ما من نصِّ روائي ( سردي) وإلا أحاطت به مقتضيات الواقع في منزعه التأريخي والجدل الذي يثيره النص في قدرته بالتعبير عن هذا الواقع بما يتقضي الفهم كنص شارح ومرآة تعكس تفاعلات الواقع إلى حدما وتفسيراً يندمج في سياق اجتماعي تأريخي؛ قد يلتزم به الروائي بشكل تتحدد معه وظيفة السرد الروائي؛ وكيفية مواجهته تساؤلاته المثيرة للمعرفة الانسانية. وبهذا المنطق ولكي يستطرد النص الروائي الواقع مؤولاً يستدعي الأمر البحث عن تأريخ يتقحب السرد الروائي ومن أين وكيف تطور أدوات الكتابة الروائية؟ وربَّما تقف بعض من الأعمال الروائية العالمية ( الكلاسكية) شواهد يتقوم بها تأريخ السرد التتابعي، ومن ثَّم يتنزّعُ البحث اللحظة المكوِّنة لما يعرف بالبنية السردية Narrative Structure الطبقة المكونة للنص السردي. ومن هذه الأعمال الكلاسيكية منها ما عبَّر – نقلاً – عن الواقع وبالتالي كما أدرج تاريخ النقد بروايات المرحلة ومنها ما استبق مآلات الواقع؛ فنصوص دون كيخوت لسرفانتس، وأعمال الروسي ديستويفسكي و هـ . ج ويلز وسرديات المقامات العربية، والميراث الشفاهي لشعوب عديدة تدخل ضمن سياق التراكم السردي. ويكون سؤال الرواية وتشكيل النص السردي الأداة التي يعالج بها ويفهم المحتوى السردي على أسس نقدية تتعددت فيها المناهج البحثية ودلالات اللغة، خاصة أن اللغة في سياقها المتغّير (المفردات والاشتقاقات) أثر طاغٍ على تشكيل النص الروائي.

وبما اَّنَّ الواقع في فكرة الوجود الإنساني سياق يحيط بالمفهوم الجوهري لغاية الانسان والتأريخ الذي يصنعه ويفسره ليتحددّ مفهوم الوجود بالمعني الهيجلي، والمفارقات الفلسفية ليست المحوِّر الأوحد لتحليل النص الروائي – فلسفيا- ولكن ملامسة الواقع كما يتبدى في الرؤية الانسانية مقارنة ببعد آخر لايقع ضمن حدود المشاهدات الواقعية ولكنه يؤثر على واقعه. ويتدخل النص الروائي بغية الفصم بين ما واقعي يقترب من عقلانية المنطق الذي بموجبه تتخذ الأشياء معناها العام وبين محاولات السرد تفعيل هذا الواقع بمنحى آخر؛ ومن هنا ينشأ الصراع الذي يكون السرد أحد مكوناته، فإذا أتخذ الصراع بعده الذي تنتجه تفاعلات العلاقات المتباينة بين الواقع في نطاقه المحسوس، وعالم الرواية في آفاقه المتجاوزة؛ يكون الصراع لحظة تتصاعد قوة هائلة تؤثر في الواقع بما تضيفه من طاقة خلاّقة، وتمدّدُ من حيز السرد ( فضاء السرد). ودائماً ما كان الواقع في الفعل الحياتي وجوانبه الفيزيقية نقطة تمثل تصاعد الصراع في الحدث الروائي في شكل البنية الهيكلية للرواية بمفهومها التقليدي لا يقتصد العلمية السردية في الرواية وفق رغبة الروائي، وأحيانا كما يلاحظ في الرواية تفرض المتغيرات في الزمن والمكان والأحداث التي لا يتجاوزها الروائي، بل يكون عليه تفعيلها لتأخذ دلالاتها الموضعية في السرد وصيرورته Process في حدث الترتيب السردي، أي تكن درجة المفارقة بين الواقع والخيال الروائي.

وإذا كان الصراع في حدود مقاومته للواقع بأبعاده التاريخية والسياسية،فتكون الرواية في معالجتها السردية ورصدها للأحداث وسبر لأغوار النفس البشرية الأكثر عتمة قد تصبح هي الأداة في معالجة الصراع بما يترجم على نصها السردي من وقائع العالم الفعلي حيث يدور الصراع عبر رؤيتها السردية. ¬وتنقل الرواية من خلال الشخصيات الروائية والأحداث التي تنفعل بها وتيرة الصراع وحدته بغير تطابقٍ يجعل منه نقلاً حرفيا عن واقع غليظ، ولكن كصراع تتجلى فيه الرؤية الابداعية السردية. ويبرز الصراع في الرواية عادة على أكثر من مستوى وبالتالي تختلف مداخل التعبير والإيحاء به حيث تشترك اللغة والحوار والمكان وغيرها من مكونات النص الروائي. فالعالم الواقعي يتحرك في النص (الخطاب السردي) المندرج ضمن صراع الوجود محققاً لهويته في مقابل هويات أخرى مفترضة روائيا. وهي تجسيد تبزغ أزمته من الوقائع المستحضرة من مجموع تفاعلات بين الواقعي والمتخيل لتلقي بنتائجها على الهوية السردية وتشير إلى نقطة اختلاف (صراع) قائم. ولأن الهوية السردية ليست وسيطاً يحدُّ أو يجرد الهوية الذاتية للشخصيات الروائية، ولكن محاولة لتثبيت تلك الصفات مطابقة لتلك الهوية مع نظم تسود بنية الخطاب الروائي وتلك التي في الواقع.

الرواية نت

0 تعليقات

اترك تعليقاً

الحقول المطلوبة محددة (*).

مواضيع أخرى ربما تعجبكم