S/Z في عام 1970 نشر رولان بارت كتاب

 الذي يعتبر أحد أهم الدراسات البنيوية التي تركت أثرا مهما للحركة البنيوية في القرن الماضي، وربما ساقت العديد من الدراسات البنيوية التي مهد لها بارت متأثرا برائد السيميائية اللغوي فرديناند دو سوسير المتوفى عام 1913. وكتاب رولان بارت كان تحليلا بنيويا لقصة كتبها بلزاك عام 1830 بعنوان "سارازين". والأعوام هنا مهمة، فلم يكن بلزاك موجودا حين بدأت حركة فلسفية باسم البنيوية، ولم يخطر بباله أن قصة قصيرة كتبها في ست وثلاثين صفحة سيتم تحليلها بكتاب بحجم كتاب بارت الذي سيصبح مرجعا في التحليل البنائي للأعمال الأدبية. نستطيع أن نعمم ذلك على الكثير من الأعمال الأدبية القصيرة، فضلاً عن الأعمال الضخمة، التي أنشئت لها مدارس فلسفية او نقدية قائمة بذاتها. فلا يمكن مثلا أن نذكر العبث دون الاشارة لعمل مسرحي مدته أقل من ساعتين بعنوان "في انتظار جودو" لصموئيل بيكيت. ولن يفهم القارئ الذي لم يدرس الوجودية كتاب الوجود والعدم لسارتر كما سيفهمها من رواية ممتعة كرواية "الغريب" لألبير كامو. ويكاد البعض يؤرخ ما بعد الحداثة، معتمدا على مجموعة قصصية نشرها الكاتب الأميركي جون بارث عام 1968 بعنوان "ضائع في بيت الضحك"، حين ثار الكاتب على واقعية الأدب وكونه مرآة للواقع الاجتماعي. نحن في العالم العربي نكتب الرواية في الأغلب، بعيدا عن التعميم، لتكريس حالات اجتماعية نسلط عليها الضوء ونرى أنها تمثل جوانب مهملة في البحث. أو نقدم أحيانا تاريخا حقيقيا لما لن يكتبه أو يذكره التاريخ. فالروية هي العمل الأدبي الأمثل في تقديم تاريخ لن يكتبه المنتصر وصاحب السلطة ومنافقو صاحب السلطة. هي تاريخ هؤلاء الذين تم تهميشهم اجتماعيا واضطهادهم سياسيا وتعليميا. الرواية هي السبيل الوحيد الى الحقيقة التي سيتراجع الاعلام الأجيرعن ذكرها، وهي العمل المضاد للرواية المزورة التي يكتبها أديب اشترته السلطة. يستطيع القارئ أن يلاحظ الأعمال الأدبية التي كانت تمجد الدكتاتور، أي دكتاتور، وخروجها من المشهد لصالح الأعمال التى اقتربت من الانسان الذي عانى من جبروت هذا الدكتاتور. فكما نجحت رواية أميركا اللاتينية في تقديم تشريح واقعي للوضع المأساوي للحكم العسكري في تلك البلاد في أعمال ماركيز واستورياس، وكما قدمت الرواية الألمانية المناهضة للنازية صورة مختلفة للواقع الذي كانت تبثه دعايات "جوزيف غوبلز". ذلك يجبرنا أحيانا على الابتعاد عن المدارس النقدية والفلسفية الأخرى إيمانا من الكاتب بإخلاصه لقضية شعبه والتصاقه أدبيا بطرح قضاياه الأهم بدلا من الهروب الى الخيال المحض. ما تعيشه الرواية العربية اليوم من تسليط الضوء على الاجتماعي والسياسي هو حالة طبيعية في ضوء الأوضاع التي تتكرر على أمة لم تكتسب حريتها الكاملة ولم تمتلك قرارها بعد. أمة لم يستقلّ كاتبها فتراه يدور حول كرسي الحاكم، أيا كان الحاكم، مهينا ذليلا. لا يمكن لروائي أو شاعر أن يكتب أدبا حرا اذا لم يكن حرا من الداخل أولا. فالانتقال الى عوالم روائية بإمكانها أن تكون مدارس نقدية وفلسفية يحتاج قبل كل شيء الى حرية، حرية حقيقية. المصدر: الجريدة

0 تعليقات

اترك تعليقاً

الحقول المطلوبة محددة (*).

مواضيع أخرى ربما تعجبكم