الرحلة والارتحال، مضي في السفر، وقد تكون رحلة برية أو رحلة بحرية أو غيرها. وهي انتقال من مكان إلى مكان آخر، عبر رحلة قصيرة أو طويلة، إذ إن تنقل الرَّحالة قد يتم عبر مراحل. يتوخى من ورائها البحث عن كل ما هو ممكن، غامض ومثير؛ لصقل موهبة أو إثبات مُتَخَيّلٍ نشأ في ذاكرة الرَّحالة، يكشف له ما خفي.
لكن رحلة النص الروائي مغايرة لرحلة الرحالة، مختلفة تمام الاختلاف، وهي سمة علقت بحواف النص الروائي، لا يمكن تجاوزها مطلقا، ولن يكتمل النص الروائي بدونها، ويمكن إجمالها في ثلاث مراحل أو أكثر من ذلك:

  • مرحلة كتابة النص الروائي؛
  • مرحلة قراءة النص الروائي؛
    • مرحلة التجاوب مع النص الروائي.

1- مرحلة كتابة النص الروائي: وهي مرحلة تعتبر "أن الرواية هي محور العلاقة بين الذات والعالم، وبين الحلم والواقع، وأنها هي الخطاب الاجتماعي والسياسي والإيديولوجي المتوجه دائماً إلى حشد من الأسئلة التي تأخذ من الإنسان والطبيعة والتاريخ محاور موضوعاتها"(1)
ومن هنا تنطلق رحلة النص الروائي، وهو يؤثث للشخوص فضاء شاسعا، مخترقا أمكنة وأزمنة، يخلق أحداثا وصراعات، يمازج بين ما هو ممكن وما هو غير ممكن، مقتفيا أثر ظلالها، في تماهيها مع الوجود مع الممكن واللا ممكن. يخلق حواراً وينشئ مشاهد وصوراً تسعف على اكتمال رؤى الروائي، وتجلية القصة، ويحاول رصد ما سيحكى من خلالها عما خزنته ذاكرته، فاسحا للمخيلة كي ترتاع من مناهل أحداث عاشها أو سمعها أو حكي له عنها، بترتيب صيرها رواية، ونحن نتتبع نشوء حدث وتوليفه مع مجريات السرد، وتأثيره على شخوص تفاعلوا معه بإرادة معلنة، قابلين تارة، رافضين تارة أخرى لمصائرهم، مسبباً لهم توتراً وردود أفعال.

2 - المرحلة الثانية: مرحلة التلقي، ونقصد بها مرحلة قراءة النص، وقد "نبتت الغواية والولع بفن الرواية منذ بواكير السرد الأولى، فقد افتتن به كل من قرأه، واطلع على نصوصه، سواء من أدباء الخارج، أو أولئك الذين ولجوا مجال الترجمة"(2). من قارئ عادٍ (عاشق للقراءة) باحث عن متعة القراءة، إلى قارئ باحث متقصٍ ( ناقد). وما بين الأول والثاني فرق شاسع، فالأول متلقٍ ملتقط، يستكشف مسار الحكاية، ومصائر شخوصها، والأحداث التي أثرت في حياة كل شخصية من شخوص الرواية، وأما الثاني فهو متلقٍ مستكشفٍ، متتبع لظواهر النص و مباحثه، يسبر أغوار النص باحثاً عن سر الإثارة والتميز، وما يمكن التقاطه من أخطاء وهفوات، أو ما ميز النص من جمال وافتتان، وهنا يطرح السؤال: إلى أي حد يمكن الوثوق بأمثال هؤلاء المتلقين؟ ونقصد النقاد باعتبار أن لكل ناقد رغبة، وما بين تلك الرغبات تضيع الحقيقة، أم أنها قراءة بنيت على خلفية اعتمدها قارئ النص؟ صعب العثور على مفتاحها الذي احتفظ به لنفسه، لكن عادة ما نجد أن هناك من الباحثين الرصينين من لهم كفايات تؤهلهم لكي يترصدوا بأمثال هؤلاء، فيضبطونهم وهم متلبسون بجريمة خيانة النص؛ ليتضح فيما بعد، أن قارئا ما لم يكن واثقا مما قرأ، ولا مؤمنا بما كتب.

3- المرحلة الثالثة: مرحلة الإنصات لما دُوِّنَ حول النص، قسط منه يهم المتلقي، والقسط الآخر يهم كاتب النص نفسه، وهل هذا يعني أن إنصاتنا لما قيل حول النص قد يحملنا محمل الجد، على أن نقبل كل ما قيل بسذاجة شخص لا كفايات له؟ أم أننا مطالبون من أن نمعن النظر فيما قيل؟. لنطرح السؤال: ما نتاج النص من كل هذا الترحال؟.
إن النص الروائي برحلته هذه بمراحلها الثلاث، يكون قد رسم لنفسه طريقاً من خلالها سنكتشف أن النص قد أسس لنفسه صيرورة، وهو يقطع المراحل الثلاث، وهذا قد يحيلنا على شيء واحد ألا وهو أن النص الروائي لا تكتمل رؤاه، إلا إذا قطع جل مراحل رحلته الثلاث، التي تُشكل فيما بينها لحمة واحدة، لا يمكن فصل مرحلة منها عن الأخرى، لنظمن له صيرورة النص المكتمل. فهل حقاً أن نصوصنا مكتملة، بهذه المراحل الثلاث، أم أنه ما زال هنالك شيء ما ينقصها حتى تكتمل؟.


1- كتاب الرواية والروائيون، دراسة في الرواية العربية. تأليف شوقي بدر يوسف.
2- كتاب غواية الرواية- دراسات في الرواية العربية. تأليف : شوقي بدر يوسف.

  • كاتب من المغرب

0 تعليقات

اترك تعليقاً

الحقول المطلوبة محددة (*).

مواضيع أخرى ربما تعجبكم