هل تخرج كتابة الرواية من سياقها المتعارف عليه كجهد فردي لتدخل في إطار الجهد الجماعي وتصبح ثمرة ورشة عمل مكوّنة من عدد الكتّاب المشاركين فيها؟ تصدر بين الفترة والأخرى أصوات تنادي بضرورة كسر نمطية الكتابة الروائية، وفتح حدودها أمام المشاركة من قبل الآخرين، سواء كانوا قريبين أو بعيدين، لتظهر بشكل مختلف، وتكون نتاج جهد جماعيّ، وثمرة تفاعل عدد من المشاركين في الكتابة والتخييل، لكن هل تتقبّل الرواية هذه المغامرة؟ هل تهدّد الدعوات إلى كتابة رواية مشتركة بين عدد من المشاركين، محترفين وهواة، مسار العملية الإبداعية وتفتح المجال أمام فوضى الكتابة؟ ألا يمكن أن تكون تجربة في الانفتاح على أفكار الآخرين وترتيبها من قبل المشرف الذي يعدّ جامع الأصوات وحابك الخطوط وضابط الإيقاع في اللعبة التشاركية؟ لا يتعلّق الأمر بالحديث عن الكتابة المشتركة بين كاتبين، وهناك عدة تجارب في تاريخ الرواية العربية الحديث، لعلّ أبرزها رواية “عالم بلا خرائط” للراحلين عبدالرحمن منيف وجبرا إبراهيم جبرا التي تعدّ من الأعمال المميّزة التي صهرت إبداع روائيين كبيرين ومزجت بين أسلوبيهما، ولم تشكّل الكتابة المشتركة عائقاً بين تآلف روحيّ وفكريّ في عالم الرواية، واللعب في فضاء التخييل، وإنضاج الأفكار في “مطبخ الكتابة”، بل يتعلق بمسار الكتابة التفاعلية، إذ قد يطرح مؤلف فكرته بشكل مختصر وموجز ويستعين بإضافات متابعيه وتعليقاتهم وأفكارهم لبناء فصول عمله، بحيث يكون التفاعل أساسا لبناء العمل في العالم الافتراضي، ويتحول القرّاء والمتابعون إلى مؤلفين مشاركين سواء بإبداء ملاحظاتهم أو كتابة أفكارهم. وقد تكون دعوة الفرنسي بيير بايارد في كتابه “ماذا لو غيرت الأعمال الإبداعية مؤلفيها؟” مفترضة أفكاراً توصف بالجنونية، وحاملة نوعاً من الكتابة التفاعلية ولكن بطريقة عابرة للحدود الزمانية والمكانية، تراه ينادي بتحويل المؤلفين جزئياً أو كلياً، ونسب أعمال بعضهم إلى آخرين من أجل التحريض على إثارة أسئلة متعلقة بالإبداع والتاريخ والأدب والفن، ويلفت إلى أهمية معرفة المؤلفين ووضعهم في سياقات مغايرة تظهر جوانب لا مرئية من شخصياتهم. ويعتقد أن الأدب والفن قد يجدان نفسيهما قد تحولا في المستقبل، بينما تنفتح مجالات على سعتها للبحث العلمي، إذا ما قبلنا نهائياً بالانتهاء من الصلة التي لا فكاك منها والتي تربط بين المؤلف وعمله. لعل أهمّ ما يميّز العملية الأدبيّة الإبداعيّة ويضمن مستقبلها هو القدرة على الانفتاح وكسر القيود، وحتى إن ظهرت تجارب لا ترتقي إلى المستوى المأمول، فإنها تكون قد أشارت إلى نقطة بعينها وشكّلت حقل تجارب في ميدان مشرع على التجريب والتجديد. تبقى التشاركية في الإبداع وإمكانية ذلك في عالم الرواية مسألة تحدّ، لأنّ طبيعة الرواية تختلف عن طبيعة السينما أو الدراما وقد ينطبق عليها المثل الشعبيّ القائل “إذا كثر الطبّاخون احترقت الطبخة”.

ــــــــــــــــــــــــــ كاتب من سوريا

عن صحيفة العرب اللندنية

0 تعليقات

اترك تعليقاً

الحقول المطلوبة محددة (*).

مواضيع أخرى ربما تعجبكم