبة لفيديو الصلب والتعذيب وقطع الرأس. ترى أنيكا دينها هوية شخصية، وتواجه بفخر الشبان الذين يبصقون عليها في القطار لاعتمــارها الحجاب. حين تخبر إسما الشرطة أن برويز انضم إلى «داعش» في سورية تتّهمها أنيــكا بخيانة الأسرة، وتقول إن صلتها بالتوأمين انتهـــت لأنهما لم يعد لهما شقيقة. تتعرّف إسما في بلــدة الجامعة الأميركية الصغيرة إلى إيمون لون، نجل وزير الداخلية البريطاني الآسيوي الذي تحتقره جاليـته لتنكّره لأصله. تحب الشابة الجدية مواطـــنها البلاي بوي، لكنه يُفتن بشقيقتها حيــــن يعود إلى لنـــدن. تستغلّه أنيكا لإنقاذ برويز الذي فقد أوهـامه حول دولة الخلافة بعدما آمن أنها الوطــن الوحيد لكل مسلم ورع. أرادته أن يحقّق لها كل ما ترغب فيه قبل أن تطلب خدمة تتعلّق بشقيقها، واعترفت أن لا شيء يردعها عن مساعدة من تحبّهم وتفضّلهم على غيرهم.

انصهرت أسرة لون في المجتمع البريطاني خلافاً لأسرة باشا. تزوج كرامات، والد إيمون، إرلندية- أميركية وتحوّل من الأعمال إلى السياسة وهو يفكر بـ10 داوننغ ستريت. تنكّر للإسلام إلى درجة طلب معها من تلامذة مسلمين ألا يرتدوا زيّهم لكي لا يعاملهم الآخرون بطريقة مختلفة. غضب من علاقة نجله بابنة أسرة متطرّفة، ولكن تفهّم حب أنيكا لشقيقها ورفضها إدانته، وتساءل ما إذا كانت بريطانيا حقاً أمّة تصبّ بغضها على أشخاص معينين لا لشيء إلا لكونهم يحبون حباً بلا شروط. في حديث مع «ذا غارديان» قالت شمسي إن ما دفعها إلى الكتابة عن التطرّف بين مسلمي بريطانيا هو اعتقاد الأكثرية أن دعاية الدولة الإسلامية مبنية على العنف. قرأت دراسة للباحث تشارلي ونتر في كنغز كولدج ذكرت أن جزءاً كبيراً من الدعاية يتعلّق بالانتماء وبناء دولة. لا تؤمن بأن الدولة الإسلامية تنوي إقامة ما يشبه دولة الرفاه، لكنها تودّ الإشارة إلى جانب مهمل من الأمر. تشعر أيضاً أن المطلوب رؤية الشبان الذين غادروا بريطانيا ليقاتلوا مع «داعش» مجرد وحوش وإلا اتُهم المرء بالتعاطف معه. في الرواية نكتة حول أخطار القيام ببحث حول «داعش» على الإنترنت، وتقول الكاتبة المولودة في باكستان إنها وجدت نفسها تحضّر تبريرات لمن قد يسألها عن ذلك. أحسّت أنها تعيش في دولة بوليسية، ووجدت حرية أكبر في البحث في كراتشي التي كانت دولة بوليسية حين ترعرعت فيها.

عن صحيفة الحياة اللندنية http://www.alhayat.com/Articles/25905746/لمحات-ثقافية

<ins class="adsbygoogle" style="display:inline-block;width:300px;height:600px" data-ad-client="ca-pub-8970124777397670" data-ad-slot="1305511616">

<ins class="adsbygoogle" style="display:inline-block;width:336px;height:280px" data-ad-client="ca-pub-8970124777397670" data-ad-slot="4898106416">

0 تعليقات

اترك تعليقاً

الحقول المطلوبة محددة (*).

مواضيع أخرى ربما تعجبكم